من الصحافة العدد 577

Normal
0

false
false
false

EN-US
X-NONE
AR-SA

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”جدول عادي”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

لماذا نفضل الانتحار؟!

في كل عام يستذكر الأرمن والسريان والكلدان والآشوريون ذكرى المجازر التي نفذتها الإمبراطورية العثمانية. يؤكدون التمسك بالحقوق وبمسؤولية الدولة الوريثة ويستحضرون الإنجازات ومآثر حضاراتهم العريقة ويعلنون اعتزازهم بانتمائهم القومي وولاءهم للأوطان التي لجؤوا إليها، وباتوا جزءاً أساسياً من نسيجها. وبعيداً من آلام الماضي، وبعيداً من التبريرات عن سعي تلك المجموعات للاستقلال الذي لا يبرر في أي حال من الأحوال قتل مئات الآلاف من البشر دفعةً واحدة، تكتسب هذه الذكرى في أيامنا هذه أبعاداً ومعاني متجددة.

فالنسيج الاجتماعي في المشرق يختزن تنوّعاً هائلاً في مكوناته القومية والمذهبية، لا يصح معه الحديث عن (أكثريات) و(أقليات). كل مكوناته أقليات من العراق إلى لبنان، ولا فضل لمكونٍ على آخر إلا بمدى إسهامه الحضاري والثقافي ودوره كقيمة مضافة وتمسكه بالتنوع من ضمن الوحدة وقيادة مشاريع بناء الدولة الحديثة العصرية.

وعلى مدى عقود، لم تؤدِ محاولات (الصهر) وتذويب الهويات والخصوصيات التي قامت بها السلطويات القومية سوى إلى الوصول بالدول المتعدّدة إلى حالات تفكك وشبه تقسيم واستدراج القوى غير العربية والدولية والاستعانة بها على أبناء الوطن الواحد، وتالياً إلى المساهمة في (تفجّر المشرق العربي)، على حد تعبير المفكر جورج قرم.

اليوم، في ظل تحولاتٍ عميقة في المجتمعات العربية، تصعد الحركات المتشددة إلى الواجهة على أنقاض السلطويات المنهارة. هناك فكرٌ تكفيري قادم من بيئات لم تعرف التنوّع، وينهل من تراث ديني يحتاج إلى حركة إصلاح جذرية وشجاعة، يغزو المشرق العربي.

لا يكترث أتباع هذا الفكر ومعظم الحركات الإسلامية للتنوّع في النسيج الاجتماعي، ولا للإسهامات التي قدمتها المكونات للحضارة العربية وكانت عنوان ثرائها ومجدها وعزّتها. هكذا يُقتلع المسيحيون من أرض الرافدين وتستهدف العتبات المقدسة، وتُهدد مكونات أصيلة في سورية، ويبقى أقباط مصر تحت سيف السياسات الذمية التي تغذيها سلطوية (الإخوان) المتعطشين لإعادة إنتاج الاستبداد مع قيادتهم الحالية الناهلة من فكر (سيد قطب) و(جاهلية المجتمع)، ويلوّح البعض في لبنان بمنطق (العدد) حفاظاً على مكتسبات السلطة.

يستذكر الأرمن والسريان مجازرهم اليوم، ونحن نسمع (فتاوى) غريبة عجيبة وتُسمى مذاهب وجماعات بأسرها بعبارات تكفيرية تحقيرية. ولا تعفي الاتجاهات التكفيرية أبناء مذاهبها من تطرفها، فهي تستهدف كل اختلاف وتنوعٍ في أي مجتمع كان. خطورة هذه الحركات استهدافها للثقافات المحلية والخصوصيات والتمايزات، وعدم اعتبار الآخر المختلف، مستفيدة من إحدى ظواهر العولمة في سلخ (الديني) عن (الثقافة) ليصبح (ديناً من دون ثقافة) وتتوسّع تعبيراته المتطرفة، كما يؤكد عالم الاجتماع الديني أوليفييه روا في كتابِه المميز (الجهل المقدس).

في هذا العصر الذي زادت فيه العولمة حدة إشكالية (الهويات القاتلة) من أفغانستان إلى عمق أوربا، وفي لحظة تغيّر عاصفة في العالم العربي، تصبح معاني (سيفو) وأخواتها أكثر تعبيراً عن الواقع. إنها قضية الحفاظ على التنوع من ضمن الوحدة والمساواة التامة في المواطنة، إنها التمسّك بالتراكم الحضاري في مواجهة منطق تدمير تماثيل بوذا والتلويح بهدم الأهرام والقضاء على كل ما سبق. إنها (قضية الإنسان وحرياته وكرامته في الشرق)، كما يقول حبيب أفرام في كتابه الأخير (مسيحيو الشرق: خيار البقاء وإرادة الرجاء). هي مسألة اختيار بين نعيم الاعتراف بالآخر والثراء الإنساني والتفاعل الحضاري الخلاق، وبين جحيم الانتحار الجماعي عبر رفض الآخر وتالياً الصدام والتأسيس لحروب مئات الأعوام في الشرق. فلماذا نفضل الانتحار؟

ميشال أبو نجم

(السفير)، 27/4/2013

 

عفواً مانديلا.. نحن غير!

في رسالة وجهها نيلسون مانديلا، المناضل الإنساني والتاريخي ضد الفصل العنصري، والرمز الأبرز للتحرر منه، والرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا، إلى الثوار العرب، تمثل درساً ليس في السياسة فقط، بل في الأخلاق أيضاً.

يبدأ مانديلا رسالته بالاعتذار عن (الخوض) في شؤوننا الخاصة، ويطلب السماح له إن كان يدس أنفه فيما (لا ينبغي) أن يُقحَم فيه، لكنه هو (الوفاء) للمساندة التي حصل عليها من الشعوب العربية أيام (قراع الفصل العنصري)… يملي عليه  (واجب النصح) ورد (الجميل)، وإن بإبداء رأي (محصته التجارب، وعجنته الأيام، وأنضجته السجون).

لقد كان هم مانديلا رغم هول الظلم الذي وقع على شعبه، وعليه هو بالذات، ليس الثأر، بل كيف سيتعامل مع (إرث الظلم) ليقيم مكانه (عدلاً)، لإدراكه العميق بأن إقامة (العدل أصعب بكثير من هدم الظلم). وإن (الهدم) أسهل بكثير من (البناء). الأول فعل سلبي، أما الثاني فهو فعل إيجابي. وحتى لا يبدو وكأنه يعطينا درساً متعالياً في الحكمة، فهو يقتبس عن حسن الترابي الزعيم الإسلامي السوداني المجتهد والمتنور قوله الصائب: (إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل). نعم إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل، ولذلك لم يفعل مانديلا مثل ما يفعله كثير من (ثوارنا) الأشاوس بتأسيس السياسة على الكراهية، التي لا تقبل أقل من اجتثاث الخصم كما حصل في العراق، ولا أقل من إعدامه كما يحصل اليوم في ليبيا وسورية. المسألة بالنسبة لمانديلا ورفاقه لم تكن ثأراً شخصياً، بل بحثاً عن جواب وطني للسؤال المتعلق بكيفية تجاوز الكراهية إلى المسامحة، ومن ثم التعاون والعمل المشترك، لأن المسألة برمتها تخص الوطن والأجيال القادمة، وبالتالي لا يجوز بحسب رأيه تثقيل المستقبل بأوزار الماضي.

حقيقة يشعر المرء، وهو يقرأ رسالة مانديلا كم هو حزين لكون (تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس(وغيرهما) تشي بأن معظم الوقت يتم هدره في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين..). ويا ليت الأمر يا سيد مانديلا يقف عند حدود  (السب والشتم)، بل صارت ملاحقة أنصار الأنظمة السابقة، وتصفيتهم، أو سجنهم، تمثل الشغل الشاغل (للثوار) ليس فقط في مصر وتونس بل في الدول العربية الأخرى. كم دفع الشعب العراقي من أثمان باهظة بسبب سياسة (اجتثاث البعث)، وكم يدفع السوريون اليوم ثمناً باهظاً بسبب رفض الحوار من قبل النظام والمعارضة على حد سواء ، وعدم قبول أي من الطرفين بأقل من إسقاط الطرف الآخر بالسلاح واجتثاثه وتصفيته بكل (أركانه ورموزه وقواعده).

لقد صدقتَ يا سيد مانديلا في ملاحظتك، بأن الاتجاه العام عندنا يميل إلى (استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة) واعتبارك ذلك (أمراً خاطئاً). مرة أخرى أقول يا ليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى السجن والتصفية أو التهجير. ففي سورية حتى قبل استلام السلطة يجري التعامل، ليس فقط مع أنصار النظام، بل مع ما يفترض أنهم في الخندق الواحد بالقمع وصولاً إلى التصفية.

نعم (إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير)، هو الدرس البليغ الذي تقدمه للثوار العرب، لكن المشكلة عندنا يا سيد مانديلا، أننا لا نرى المستقبل إلا من خلال الماضي، ويا ليت بدروسه وعبره، بل بكل تفاصيله، إنها الأصالة، ألسنا قوم (النقل والعنعنة)؟

وإذ يؤكد مانديلا على نجاح سياسة (الحقيقة والمصالحة) التي اتبعها في بلاده، وينصحنا باتباعها لأنها ذات طبيعة عامة، فإننا بهذه الطريقة، بحسب مانديلا، سوف نرسل (رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الدكتاتوريات، وأن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة)، لأن المجتمع في النهاية (لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته). ويتمنى علينا مانديلا في ختام رسالته أن نستحضر قول نبينا (اذهبوا فانتم الطلقاء)، فهل نحن فاعلون؟ لا أعتقد ذلك!

منذر خدام

هيئة التنسيق،  26/4/2013

 

أستاذي ومعلمي محمد المازوني

أستاذي ومعلمي وصديقي محمد المازوني… وأنا أكتب عنه اليوم بعد رحيله بستة عشر عاماً لأنه ما زال في الذاكرة، ذاكرة كل الأصدقاء، وأصدقاؤه كانوا كثراً في مدينة حماة… وقد تعرفت عليه بعد نكسة حزيران عام ،1967 إذ كان أستاذنا في مادة الفلسفة في ثانوية (أبي الفداء)… وكان طلاب الثانوية يكنون له كل الاحترام والتقدير… وشاءت المصادفات أن التقينا به أنا وبعض الأصدقاء من طلاب ثانويات حماة في بيت أستاذنا مراد… وبعدئذ تكررت اللقاءات بيننا كمجموعة أصدقاء وبينه كأستاذ ومعلم ومربٍ، ولاحقاً كصديق… وفي اللقاءات كان يتحدث بألم شديد عن نكسة حزيران، وعن آثارها على البلاد وعلى الأمة بأسرها.

ولكن أكثر المواضيع أهمية بالنسبة له كانت الثقافة، يقول: يجب ألا تقتصر ثقافتنا على قراءة ماركس وإنجلس ولينين وغيرهم من رواد الفكر الاشتراكي العالمي، بل يجب أولاً أن تنصبّ اهتماماتنا على قراءة تاريخ الحضارات التي مرت على سورية عبر آلاف السنين، والتعرف عليها عن قرب، وقراءة الإرث العربي الإسلامي المسيحي في منطقتنا. وكان ينصحنا أن نقرأ بتمعن القرآن الكريم والسيرة النبوية والأناجيل الأربعة، والتوراة أيضاً… وأن نقرأ كذلك ابن خلدون وابن رشد والجاحظ وأبا حيان التوحيدي… وفي الشعر العربي كان لأستاذنا محمد حافظة يحسده عليها الكثيرون… المتنبي، وعمرو بن كلثوم، وأبو تمام وأبو نواس… ولكنه كان يتغنى كثيراً ببعض أبيات من معلقة عنترة العبسي:

ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ

مني وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي

فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنّها

لمعَتْ كبارقِ ثغرِكِ المتبسمِ

وبعد عنترة نبدأ نحن الطلاب الموسيقيين بالعزف على العود والقانون والكمان والإيقاع، ويفتتح أستاذنا محمد الغناء بأغنية يعشقها للمطربة اللبنانية الشامية نهاوند:

يا فجرِ لمّا تطلّ

ملوّنْ بلونِ الفلّ

صحِّي عيون الناس

محبوبي قبل الكل

وما زلنا نحن الأصدقاء نستحضره في جلساتنا بكل بهائه وأناقته وجاذبية حديثه وأفكاره وآرائه وأغانيه التراثية خاصة. وقد حزنت حزناً شديداً لأنني لم أستطع أن أكون في وداعه بعد الرحيل، وذلك بسبب وجودي خارج البلاد حينذاك… وبعد عودتي زرت مدينتي حماة، وعبّرت لأحد الأصدقاء المقربين عن رغبتي في زيارة قبر الأستاذ محمد… وكان الخبر المفجع حين قال: بعد وفاته بفترة وجيزة عاد ابنه البكر فرح من روسيا حيث يعمل، وأيضاً أراد أن يزور قبر والده… ولكن لا الأسرة ولا الأهل ولا الأقرباء ولا الأصدقاء يعرفون أين قبره… إذ بعد الدفن ضاع القبر في زحمة آلاف القبور التي تضمها مقبرة قرية (سريحين) المجاورة لمدينة حماة… نعم إنه أمر مفجع… ولكن بقبر أو من دون قبر ها نحن الآلاف من طلابك وأصدقائك ومحبيك في مدينة حماة نرسل آلاف التحيات والتقدير والاحترام والوفاء لروحك الطاهرة أيها الأستاذ الجليل محمد المازوني.

ريمون بطرس

(الوطن)، 23/4/2013

العدد 1105 - 01/5/2024