في رحيل رائد الملحمة الدرامية المصرية والعربية المخرج المصري إسماعيل عبد الحافظ

شكل الثنائي الكاتب أسامة أنور عكاشة، والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، لغة درامية جديدة مفتوحة الآفاق على تاريخ الأمكنة والمجتمع، عبر رصدهما لتفاصيل حياة الناس البسيطة والحارات والبيوت المصرية الشعبية القديمة والحديثة. وقد ظهرت ذروة الإبداع في الدراما الملحمية في مسلسل (ليالي الحلمية) الذي أسس لفكرة الإخراج الملحمي المتداخل في الحكايات، والمؤطر في التاريخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والحضاري لمصر الحديثة. فمن يُرِدْ أن يعرف تاريخ مصر منذ الخمسينيات حتى الألفية الثانية يمكنه أن يتابع أعمال الثنائي أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ، فقد كانت تلك الأعمال شاهداً على تاريخ مصر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والذي يشبه في كثير من تفاصيله أغلب البلدان العربية.

برحيل المخرج اسماعيل عبد الحافظ تكون الدراما العربية عموماً والمصرية خصوصاً قد خسرت أهم من قدَّم حكاية الملحمة الشعبية وتاريخ المدن في إطار كاميرته الساحرة، فقدم أعمالاً ملحمية أسطورية أمتعت المشاهد العربي، وتمكن من وصف حارات مصر القديمة برجالها (الجدعان) منطلقاً من حميمية الأسرة المصرية، سواء كانت تلك الفقيرة أم الأرستقراطية.

ورغم رصده للعلاقات الاجتماعية في إطارها التاريخي إلا أنه تمكن من ناحية أخرى من زج المشاهد في تفاصيل الحكاية الواحدة، إذ تميزت أعماله في تركيبة النجوم الدرامية ومن أجيال مختلفة في خلق الروح التشاركية والحوار بين الأجيال الفنية المختلفة. فمن يحيى الفخراني وصلاح السعدني إلى ممدوح عبد العليم وهشام سليم وسمية الألفي وآثار الحكيم، مروراً بالنجوم الفنية الجديدة. ومن الناحية الفنية وأسلوبية الإخراج فإن عبد الحافظ تمسك بصورته الإخراجية التقليدية في زمن طغيان الصورة السينمائية، لكنه بالمقابل حقق بتلك الأسلوبية التقليدية  النسبة الكبيرة للمشاهدة مقارنة مع الأعمال التي اعتمدت التقنية الجديدة.

ولد المخرج إسماعيل عبد الحافظ في 15 آذار 1941 بمحافظة كفر الشيخ، وتخرج في كلية الآداب قسم لغات شرقية جامعة عين شمس عام 1963. وعمل في بداية مشواره مساعد مخرج في التلفزيون المصري، قبل أن يخرج أول أعماله في نهاية الستينيات.  وقد تدهورت حالته أثناء العلاج بأحد مستشفيات القاهرة، فنصحه الأطباء بالسفر إلى فرنسا، ولم يكن أمام ابنه محمد سوى استئجار طائرة طبية خاصة على نفقته الخاصة في محاولة لإنقاذ والده الذي رفض في أثناء مرضه عروضاً من شخصيات عربية لعلاجه على نفقتهم، وخاصة أن المرض الذي كان يعانيه يحتاج إلى نفقات باهظة لعلاجه. وذكرت تقارير صحفية أن إسماعيل عبد الحافظ باع أثاث بيته، وباعت زوجته مجوهراتها لتدبير نفقات العلاج.

رحل عبد الحافظ، وبقيت ملاحمه الدرامية تتلألأ في الفضائيات العربية، وقدم المخرج خلال مسيرته الإبداعية العديد من الأعمال منها: مسلسل المصراوية من جزأين، والشهد والدموع، وعفاريت السيالة، وسامحوني ماكنش قصدي، ونقطة نظام، وكناريا وشركاه،و للثروة حسابات أخرى، وحدائق الشيطان، وشارع الموردي، وعدي النهار، والأصدقاء، وامرأة من زمن الحب، وخالتي صفية والدير، والموج والصخر.

العدد 1104 - 24/4/2024