من الصحافة العربية العدد 572

رحل شافيز صديق الفقراء والمسحوقين

 

شيع الملايين في فنزويلا أمس الرئيس هوغو تشافيز إلى مثواه الأخير، الرئيس الذي انحاز إلى الفقراء والقضايا العالمية العادلة وعلى رأسها قضية الصراع العربي  الإسرائيلي والعدوان الأمريكي على العراق.

كان تشافيز من اليساريين القلائل في العالم الذي وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وأعيد انتخابه أكثر من مرة، رغم المؤامرات الأمريكية المتعددة لإسقاطه، وتهيئة كل الظروف لفوز المعارضة اليمينية المحافظة.

الشعب الفلسطيني لا يمكن أن ينسى لهذا الرجل مواقفه الداعمة لقضيته العادلة، فقد كان الأكثر معارضة للعدوان الإسرائيلي، وأغلق السفارة الإسرائيلية في كاراكاس، وأيد الكفاح الفلسطيني العادل من أجل وضع نهاية للاحتلال.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان مصيباً عندما قال: إن قضية فلسطين خسرت واحداً من ابرز داعميها في العالم بأسره، في وقت تراجع دعمها في كثير من الدول العربية بسبب حكومات رضخت للإملاءات الأمريكية في الابتعاد عن هذه القضية المركزية.

الراحل شافيز كان شوكة في خاصرة الولايات المتحدة وسياساتها التسلطية في أمريكا الجنوبية، واستطاع أن يشكل جبهة قوية من الزعماء للتصدي لهذه السياسات، تضم زعامات بوليفيا ونيكاراغوا وغيرهما.

وعندما نقول إنه انحاز إلى الفقراء فنعني بذلك توفير كل فرص العيش الكريم لهم، وباع نفط البلاد بأسعار تشجيعية للدول الفقيرة في أمريكا الجنوبية وبعض الدول الإفريقية.

اختفاؤه من الساحة السياسية إثر مرضه العضال لأشهر، ثم بعد ذلك انتقاله إلى دار البقاء بعد معاناة طويلة من المرض والعلاج الكيماوي أثار موجة من الارتياح في أوساط الإدارة الأمريكية، حتى إن الرئيس باراك أوباما سارع للترحيب بالتعاون مع الرئيس القادم للبلاد.

كان أمراً مؤلماً أن يتجنب معظم الزعماء العرب المشاركة في تشييع هذا الزعيم الكبير، وأن يكون الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هو الوحيد تقريباً، فإذا كان هؤلاء يكنون العداء للزعيم الراحل لاختلافهم مع سياساته، فقد كان عليهم الحضور تضامناً مع الشعب الفنزويلي في محنته هذه في فقدان الزعيم الأكثر شعبية في تاريخه.

الأمة العربية وقضاياها المصيرية خسرت صديقاً شجاعاً وقف معها في جميع قضاياها العادلة، وقف معها داخل منظمة الأوبك للحصول على أسعار عادلة لثرواتها النفطية، ووقف معها في وجه العدوانين، الأمريكي في العراق والإسرائيلي في فلسطين المحتلة وقطاع غزة على وجه الخصوص.

رحم الله شافيز بطل الفقراء والمسحوقين وعزاؤنا أن إرثه هذا سيستمر لأنه راسخ في قلوب الملايين في أمريكا الجنوبية والعالم بأسره.

رأي القدس

(القدس العربي) 8/3/2013

 

صديقي البوليفاري تشافيز في جبل العرب

 

في بكر الباكر من صباح الرابع من أيلول لعام 2009 استيقظ في مدن وبلدات وقرى ومزارع جبل العرب، عشرات الآلاف من أهله لأنهم على موعد مع القائد العظيم هوغو تشافيز ابن فنزويلا البار، واتجهوا نحو السويداء- قلب جبل العرب، ليس بأجسادهم فحسب، بل بقلوبهم وأرواحهم، وشوقاً لرؤية هذا الرجل وجهاً لوجه.. الرجل البوليفاري حتى عظام العظم.

واجتمع الأهل أهل جبل العرب في الملعب البلدي لمدينة السويداء، واحتشد الآلاف منهم حول الملعب والشوارع المحيطة به.

والجميع على انتظار.. وها هو ذا موكب تشافيز يصل إلى الملعب.. ويستقبله الأهل أهله بالورود والرياحين، وحين دخوله الملعب يضج الملعب بزغاريد نساء جبل العرب، وأهازيج رجاله احتفاء بضيف استثنائي في تاريخ الجبل.. وترتسم على شفتيه ابتسامة عريضة وساحرة أيضاً، وأنا أعتقد اليوم، بل أجزم بأن هذه الابتسامة لم تكن ابتسامة شفتين، بل ابتسامة قلب تشافيز التي تألقت على شفتيه، وأعتقد أن خفقان قلبه في تلك اللحظة قد تسارعت كثيراً، تسارعت سروراً ومحبة وامتناناً لأهل الجبل.

وحيا تشافيز الحاضرين في الملعب لا بيديه الصلبتين فقط، بل بقلبه وروحه وابتسامته العريضة.. ووقف خلف المنبر لإلقاء خطابه.. ولهذا المنبر قصة فريدة من نوعها.. لقد صنعه نحاتو السويداء خصيصاً لتشافيز.. صنعوه من الصخر البازلتي الأسود بجبل العرب.. وها هو ذا يقف خلفه ويتحدث بحب عظيم لأهل جبل العرب. وبصلابة لا مثيل لها يقول في خطابه: (إنني أحمل هذه الأرض، أرض السويداء في قلبي، وإنني سأتكلم عن السويداء في أرجاء المعمورة كافة.. وسأقول إنني زرت السويداء الصخرة الأقوى والأصلب.. سأقول: إنني تعرفت في السويداء على قلب سورية.. وسأقول أيضاً إنني أحمل سورية في قلبي.. إن سورية هي داري، والسويداء هي بيتي..).. نعم هكذا يتكلم الرجال، وهكذا تكلم هذا الرجل الصلب من خلف منبر مصنوع من صلد الصلد من صخور جبل العرب.. رجل ومنبرهما في الصلابة إخوان. وحكاية فريدة أخرى تتلخص في أنه خلال الزيارة دُشّن في السويداء شارع اسمه (شارع فنزويلا)، وهو شارع عريض ويحيط بالمدينة من جهتها الشمالية.. وطوله كيلومتر واحد.. وقام تشافيز بغرس شجرة تفاح رمزاً للصداقة العربية السورية الفنزويلية.

وقال بعد غرسه الشجرة لأحد المسؤولين في محافظة السويداء: أتمنى عليك أن تعتني بهذه الشجرة وأن تهتم بها، وأن تسقيها، لأنني عائد إليكم، إلى سورية بعد سنوات كي نأكل من ثمارها معاً.

إنها شجرة تفاح سورية- فنزويلية.. وأنا أعتقد اليوم أن أهالي جبل العرب ليسوا حزينين جداً على رحيل تشافيز فقط، بل حزينون أيضاً لأنه لن يستطيع زيارة السويداء مرة أخرى كي يأكل معهم من ثمار شجرة التفاح التي غرسها في تربة جبل العرب.. وأنا بطبعي، ومنذ شبابي الأول، لا أحب الشعارات، ولكنني أعتقد بأن شجرة التفاح التشافيزية في حضن السويداء ستبقى رمز الرموز بين سورية الحضارات وشعبها، وبين فنزويلا وهي من أمهات الحضارات في التاريخ وشعبها أيضاً. وهنا أحب أن أتوجه بالكلام إلى الشخص الذي طلب منه تشافيز الاهتمام والاعتناء بشجرة التفاح التي غرسها بيديه في أرضنا.. وأنا أعتقد بأنه، ورغم عدم معرفتي بمنصبه وموقعه في الحياة الاجتماعية السورية، ما زال يهتم بهذه الشجرة.. وأقول له: شكراً لأنك ما زلت تهتم بهذه الشجرة التي تربط بين شعبين بعيدين أحدهما عن الآخر في الجغرافيا، عشرات آلاف الكيلومترات، ولكنهما كما أعتقد على قرب من بعضهما في الانتماء إلى أوطانهم، والانتماء إلى الوطن هو أبجدية الأبجديات.. وأرجو منك شخصياً إن صادف وقرأت هذه المقالة أن تدعوني إلى السويداء مع أصدقاء آخرين كي نأكل معاً من شجرة التفاح التي غرسها تشافيز في تربة السويداء. وحول افتتاح (شارع فنزويلا) في السويداء وغرسه لشجرة التفاح في الشارع قال تشافيز في حديث له: (اليوم زرعت شجرة تفاح في السويداء.. زرعتها في (شارع فنزويلا) الذي دشناه اليوم، وامتداده نحو كيلو متر واحد.. ولنفترض أنه ليس كيلومتراً واحداً بل ثلاثة آلاف متر، أربعة آلاف، خمسة آلاف.. ولكن هذا الشارع في كل الأحوال سيصل فنزويلا بسورية، وسيصل سورية بفنزويلا..). ولم يستقبله أهالي جبل العرب فقط بالورود والرياحين والزغاريد والأهازيج، بل استقبلوه أيضاً بمناسف الكرم، وقال عن ذلك: (أنا لن أنسى طول عمري هذا الكرم.. كرمكم كرم مدينتي السويداء، كرم جبل العرب، وكل سورية..).

وفي المشهد الأخير من مقالتي اليوم، وإن أطلت عليكم قليلاً، أقول: لقد صعد تشافيز إلى ملكوت السماوات، وهناك استقبلته الملائكة بحفاوة وترحيب واحترام، واجتمع حوله كل فقراء العالم وشرفائها من القارات والأجناس والأعراق والقوميات والأديان السماوية والأرضية، والطوائف والمذاهب كافة لأنه ببساطة متناهية هو هوغو تشافيز.. وهأنذا الآن في السويداء، بل في شارع فنزويلا، بل تحت الشجرة، شجرة التفاح التي غرستها قبل أربع سنوات، وأنا على انتظار وأدعوك كي تأتي، وكي نأكل من ثمارها معاً، فهل ستلبي دعوتي..؟ أتمنى ذلك أيها الصديق البوليفاري بل الصديق جداً.. تشافيز..

ريمون بطرس

(الوطن)، 13/3/2013

بوليفارية تشافيز ومناهضة الإمبريالية

 

(أعرف أني تركت قلبي في جذور هذه الشجرة… أشعر أني مثلكم عربي…).

فقدت الإنسانية سياسياً اشتراكياً فذاً وزعيماً تاريخياً لأمريكا اللاتينية، وهو الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. وقد عُرِف عنه مناصرته اللاّمشروطة للديمقراطيات الشعبية والمباشرة في العالم، ودعمه لقضية التحرر الوطني، وانحيازه إلى الطبقات الفقيرة والمحرومة وإيمانه العميق بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين الأمم والأعراق والثقافات ودعمه الكبير للمجتمعات التائقة نحو الانعتاق من بطش الدول الرأسمالية.

لقد كان البوليفاري قائد كل اليساريين والاشتراكيين والشيوعيين والقوميين العرب، وكان رمزاً لكل الثوريين. وقد أحبه البسطاء والطيبون وذلك لقربه من الناس والتحامه بالجماهير وحبه للمثقفين والتزامه بالقيم الكونية ومناهضته الشديدة للسياسات الإمبريالية والصهيونية في العالم. لقد كان الكومانديتو ثورياً أممياً عابراً للقارات والدول، ولا يعرف المذاهب والحدود والأحزاب، يحمل كل الجنسيات ويكلم الناس بكل اللغات، ويفهمه الطفل ويقتدي به الشاب ويرتاح له الكهل ويبستم له الشيخ، وتعشقه الجميلات ويتمنى رفقته الطلاب وينهل من توجيهاته المفكرون.

لم يكن تشافيز صهر العرب وصديقهم فحسب، بل كان نصيراً لهم في وقت الضيق وسندهم في السراء والضراء، ومدافعاً شرساً عن حقوقهم، ومعرفاً بعدالة قضاياهم بين الأمم، ومنظراً لتحالف سياسي استراتيجي معهم، ومحباً للفلسطينيين وسيادة دول العراق ولبنان وسورية في أزمنة الحرب والسلم. يوصف هوغو بأنه مقبل أيادي شعبه، وإن فشل الانقلاب العسكري عليه الذي دبره الرأسماليون والبرجوازيون كان بفعل الثورة الشعبية التي اندلعت في جميع أرجاء فنزويلا وأطاحت بالانقلابيين ومنعت مخططهم وأعادت الشرعية البوليفارية من جديد إلى سدة الحكم.

لقد حسم البطل الاشتراكي معركته مع صندوق النقد الدولي والدوائر الاستعمارية، وأمم موارد النفط، وقضى نسبياً على البطالة والفقر والأمية والمديونية، ووفر التعليم المجاني والعلاج الجيد والغذاء الصحي والسكن اللائق للناس. في الواقع هو من طينة عظماء الإنسانية، ومن الأشخاص الذين يحترمهم الجميع من كل الملل والنحل حتى من يختلف معهم، ومن الذين يحظون بالتقدير والإعجاب على مواقفهم التاريخية ومنجزهم الثوري بالنسبة إلى شعوبهم وعدائهم الواضح لمصاصي دماء الفقراء والمرابين. على الرغم من الضغوط التي تعرض لها من تشويه إعلامي وتضليل وخداع وغدر، إلا أنه بقي ثابتاً في مواقفه من المقاومة الباسلة وصامداً في مواجهة سلطة الرأسمال، ومحارباً شرساً لكل أشكال الفساد والاستغلال ومشهّراً بسياسات العولمة المتوحشة.

لقد استطاع الثائر الزاباتيستي أن يحفر اسمه في قلوبنا الغاضبة، وأن ينقش سيرته في ذاكرتنا الجماعية بحيث لا تقدر نوائب الدهر وغبار الزمان محوها بسهولة.

زهير الخويلدي

(الحوار المتمدن)، 8/3/2013

 

تشافيز.. زعيم تحبه الشعوب

 

لم يتشدق بالحديث عن الحب والأحضان  مثلما يفعل البعض وهم يكنون ازدراء لشعوبهم  لكنه أحب شعبه بصدق؛ والفقراء منهم على وجه الخصوص.. لم يكن له أهل وعشيرة؛ يعمل على تمكينهم من افتراس جسد الوطن، وإنما كان الشعب الفنزويلي كل أهله وعشيرته.. لم يكن ولاؤه لتنظيم دولي يدين له بالسمع والطاعة، ويتعامل مع الوطن باعتباره مجرد نقطة انطلاق نحو تكوين إمبراطورية عالمية يسيطر عليها هذا التنظيم؛ مهما تكلف ذلك من تحالفات مع أعداء الوطن وخضوع لإملاءاتهم.. بل كان هوجو تشافيز، الرئيس الذي أحب الشعب الفنزويلي، وكرس حياته للنهوض بأحواله وضمان العيش الكريم للفقراء؛ وفي سبيل ذلك وقف بثبات في وجه الضغوط الأمريكية، فحظي بحب حقيقي من أبناء شعبه، ضمن له الشرعية الحقيقية بالفوز في الانتخابات الرئاسية أربع مرات؛ وعندما حانت اللحظة  التي سيواجهها كل حي  كان وداع الفنزويليين له حزناً حقيقياً ودموعاً صادقة يستحقها!

ومثلما قال لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل السابق: (لسنا بحاجة لأن نتفق مع كل ما يقوله أو يفعله السيد تشافيز. ولا يمكن إنكار أنه كان شخصاً مثيراً للجدل.. وقد لا يتفق المرء مع أيديولوجية تشافيز، وأسلوبه السياسي … ومع ذلك، لا يمكن لأي شخص نزيه، ولا حتى أشرس خصومه، أن ينكر المستوى الرفاقي، والثقة والحب، الذي كان تشافيز يكنه للفقراء في فنزويلا وقضية التكامل في أمريكا اللاتينية).

ومنذ وصل تشافيز إلى الحكم في عام 1998 بانتخاب حر (حقيقي)، لم يقتصر اهتمامه بالفقراء على مجرد تحسين أحوالهم المعيشية اقتصادياً فحسب، وهو ما حقق فيه نجاحاً ملحوظاً عبر إنشاء التعاونيات والكوميونات، ونجاحه في استغلال فوائض الريع النفطي للقضاء على الأمية، والتطوير الملحوظ في قطاعَيْ التعليم والصحة، ونشر برنامج (العلاج عن قرب) لضمان وصول الرعاية الصحية إلى السكان في أفقر الأحياء؛ وإنما كان حرصه واضحاً على تشجيعهم على المشاركة  السياسية. وقدم تطبيق (التشاركية الديمقراطية)، المثل على أنه (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)، وأن الفقراء من حقهم أن يكون لهم الكلمة المسموعة فيما يتعلق (بشؤون دنياهم)، فكان إنشاء عشرات الآلاف من المجالس المحلية في مختلف أنحاء البلاد، ومنحها الصلاحيات الواسعة بما يضمن تحقيق تطلعات المواطنين!

وكما هو متوقع، لم يكن وصول زعيم يساري إلى سدة الحكم في إحدى بلدان أمريكا اللاتينية، أمراً مقبولاً من الولايات المتحدة الأمريكية، التي واصلت الضغط من أجل تطبيق سياسات الخصخصة، وكانت تستخدم شركة بترول فنزويلا كمخلب قط لحماية مصالحها؛ لكن الرئيس الوطني  المطمئن إلى دعم شعبه  لم يكن ليقبل إملاءات من خارج الحدود؛ فسارع إلى بسط سيطرة الدولة على الشركة؛ وهو مافاقم حدة الغضب الأمريكي.

وعلى النقيض مما يفعل الطغاة الفاسدون، الذين يتجه ولاؤهم خارج الحدود  للقوى التي تدعم وصولهم إلى الحكم واحتفاظهم بالسلطة ماداموا يخضعون لإملاءاتها  كان الطبيعي أن يسعى الزعيم الحر الإرادة، لتشكيل تكتل إقليمي بهدف صد أطماع الولايات المتحدة. ويقول لولا دا سيلفا: (كان تشافيز عنصرًا جوهرياً في معاهدة 2008 التي أنشأت اتحاد شعوب أمريكا الجنوبية، وهي منظمة حكومية دولية من 12 عضواً، يمكن أن تنقل القارة يوماً ما، نحو نموذج الاتحاد الأوربي. وفي عام ،2010 قفز مجتمع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، من النظرية إلى الممارسة، وقدمت منتدى سياسياً إلى جانب منظمة الدول الأمريكية. (لكنها لا تشمل الولايات المتحدة وكندا، مثل منظمة الدول الأمريكية). ولم يكن من الممكن إنشاء مصرف الجنوب  وهو مؤسسة إقراض جديدة، مستقلة عن المصرف الدولي ومصرف التنمية للبلدان الأمريكية  ممكناً من دون قيادة تشافيز).

وكان مصرف الجنوب أحد ثمار (اتحاد شعوب أمريكا اللاتينية)، وكذلك مجلس دفاع أمريكا الجنوبية، وجامعة أمريكا اللاتينية، و تلفزيون الجنوب (تليسور)، فضلاً عن مشروع لاستثمار عائدات البترول داخل القارة الجنوبية باسم (بترو أمريكا).

ولم تتوقف جهود الزعيم البوليفاري لتوثيق صلات بلاده بدول العالم العربي وإفريقيا، وبالذات البلدان التي تتعرض لضغوط أمريكية؛ فمن طرد السفير الإسرائيلي من كراكاس بعد العدوان على غزة، الذي أطلق عليه وصف (الهوبوكوست النازي)، (هل يجرؤ أن يفعلها نظام (عالقدس رايحين؟) إلى اتفاق لبناء مصفاة بترول بطاقة 200 ألف برميل يومياً في سورية، ورفض هجوم الناتو على ليبيا، إلى إنشاء مشروع للطاقة في أنجولا لمساعدتها على (التحرر من تسلط شركات البترول الغربية)، واتفاقية لتوريد نصف مليون برميل يومياً إلى الصين؛ فضلاً عن دعم الموقف الإيراني في وجه الضغوط الأمريكية.

نعم، قد نتفق أو نختلف مع بعض سياسات تشافيز وتوجهاته وأقواله، غير أن أي تحليل منصف لا يمكنه إنكار إخلاص الزعيم الفنزويلي لمصالح شعبه، وولاؤه لهذا الشعب، ورفضه الخضوع لأي إملاءات خارجية، ووقوفه بثبات الأحرار في مواجهة ضغوط أمريكية عاتية، ومؤامرات لم تتوقف، لإزاحته! فأثبت للجميع أن من يكون ولاؤهم داخل حدود الوطن، لا تنحني جباههم أمام أي قوى عظمى مهما بلغ جبروتها! وأن الحاكم الشريف والنزيه حقاً يُعجِز الأعداء، فلا يستطيعون شراءه، ولا يجدون سبيلاً لفرض إملاءات عليه، مثلما يفعلون مع من يحتفظون لهم بملفات فضائح يبتزونهم بها.. أثبت تشافيز بالفعل صحة مقولة: (امش عدل، يحتار عدوك فيك)! كما كان قوياً في إعلان ما يراه حقًا حتى لو أثار غضب القوة العظمى في العالم؛ لأنه ببساطة (ليس على رأسه بطحة)! أثبت أنه بالفعل حر، وفقاً لمقولة كازانتزاكس (أنا لا أطمع في شيء، ولا أخشى شيئًا.. أنا حر)!

فعلى الرغم من أن تشافيز غير ملتح، كما أنه لا يحفظ القرآن، ولا يصلي الفجر حاضراً. لاشك أن الملايين في هذا العالم على فراقه لمحزونون! و لا أملك سوى أن أقول رحمك الله يا تشافيز، وغفر لك  رغم أنف المتنطعين  حكمت، فعدلت، فنمت في قلوب أبناء شعبك، وووريت ثرى وطنك؛ كريماً، مكرماً، مكللاً بالمجد والفخار.

إكرام يوسف

الحوار المتمدن- 11/3/2013

 

أنا المسجى يا رفيقنا

 

ليست جنازة هذه، وليس تشييعاً.

عندما تنتصب قامة كبيرة في نعش…

ولا هو وداع، أو نهاية تفطر القلب..

كأن الحياة تفقد شيئاً من روحها

أن تخسر كلمة صانتك وهم يحاولون قتلك

.. أن تنصفك عبارة قبل أن تذبح..

وأن تشعر بدفء قطرات مازوت، وبرد العالم يحاصرك

لا مراسم عزاء، عندما تكون أنت المسجى، أو ما تبقى منك

فلتصدح كل موسيقا الكون

بما يختنق في قلبك من صرخات..

ولتعزف (التشيلو) على أوتارها

آخر نوتة ألحانها…

وإنما لك يا رفيقنا.

لكنه ليس وداعك.. إنه وداعنا

عندما تغيثني في تموز…

وتنجدني في غزة ودمشق وبغداد وطرابلس….

تستحق انحناء كل الرؤوس أمام هامتك.. يا نصيرنا

ها هم (رؤساؤنا) يتوارون خلف صغائرهم..

يخجلون من صورتك.. ومن نعشك

من حياتك وموتك … ومما فعلت

أنا المقتول يا هوغو.. وأنت المغادر واقفاً.

خليل حرب

(السفير)، 9/3/2013

 

رحل تشافيز… بقيت التشافيزية

 

 هي حكاية الهندي الأحمر، وريث سيمون بوليفار وتوءم فيديل كاسترو وتلميذه. ذاك الزعيم الذي رقص مع الشعب وأسر قلوب فقرائه. أغدق عليهم الصدق والشفافية، وسقاهم الكفاح ضد الرأسمالية والإمبريالية، وجاهد لمنحهم العدالة الاجتماعية. (زعيم) من طينة الناس، كل الناس. أيقونة المضطهدين والمقهورين، من أمريكا اللاتينية، حيث أرسى نهجاً سرعان ما هيمن على عواصم القارة الجنوبية كلها، إلى الشرق الأوسط، حيث أحيا إرث جمال عبد الناصر بالتزامه جميع قضايا العرب، تتقدمها فلسطين، وتحالف مع إيران  المقاومة. هو الهندي الأحمر، تلك الشوكة العصيّة التي نبتت في الحديقة الخلفية لأمريكا. سقتها دموع الأمهات وعرق الأطفال. هناك، في بلاد العم سام، حيث الفجور لا يعرف حدوداً، من تغمره السعادة برحيل (الكومندانتي). من يراهن على ثورة ملونة أو انقلاب يميني يطوي عقداً من العزة والكرامة. رغبات تبدو أشبه بأحلام يقظة، تصدت لها هتافات الفنزويليين، الذين ينتحبون على رحيل القائد ويجددون الولاء لنهجه: كلنا تشافيز، تشافيز حيّ، الكفاح مستمر!

(الأخبار) 15/3/2013

 

مائدة هوغو شافيز الفقيرة

 

كان ذلك في عام 2008 في الغالب.

كنت في العاصمة الفنزويلية كراكاس، مدعوّاً إلى المهرجان الشعريّ الأول هناك.

من سفارة (الجمهورية الثورية البوليفارية لفنزويلا) بالعاصمة البريطانية حصلتُ، بسرعة أسطورية، على تأشيرة الدخول من دبلوماسي فنزويلي في منتهى الأناقة واللطف (أمريكا اللاتينية معروفة بانتقاء دبلوماسيّيها).

سعدي يوسف

 

انتظر يا رفيق!

 

 انفتح النعش المغطّى بالورود، فتوقف الموكب الجنائزي، وتوجهت الأنظار إلى أعلى العربة العسكرية، وسرت همهمات مكبوتة وتلاشت فجأة. بعد لحظات، ظهر الرفيق الفنزويلي من النعش يتمطى متثائباً، ثم التقط ساعته البوليفارية بتكاسل من يستيقظ من النوم. حدّق فيها لهنيهة، ثم عقدها حول معصمه، وقفز من النعش.

ياسر قبيلات

 

النهضة الداخلية والشخصنة السياسية

 

 سمات عديدة أثارت حفيظة كثير من الفنزويليين في الرئيس الراحل هوغو تشافيز. لم ترُقهم مبالغته في الوعظ الثوري؛ إذ يرون أن (الزائد أخو الناقص). حتى إنهم نظروا إلى التعديل الدستوري الشامل، الذي أجراه عام ،2007 على أنه محاولة سطو على صلاحيات ديكتاتورية، وهو ما تجلّى في صناديق اقتراع قالت لا لتشافيز، وكانت المرة الوحيدة التي كانت أكثرية الشعبية ضد الكوماندانتي في سنوات حكمه.

جمال غصن

 

فنزويلا  كوبا: وريثا حلم بوليفار

 

 قبل قرابة قرن من الزمن، أدرك خوسيه مارتي وسيمون بوليفار أن أمريكا اللاتينية لن تتحرر من الهيمنة الإمبريالية إلا باتحاد شعوبها وتضامنها. حلم بوليفار (برؤية أمريكا اللاتينية تشهد تكوّن أكبر أمة في العالم، ليس بفضل مساحتها وثروتها بقدر ما هو بفضل حريتها ومجدها). أما مارتي فكان يسمّيها (أمريكانا)، لتمييزها عن أمريكا الأخرى، التوسعية وذات الأطماع الإمبريالية.

بسام القنطار

 

حديقة ملأى بالأشواك: أكبر صداع في رأس واشنطن

 

 على مدى عقود، صوّرت الولايات المتحدة الأمريكية كوبا على أنها واحدة من الدول الشاردة عن القطيع، وأنّ مصير نظامها إلى زوال. تغيّرت الخريطة السياسية في أمريكا اللاتينية منذ عام 1998. أضيفت دولة شاردة أخرى: فنزويلا. (الدولة المارقة) لم تنزوِ في (حديقة أمريكا الخلفية) لتتلقى الضربات والصدمات. تعاونت مع (الجزيرة المعزولة). قدمت خطاباً بديلاً، ونمط حكم بديلاً. مرّت سنوات لتمتلئ بعدها الحديقة بالأشواك.

إيلي حنا

 

نصير العرب وحليف إيران

 

 هوغو تشافيز ليس مجرد ضابط نجح في الانقلاب على النظام السابق ليتولى السلطة، ولا هو رجل سياسي أتى ليُنفّذ برامج دول أو منظمات خارجية، بل هو حالة شكّلت منعطفاً تاريخياً شهدته أمريكا الجنوبية انعكس إيجاباً على قضايا العرب والشرق الأوسط

منذ تسلّمه السلطة في 6 كانون الأول عام ،1998 أصبح هوغو رافاييل تشافيز فرياز امتداداً أساسياً لقائده وملهمه الثوري فيدل كاسترو، في جبهة واحدة ضد الإمبريالية العالمية، والتي امتدت من أمريكا الجنوبية وصولاً إلى إيران وسورية وكوريا الشمالية، وفي السابق شملت العراق وليبيا واليمن. إلا أن السؤال المطروح الآن: هل تستمر هذه البنية في ظل القيادة الفنزويلية الجديدة؟

معمر عطوي

 

(الشيطان بوش)

 

 شكلت كلمات الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو تشافيز، ظاهرة فريدة في الخطب الدبلوماسية في العالم. وهو فاجأ العديد من الزعماء والرؤساء بتهجمات عنيفة. ففي خطاب أمام الأمم المتحدة في أيلول ،2006 وصف تشافيز الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بأنه (شيطان)؛ إذ بادر لدى اعتلائه المنبر إلى رسم إشارة الصليب على وجهه، قائلاً: (فليسامحني الله لأني أقف على المنبر الذي وقف عليه الشيطان بالأمس)، في إشارة إلى خطاب بوش. ثم تلفت حول نفسه وقال: (أستطيع أن أشم رائحة البارود حتى الآن في هذا المكان).

 

(ألو بريزيدنتيه)… إدارة البلاد على الهواء مباشرة

 

من مزرعة في إحدى البلدات الفنزويلية، أو من داخل سوبرماركت في كراكاس أو من على مدرّجات ملعب رياضي أو من القصر الرئاسي، أطلّ هوغو تشافيز، طوال 13 سنة، على شعبه في برنامج أسبوعي يدعى (ألو بريزيدنتيه) Alo Presidente، أول تجربة تلفزيونية من نوعها في تاريخ الإعلام المرئي.

أدرك الرئيس الفنزويلي (سحر) التلفزيون، وأحبّ الناس وأراد أن يتواصل معهم بشكل دائم ومباشر.

صباح أيوب

 

تشافيز… مات المناضل المثال

 

 الرفيق، القائد، المناضل، الرئيس الثائر… ألقاب عديدة تركها خلفه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي أعلنت وفاته أمس بعد صراع طويل مع مرض السرطان، بعدما طبع مرحلة سياسية فريدة من عمر أمريكا اللاتينية، أعادت إلى القارة مدها اليساري وتعاطفها مع قضايا المستضعفين في العالم. لم يكن تشافيز مجرّد رئيس، بل مثّل حالة أخذت بالتمدد، وبالتأكيد لن تتوقف بوفاته.

قد يكون الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز خسر معركته مع الجسد، بعدما تمكن مرض السرطان أمس من التغلب عليه إثر صراع طويل، لكن الأكيد أن (الكومنداتي) ربح معركة أكبر ستحفر في التاريخ تاريخاً جديداً يمتد إلى سنوات وسنوات مقبلة. الرفيق الراحل شهد خلال حياته على إرهاصات هذه المرحلة التي لن تنتهي برحيله، فالحالة لم تعد فنزويلية، بعدما تخطى الراحل حدود وطنه إلى عموم القارة اللاتينية. ولعل الشخصيات المتربعة على رئاسة العديد من الدول في القارة تشهد على أن (الحالة التشافيزية)، التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتواءها، باتت ظاهرة عصيّة على التدجين.

معمر عطوي

(الأخبار)، 15/3/2013

العدد 1105 - 01/5/2024