في مشروع القرار السعودي «الدولي» وتبعاته

يظهر فشل محاولة استصدار قرار جديد عن مجلس الأمن الدولي ضد سورية، وإدانتها باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبها، ومطالبة المجلس باتخاذ أقصى العقوبات (تندرج ضمن البند السابع)، وبالسرعة القصوى الممكنة، العديد من الاستفسارات. إذ لم يعد العالم يتذكر آخر محاولة (عربانية) لاستصدار مشاريع قرارات عن هذا المجلس تدين سورية، قبل أكثر من عام ونصف تقدمت به الدول (الغربية) والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن المجموعة (العربانية). وسبب عدم العودة إلى هذا المجلس في موضوعة الأزمة السورية، يعود إلى الفيتو المزدوج الروسي- الصيني (يمتلكان حق النقض)، وإلى تناقص أعداد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي كانت تعتقد بدواعي (المعارضات) ومبرراتها من جهة، وضغوط الدول الداعمة لها من جهة ثانية. فضلاً عن أوهام وأجواء سادت المجلس، كما غيره من المؤسسات والهيئات الدولية، جوهره التكرار الأتوماتيكي لما حصل في تونس ثم في مصر.. أي بضعة أيام أو أسابيع وتنتهي الأزمة في سورية، كما انتهت في هاتين الدولتين.. أو استصدار بيان حمال الأوجه يحظر الطيران فوق الأراضي الليبية (تحفّظت) عليه روسيا والصين والعديد من الدول الأخرى، واستخدم بالمحصلة للعدوان على ليبيا، وإدامة أزمتها حتى تاريخه.

جديد محاولة استصدار القرار الدولي، الذي انسحبت من جلسته روسيا والصين، أن المملكة السعودية هي التي قدمته زوراً باسم المجموعة العربية، وقد عانت آخر قمة لها في الدوحة تباينات حادة بين دولها أولاً، وكذلك تقديم السعودية لمشروع القرار هذا (التي تدرك قبل غيرها صعوبة تمريره) ثانياً.. كما عانت اتساع عدد الدول التي تطالب ولو (نظرياً) بالحوار والحل السياسي بعد عامين ونصف على بدء الأزمة، واتضاح أهدافها ثالثاً، فضلاً عن أنه يأتي بعيد الزيارة الفاشلة لبندر بن سلطان ومحاولته الوصول إلى مساومة أو إغراءات ما مع القيادة الروسية، مقابل عدم استخدامها حق النقض (الفيتو) أو الدفاع المبدئي عن مواقفها ومصالحها أيضاً، وتالياً اختبار الموقف الروسي وتالياً الصيني عملياً بعد هذه الزيارة (البندرية) الفاشلة. كما أن الجديد أيضاً في فشل إصدار هذا المشروع يأتي بعد إعلان دول عربية تقليدية وقوفها ضد العدوان على سورية، أو التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية، ومطالبة العديد منها بوقف دعم العصابات والمجموعات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويلها. ويزداد هذا الجديد أهمية بعد التغيير الحاصل في جمهورية مصر وإسقاط نظام الأخونة، والدعوة إلى تطبيع العلاقات الداخلية المصرية من جانب، ومع الدول العربية الأقرب إلى المنطق والحق من جانب آخر (نستثني هنا المحاولة السعودية المتمثلة بالاعتراف السريع بالتغيير في مصر، التي تحتاج إلى بحث يمس طبيعة العائلة الحاكمة وصراعاتها وارتباطاتها).

واعتراض تونس وغيرها التي تعيش أزماتها أيضاً على تأييد هذا القرار.. والمستغرب في هذا الاقتراح السعودي، وتضمينه البند السابع (أي عقوبات تدريجية دولية ملزمة.. إلخ)، وضرورة الإسراع في تنفيذه بالسرعة القصوى الممكنة، رغم معرفة السعودية بالحالة الدولية القائمة تجاه هذا العدوان، أو الاعتداء المؤقت، لا فرق في ذلك، فهو يمس سيادة وأمن دول عربية أولاً، وقبل أي شيء آخر.

هذه الحالة التي عبّرت عن ذاتها في انقسام حلفاء واشنطن أنفسهم، وخاصة الحليفة الدائمة في السراء والضراء (بريطانيا)، وانسحاب دول أوربية وأطلسية من الموافقة على الخطة الأمريكية، التي تدّعي واشنطن أنها لا تهدف إلى إسقاط النظام السوري، بل (تأديبه) ومن ثم الدخول في العملية السياسية بعد هذا التأديب.

لقد قدمت قطر عند ترؤسها المجموعة العربية والقمة العربية (وحول ذلك علامات استفهام عديدة، ليست مجال بحثنا الآن) العديد من مشاريع القرارات الفاشلة، بسبب من المواقف الدولية الإيجابية التقليدية، وبخاصة روسيا والصين، ومن افتضاح شعارات الديمقراطية والإصلاح.. إلخ (لا أذكر شخصياً آخر تظاهرة سورية جماهيرية حملت هذه الشعارات)، لصالح العنف والإرهاب والتفجيرات والتخريب وهدم البنى التحتية السورية وإنهاك اقتصادها وليس نظامها.. ومع ذلك لم تستطع قطر عند ترؤسها المجموعة العربية، أن تطالب بتنفيذ مشروع القرار الفاشل بالسرعة القصوى الممكنة، لا بل تضمينه البند السابع على خطورته، وهذا ما أقدمت عليه السعودية، وزادت في إمعانها السلبي، فطالبت بإدراج هذا البند ضمن العقوبات بهدف حماية المدنيين السوريين من السلاح الكيميائي السوري. كما تزداد الغرابة في المطالبة باعتماد هذا القرار قبل أن تنهي اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بالسلاح الكيميائي أعمالها الجزئية (زارت مناطق في الغوطة، ومنعها الإرهابيون من دخول أجزاء يسيطرون عليها في بلدة المعضمية). ولم تزر بعد خان العسل (منطقة حلب) باكورة استخدام السلاح الكيميائي (غاز السارين)، كما أنها تحتاج، وفق ما أشار إليه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أسبوعين أو أكثر لتحليل العينات التي حصلت عليها. هذا في الوقت الذي قدمت فيه روسيا الاتحادية بواسطة خبرائها في هذا المجال، أدلة موثقة، حول أن إطلاق الصاروخ على خان العسل جرى من مناطق لا تزال العصابات المسلحة تسيطر عليها. وأما حوادث الغوطة الشرقية، فالتباينات واسعة حول إطلاقها أيضاً من مناطق تسيطر عليها (المعارضات) والعصابات من بساتين دوما.

ونشير هنا رغم ما ذكر آنفاً، وهو يدين السعودية أولاً، ويسقط حججها الواهية، أننا نحن العرب لم نعد نتذكر منذ عقود طويلة، متى تقدمت المجموعة العربية أو ممثلها بطلب مماثل رداً على الاحتلال الإسرائيلي المرفوض دولياً، ولو (نظرياً) على الأقل، ومحاولة تضمين هذا الطلب البند السابع، أي معاقبة إسرائيل دولياً، وبشكل تدريجي وصولاً إلى مقاطعتها وحصارها في حال عدم تنفيذها للقرارات الدولية.

كما لم نعد نتذكر منذ التحضير لثورات ما يسمى ب(الربيع العربي) على علاته ونواقصه وأزماته، وما أحدثه من اهتزازات وارتدادات في المؤسسات العربية، وفي مقدمتها الجامعة العربية، أي مشروع قرار يدين الاستيطان والتهويد والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل منهجي (حتى دون تضمينه البند السابع)، على أهميته وحساسيته، الذي يساهم بصورة فعالة في استقلال جنوب إفريقيا وتيمور الشرقية.. إلخ.

وهل بات يصح على هؤلاء الأعراب ما قاله طرفة بن العبد في معلقته:

وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة

على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد 

بل إنها تجاوزته منذ عقود طويلة في تعاملها مع القضية المركزية فلسطين، وتتآمر مع دول استعمارية باعها طويل في التآمر والاستغلال ونهب ثروات الشعوب، قبل بدء الأزمة السورية وتبعاتها، وآخرها المشروع السعودي المزري والمعيب والفاشل أيضاً؟

العدد 1105 - 01/5/2024