المنطقة العازلة.. مشروع حرب على سورية والعرب

انتهت مهمة بعثة عنان في سورية، بعد سابقتها (بعثة الدابي)، إلى فشل متوقع، بعد أن أجهزت عليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها من العرب منذ ولادتهما.

ولعل الفائدة الوحيدة منهما كانت، إثبات وجود طرف مسلح آخر تتعامل معه الدولة بوصفه طرفاً خارجاً عن السلطة الشرعية، بعد أن ملؤوا الدنيا كذباً بأنه لا يوجد معارضة مسلحة في البلاد.

وبدأت البعثة الثالثة ذات الصلاحيات الأقل بعملها، دون أن يبرز حتى الآن أي تنبؤ متفائل بنهاية سعيدة لها. وقد أصبح واضحاً كالشمس أن السبب في الفشل المتكرر للجهود الدولية يكمن في رغبة الولايات المتحدة وحلفائها بالانفراد في معالجة الأزمة السورية بعيداً عن مجلس الأمن الدولي، واستبعاد باقي الأطراف ذات الصلة، انسجاماً مع النهج الأمريكي القائم على عالم أحادي القطب وعلى الهيمنة على العالم.

ولما كان هذا النهج قد تهاوى بفعل استيقاظ القوى العظمى الأخرى (روسيا والصين) ومعهما مجموعة كبيرة وهامة من الدول الوطنية المستقلة، فلذلك وقعت الإدارة الأمريكية في المأزق، فهي لم تعد قادرة على التصرف بالأزمة السورية على هواها، ولا تريد في الوقت نفسه إعلان هزيمتها وانسحابها من المعركة حول مصير سورية. فكان لابد من أن تلجأ إلى التصرف خارج قرارات مجلس الأمن وتضرب بها عرض الحائط، كما فعلت سابقاً في صربيا والعراق وليبيا، وكما تفعل في فلسطين الآن.

ويبدو أن نهجاً من هذا النوع هو كاجتراع السم بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية المقبلة على انتخابات رئاسية قريبة، والغاطسة مع حليفاتها الأوربيات في بحر من الأزمات الاقتصادية. وفي المشهد أيضاً قوى عسكرية وسياسية قادرة على لجم أي اعتداء على سورية، فكان المخرج هو التحايل على مجلس الأمن دون الجهر برفض قراراته، ولكن بتنفيذ محتوى السياسة العدوانية، وحصيلة هذه المعادلة المركبة، هي إمداد المجموعات المسلحة بأقصى ما يمكن من التجهيزات ذات التقنية العالية، وبالتعاون مع المنظمات (الجهادية) المتطرفة لتسهيل تسلل الألوف من أعضائها إلى الداخل السوري، ورفع مستوى الحرب الإعلامية والنفسية وضخ مليارات البترودولارية.

إن تسعير هذا النوع من الحرب ضد سورية، أمريكياً وأوربياً وتركياً وخليجياً، هو الشكل (الأمثل) من التدخل الذي لا يمس صراحة بصلاحيات مجلس الأمن، ولكنه يتحداه من الوريد إلى الوريد في المضمون. إن هذا الشكل من التدخل الذي يجري تنفيذه على قدم وساق في أكثر من أربع مناطق حدودية تتجاوز أطوالها 2000كم، قد دفع بدول التحالف الغربي إلى القفز خطوة تصعيدية جديدة تتمثل في محاولة إقامة مناطق عازلة على الحدود السورية التركية يحميها حظر جوي، وتكون السيطرة الفعلية فيها لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).

إن تنفيذ مشروع إقامة منطقة عازلة هو الخطر الرئيسي الآن على سيادة سورية واستقلالها، فهو، في آخر الأمر، يعني اقتطاع جزء من الأراضي السورية، ووضعها تحت السيادة التركية ومن ورائها دول التحالف الغربي.

وهو في الوقت نفسه انتهاك فظ للشرعية الدولية ولقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر التدخل العسكري من قبل بلد تجاه بلد آخر، الأمر الذي يعطي سورية وحلفاءها الإقليميين والدوليين الحق في استعمال جميع الطرق والأساليب لصد هذا العدوان والتغلب عليه.

ونحن إذ نتمسك بحق شعبنا في الدفاع عن النفس وعن أرض الوطن، فإننا نرى أن هذا التهديد يستلزم توحيد الصف الداخلي تحت راية الدفاع عن الوطن قبل كل شيء آخر، وفي الوقت ذاته المباشرة دون إبطاء، لفتح أبواب الحوار الوطني الشامل، بهدف تأمين الانتقال السلمي إلى مجتمع ديمقراطي تعددي دون عنف ودون استبداد.

إن المبادرات التي أخذت تكثر الآن لإيجاد مخرج سياسي للأزمة تدل دلالة واضحة على أصالة شعبنا وتمسكه بالقيم الوطنية والإنسانية، والمبادرة التي طرحتها (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي) هي مثال واضح على ذلك، ويصح أن تكون هذه المبادرة منطلقاً صالحاً للحوار الصادق بين السلطة وقوى المعارضة الوطنية غير المرتبطة بالمخططات الاستعمارية.

العدد 1105 - 01/5/2024