مغزى سقوط سلطة الإخوان

يمكن القول بالمعايير المطلقة، إن تدخل الجيش أمر سلبي؛ أما بالمعايير النسبية، فإن تدخل الجيش أقل سوءاً من استمرار سلطة الإخوان المسلمين. فالمشهد العام الذي تشكل في مصر نتيجة لاستقطاب القوى وضع مصر أمام أحد خيارين لا ثالث لهما: إما حرب أهلية، تتجاوز في عنفها ودمويتها كثيراً ما يجري اليوم في سورية، أو تدخل الجيش. فمن الجانب الواحد عبّرت الغالبية العظمى من الشعب المصري، بوسائل شرعية متعددة، رفضها القاطع لاستمرار سلطة الإخوان المسلمين؛ ومن الجانب الآخر، إصرار حركة الإخوان على تمسكها بالسلطة التي وصلت إليها؛ متجاهلة نزع غالبية الشعب المصري الثقة عنها ورافضة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

بمعنى آخر، ترى هذه الحركة، في آخر المطاف، أنها تستمد شرعيتها من السماء لا من المواطن المصري، وأن لجوءها إلى صندوق الانتخاب لم يكن أكثر من تكتيك عابر للقفز على السلطة، في فرصة سانحة. وعلى أي حال، من السابق لأوانه الاعتقاد بأنها سلّمت بانتزاع السلطة من يدها، بالأخذ في الحسبان تاريخها الحافل بالاغتيالات والتفجيرات، وحرصها دوماً على وجود تشكيلات عسكرية لها. ومن هنا، لا ينبغي استبعاد أي احتمال، وبضمن ذلك تكرار السيناريو الجزائري، في تسعينيات القرن الماضي.

من جانب آخر، ومع الإدراك أن قيادة الجيش المصري وثيقة الصلة بواشنطن، وأن خطوتها بالتدخل ليست بعيدة عن التنسيق مع واشنطن، والتي على ما يبدو توصلت، بعد عام كامل، إلى فشل رهانها على حركة الإخوان المسلمين في لجم زخم الحراك الشعبي في مصر، الذي تخشى واشنطن أن يؤدي، في آخر المطاف، إلى متغيرات راديكالية في مصر، تخرجها من دائرة نفوذها، مما سيقلب التوازنات في مجمل الشرق الأوسط.. مع إدراك كل هذا، فإنه لم يكن باستطاعة قيادة الجيش المصري تجاهل إرادة ثلاثين مليوناً نزلوا إلى الشارع؛ ومهما يكن من أمر، فخطوة تدخل الجيش للخلاص من سلطة الإخوان تفتح الطريق إلى الأمام. فالتصدي لتدخل قيادة الجيش، عند الضرورة، أهون من الخلاص من حكم الإخوان. فالشعب المصري أثبت أنه يعي جيداً طبيعة ارتباط قيادة الجيش المصري بواشنطن؛ وقد تجلى هذا الوعي بوضوح حين سهّلت قيادة الجيش هذه تسلم جماعة الإخوان للسلطة، عقب سقوط نظام مبارك، حين كانت واشنطن تراهن على هذه الحركة، لا على مستوى مصر وحسب، بل وعلى مستوى المنطقة؛ حينذاك، علت هتافات الجماهير الصاخبة، التي أسقطت للتو حسني مبارك: (يسقط، يسقط حكم العسكر!). ولعله بسبب الإدراك لهذا، وللإدراك كذلك بأن المجتمع الدولي يرفض حكم العسكر، لجأت قيادة الجيش المصري إلى السيناريو الذي جرى. وعلى أي حال، فالمتوقع أن تكون السلطة القادمة في مصر بالضرورة خطوة إلى الأمام، لا خطوة إلى الخلف، كما وقع عقب سقوط نظام مبارك وحلول حكم الإخوان المسلمين مكانه. مأخوذ في الحسبان أن الشعب المصري، الذي اكتسب خبرات ووعياً سياسياً بالغ الغنى خلال العامين الماضيين من تجاربه المريرة مع المتآمرين من كل شاكلة ولون، سيسد الطريق على فلول نظام مبارك وأمثالهم الذين يتحركون بشكل محموم، هذه الأيام الحاسمة، تدعمهم السعودية وأموالها على وجه الخصوص.

ومادام هذا الشعب المناضل لم يحقق الأهداف التي تحركت ملايينه من أجلها، قبل أكثر من عامين، ينبغي الافتراض أنه سيواصل معركته بعزيمة أكبر بعد الإطاحة بسلطة الإخوان، حتى تحقيق تلك الأهداف. أما ردود الأفعال في المنطقة على إسقاط سلطة الإخوان المسلمين فقد تباينت، وتعطي مؤشرات ذات مغزى. كان أول المهنئين بالتغيير حكام السعودية، الذين ناصبوا سلطة الإخوان، منذ البدء، العداء، إذ عدوها منافساً خطيراً لهم على زعامة الإسلام السني. كما أن اعتراف حكام قطر الجدد بالتغييرات في مصر مؤشر على الأبعاد السياسية لما جرى من تبديلات بينهم، إذ كانت قطر أكثر الداعمين لسلطة الإخوان في مصر. أما البلدان المُصِرّان على مواصلة الاعتراف بشرعية مرسي فهما تركيا وتونس.

إن إسقاط الشعب المصري، خلال عام واحد، لنظامين متتاليين: مبارك ثم الإخوان، هو إعجاز تاريخي، وإنجاز بالغ الدلالة على حيوية هذا الشعب؛ كما أن إسقاط حكم الإخوان يعني، في الوقت ذاته، انهيار مشروعهم الذي عملوا له، بمختلف الوسائل منذ تأسست حركتهم عام 1928؛ وقد كان عام واحد في السلطة كافياً لتعرية حقيقة شعاراتهم، سواء في الموقف من إسرائيل، أو من الولايات المتحدة، أو من قضايا الشعب المصري الأساسية.

إن الشيء الوحيد الذي أولوه اهتمامهم، في هذا العام، هو (أخونة) أجهزة السلطة والمجتمع المدني، ومساعي تمزيق لحمة الوحدة الوطنية المصرية، بإثارة الفتن الطائفية. وقد توجوا كل ذلك مؤخراً بقطع العلاقات مع سورية والدعوة للجهاد إلى جانب عصابات المرتزقة فيها. وما من شك في أن سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، مهد نشوء هذه الحركة وأكبر بلد عربي، سيكون له تداعيات بعيدة المدى على مستوى المنطقة كلها؛ وسيشكل خطوة نوعية على طريق تحقيق الإصلاح الديني، بفصل الدين عن الدولة، ووضع حد للمتجارة بالدين وابتذاله، ليعود، كما ينبغي له، قضية ضمير شخصي.

 

عن موقع حزب الشعب الفلسطيني

العدد 1105 - 01/5/2024