في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة

لأسباب كثيرة ينظر باهتمام إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 14 حزيران القادم، بدءاً من طبيعة المرشحين وبرامجهم، مروراً بالأوّليات التي ينظر إليها الناخبون الإيرانيون.. كذلك (تأجيل) العديد من الدول الأجنبية، وبخاصة عدداً من دول اللجنة السداسية الدولية المعنية بالملف النووي الإيراني، و(علاقته) بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وبالتالي تحديد مواقفها من هاتين المسألتين بانتظار نتائج هذه الانتخابات.

وخلافاً للانتخابات الرئاسية التي جرت في عام ،2005 وفاز فيها محمود أحمدي نجاد، رئيس بلدية طهران (محافظ) ضد منافسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، وانتخابات عام 2009 التي فاز فيها الرئيس نجاد لولاية ثانية وأخيرة ضد مرشحي التيار الإصلاحي مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وما أعقبها من (احتجاجات) وخلافات، فإن انتخابات عام 2013 تجري في ظل ظروف دولية وإقليمية مختلفة، كذلك ماهية المرشحين من مجموع التيارات الإيرانية، وكيفية معالجتهم للقضايا الإيرانية أيضاً.

فانتخابات 14 حزيران القادم تجري بعد أعوام تعرضت فيها إيران لعقوبات (دولية)، وبخاصة أوربية- أمريكية، هي الأشد صرامة في تاريخها، بذريعة برنامجها النووي السلمي، وبهدف ثنيها عن مواصلته، وانعكاسات هذه العقوبات الاقتصادية – السياسية على الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية الإيرانية، وما أحدثته من تضخم وتأثير سلبي على العديد من مفاصل الاقتصاد الإيراني، وتالياً على المستوى المعيشي للشعب الإيراني.

ورغم أن انتخابات عام 2009 أظهرت تنافساً قوياً بين مرشح التيار (المحافظ) وبين مرشحي التيار الإصلاحي أساساً (ترشح آنذاك نحو 500 مرشح، صادق مجلس صيانة الدستور على أربعة منهم فقط)، فإن الانتخابات القادمة أكدت ترشح 686 مرشحاً، منهم 30 سيدة، حتى تاريخ إغلاق باب الترشيح يوم السبت الماضي (11/5)، كما أظهرت الترشيحات تعدد البرامج والاتجاهات للمرشحين عموماً، وضمن كل تيار من التيارات الأساسية الإيرانية. إذ لم يتوافق مرشحو التيار الأصولي – المحافظ بعد على مرشح واحد، كذلك الحال بالنسبة لمرشحي التيار الإصلاحي أو المعتدل، فضلاً عن دخول رفسنجاني (الرئيس السابق لولايتي أعوام 1989 -،1997 ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام حالياً) حلبة الترشيح في الدقائق الأخيرة قبيل إغلاق باب الترشيح.

كما ضمت الترشيحات عدداً كبيراً من مسؤولي النظام الإيراني ووزرائه الحاليين والسابقين، والعديد من المسؤولين الذين يشغلون مناصب ومفاصل هامة وحساسة في التركيبة السياسية والحكومية والدينية الإيرانية: (منوشهر متقي وزير الخارجية السابق، علي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي، سعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين في الملف النووي، غلام حداد عادل الرئيس السابق لمجلس الشورى (البرلمان)، محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري، محمد رضا عارف النائب الأول للرئيس السابق محمد خاتمي، رئيس بلدية طهران، محمد باقر قالبياف مدير مكتب الرئيس نجاد، إسفنديار رحيم مشائي، حسن روحاني رئيس مركز الدراسات لمجلس تشخيص مصلحة النظام، وآخرون من الوجوه البارزة).

ورغم عدم ترشح زعيمي التيار الإصلاحي موسوي وكروبي (قيد الإقامة الجبرية منذ عامين)، إضافة إلى الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، وترشح آخرين عن هذا التيار، فإن التيارين المحافظ والأصولي تقدما أساساً بقائمتين، ضمت الأولى قالبياف وعادل وولايتي، وضمت الثانية خمسة مرشحين أبرزهم متقي ومحمد باهنر نائب رئيس البرلمان، إضافة إلى دعم الرئيس نجاد لمرشحه مشائي، الذي يصفه العديد من رجال الدين وأعضاء مجلس صيانة الدستور وبعض المقربين من المرشد خامنئي، بأنه يمثل (تياراً منحرفاً)، وخاصة تجاه مسألة ولاية الفقيه ودوره الأساس في الحياة الداخلية الإيرانية وفي السياسة الخارجية أيضاً.

وبانتظار 23 أيار، إذ سيصادق مجلس صيانة الدستور (مجلس محافظ يضم عدداً من رجال الدين وفقهاء القانون) على أسماء المرشحين، فإن هذه اللوحة الواسعة من المرشحين البارزين، تشير إلى تعدد انتماءاتهم كتيارات، بضمن كل تيار أيضاً.

وعلى الرغم من أن مسألة مواصلة البرنامج النووي السلمي الإيراني يؤيدها، وإن بتباين (نسبي)، جميع المرشحين الأساسيين، فإن كيفية التعاطي معها، والمفاوضات حولها مع اللجنة السداسية، ربما تختلف طريقتها وأسلوبها من مرشح إلى آخر.. كذلك تصدرت قضايا الأوضاع الاقتصادية وكيفية معالجتها، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين الإيرانيين ومعالجة التضخم، تصريحات المرشحين التي ستضمنها برامجهم الانتخابية، وخاصة بعد مصادقة مجلس صيانة الدستور على الأسماء المرشحة.

كما ينظر بخصوصية إلى انتخابات 14 حزيران القادم لأسباب عديدة أبرزها عدم إغلاق ملف المفاوضات الإيرانية – السداسية حول الملف النووي، وانعكاسات العقوبات الأوربية – الأمريكية على الاقتصاد الإيراني وتبعاته، والوتيرة السريعة الجارية لتعزيز القدرات العسكرية الإيرانية، فضلاً عن الدور الإيراني الإقليمي الآخذ في الاتساع والتجذر وتداعياته.

إيران التي أصبحت تمثل قوة عسكرية- اقتصادية إقليمية أساسية، وتنخرط طرفاً أساسياً في العديد من الملفات الإقليمية الساخنة، يقر بها الآخرون، وتترأس حالياً مجموعة حركة عدم الانحياز، تواجه مرحلة بالغة الدقة، تتسع عناوينها بدءاً من طبيعة وكيفية مواصلة دورها الإقليمي، وفي حدود ما الدولي أيضاً، إلى ملفها النووي ومواقف الغرب منه، وبضمنها التلويح من فترة إلى أخرى بالخيار العسكري، وبخاصة الإسرائيلي- الأمريكي، مروراً بكيفية معالجة تبعات مواجهة السياسة الغربية وحصارها الاقتصادي وسياستها المتمثلة في أسلوب (العصا والجزرة) ودور وكلائها في المنطقة.

هذه القضايا الهامة ستنعكس بالضرورة على برامج المرشحين، على اختلاف تياراتهم وتوجهاتهم، وستحدد أوّليات كل مرشح مواقف الناخبين والتيارات الأساسية الإيرانية تجاهه، وبانتظار مصادقة مجلس صيانة الدستور على أسماء المرشحين، ستتفاعل الحالة الترشيحية أولاً بين التيارات السياسية – الدينية الأساسية، كذلك في إطار كل تيار على حدة، وستمثل (غربلة) للأسماء الكثيرة المرشحة، ولتوافق كل تيار على مرشحه الأساسي أيضاً.

وبسبب من دور إيران وقدراتها المتنامية وسياساتها وتوجهاتها وطبيعة تحالفاتها أيضاً، ينظر العالم، وبخاصة دول الجوار، باهتمام إلى هذه الانتخابات، وإلى طبيعة المرشحين ودورهم، وبالتالي إلى نتائج المحطة الانتخابية الفاصلة في 14 حزيران القادم.

العدد 1105 - 01/5/2024