بعد أوباما… كيري في المنطقة: حساب الحصاد المر!

من الطبيعي أن يعود وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى المنطقة، وربما البقاء فيها، بعد زيارة رئيسه أوباما و(جولته السياحية) في ربوع القدس المحتلة وتل أبيب ورام الله وعمّان، وبعد إسراع نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، وظيفتها الفعلية منع أي تقدم على طريق السلام. حتى لو خطر لجون كيري أن يشد عضلاته ويعيد تذكير الإسرائيليين بأهمية الوصول إلى حل لصراعهم مع الفلسطينيين على أساس (حل الدولتين).

ومن غير الطبيعي أيضاً إخراج زيارة جون كيري الثانية إلى المنطقة من الحسبان، فهي تأتي في ظل تحولات كبرى، وسقوط أنظمة كانت حليفة للولايات المتحدة، وتوالي حلقات دوائر العنف في غير مكان، إضافة إلى معطيات سياسية كبيرة تشهدها المنطقة، أبرزها سقوط أنظمة وتولي أخرى إسلامية للحكم.

وبالتالي ستوجه الزيارة أكثر من رسالة، أولاً إلى الدول العربية وإيران، بالتزام واشنطن المطلق بأمن وبقاء إسرائيل، في وجه أي تهديد، مهما تباينت المواقف بين القيادات، ورسالة أخرى للكونغرس الأمريكي، بأن عليه أن يخفف من الضغوط المفروضة على الإدارة الأمريكية لجهة عدم تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية، من باب أن كلمة الرئيس أوباما من القدس المحتلة قد (رسمت خطاً عريضاً في ملامح تحديات الأمن الإسرائيلي)، وخاصة الملف النووي الإيراني، وكأنه أيضاً حاول (طمأنة) إسرائيل إلى أن هناك حماية أمريكية للمعاهدات الموقعة مع مصر والأردن.

في البعد الدبلوماسي هناك سؤال يطرح اليوم عن محتوى الحقيبة الدبلوماسية الأمريكية، هل هي مبادرة أم رؤية شاملة لتحقيق السلام؟ أم مجرد ضغوط من أجل دفع عملية السلام المتوقفة من باب المفاوضات المجمدة إلى أجل غير محدد بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ الإجابة على السؤال تحدد ملامح الحراك الإقليمي والدولي في زمن التوترات المقلقة. وبالتأكيد ليس جون كيري بوارد الاستجمام في إيلات، بل من المفترض أن تكون الجولة هذه منسجمة مع ما قاله رئيسه أوباما في خطاباته الرسمية التي درج عليها بين القدس المحتلة ورام الله وعمان، فأعاد فيها التشديد على أهمية السلام في المنطقة، وعلى ضرورة استئناف المفاوضات على قاعدة (حل الدولتين)، لأنه يعلم أن مستقبله السياسي ومستقبل رئيسه أوباما ومستقبل حزبه الديمقراطي، مرهون بمدى رضا اللوبي اليهودي عنهم في واشنطن.

على كل حال، تأتي جولة كيري الجديدة على إيقاعات عدة، وبالتالي ترتبط مفاعيلها بجملة من الأحداث والتداعيات التي لا يمكن لمراقب أو محلل سياسي تجاوزها، فالجمود إلى حد الكساد على مسار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بلغ حداً بات معه تدخل المبضع الأمريكي ضرورة قصوى، خشية تحول الجمود إلى (تورم سرطاني) يتعذر شفاؤه، كما أنه بعد فوز أوباما بجائزة نوبل للسلام، بات لزوماً على إدارته أن تثبت أنها جديرة بهذه الجائزة.

فالمرحلة الحالية لا تزال حبلى بالكثير من المفاجآت والتحديات، ولعل أبرز ما يواجه الإدارة الأمريكية هو تعنت إسرائيل في الملف الاستيطاني، خصوصاً بعد تنامي القلق الإسرائيلي من زيادة الشرعية الدولية للقضية الفلسطينية، وتماهي المجتمع الدولي مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، من باب دعم حصول فلسطين على صفة (دولة مراقب) في الأمم المتحدة، كما لا يمكن فهم المشهد المعقد خارج إطار التركيبة الفعلية لمراحل ما بعد سقوط الأنظمة في بلدان (الربيع العربي).. فاستمرار الازدواجية المعيارية في تعاطي الولايات المتحدة، أثمر تباعداً على مستويات عدة بين الأمريكيين، والرأي العام العربي، البعيد عن الأدلجة.

أما على المقلب الآخر، أي إسرائيل، فالمشهد الداخلي ضبابي، وبالتالي فإن فوز حزب (هناك مستقبل) بزعامة يائير لبيد بتسعة عشر مقعداً في الكنيست، هو ضغط إضافي على النخبة السياسية والعسكرية المهترئة في إسرائيل، مما دفع حزب (الليكود) القائد التاريخي لإسرائيل، أن يتحد مع حزب (إسرائيل بيتنا) اليميني المتشدد، ليشكلا معاً كتلة (الليكود بيتنا)، وبالتالي شكل نتنياهو مع حلفائه حكومة متعثرة قبل أن تبدأ، إذ لايزال وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان خاضعاً للتحقيقات والملاحقات القضائية، الأمر الذي ترتب عليه احتفاظ نتنياهو بالحقيبة الوزارية.

إذاً.. الجمود هو سيد الموقف في العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، وهو جمود يستثمره الإسرائيليون، فيمضون في بناء المستوطنات، ليقيموا (أوضاعاً جديدة على الأرض)، لاعتقادهم أن من شأنها أن تقطع الطريق في المستقبل على أي مسعى لإقامة دولة فلسطينية، بعد أن تكون معظم الأراضي التي ستقوم عليها هذه الدولة قد أصبحت في أيدي المستوطنين الصهاينة، فضلاً عن التهويد المستمر لمدينة القدس، الذي يهدف إلى إنهاء (الحلم الفلسطيني) في أن تكون (القدس الشرقية) عاصمة دولة فلسطين الموعودة.

العدد 1105 - 01/5/2024