هل عكست مرآة المجتمع مشاكله..؟!

استطاعت الدراما السورية أن تثبت نفسها على الساحة الفنية في الموسم الرمضاني2013 على الرغم مما يعيشه المجتمع السوري من ضائقة اقتصادية ومشاكل اجتماعية، وتمكنت من المنافسة على الشاشات من خلال تنوع موضوعاتها وتناولها مواضيع جديدة سلطت الضوء على الأزمة التي تعيشها سورية. فالوضع السياسي انعكس بمجمله على معظم الأعمال الدرامية، التي أنتجها القطاع الفني في سورية وبلغت قرابة ثلاثين عملاً درامياً رغم الظروف الصعبة، إضافةً إلى حصارٍ ماليٍ وإعلامي من دول ومؤسسات كانت تقوم بالتمويل في السنوات الماضية، وعلى الرغم من ذلك إلا أن أغلب الأعمال بقيت بعيدة عن المشاكل التي يعانيها المجتمع ويعيشها بجميع فئاته وخاصة الشباب-ات من بطالة، سكن، تهميش، إقصاء.. إضافة إلى معاناة المرأة تمييزاً أفقدها حقوقاً كثيرة.

وللوقوف على آراء الشباب-ات السوري من الأعمال الدرامية في الموسم الحالي؛ التقت (النور) عدداً منهم. فقد أكدت الآنسة هديل عقيل أنه لا يمكن الحديث عن دراما الموسم الرمضاني من دون أخذ الأزمة السياسية والأمنية بالحسبان، لأن السياسة تتغلغل في كلِّ مفاصل الحياة وتنعكس عليها سلباً أو إيجاباً، وقالت: (لقد تفاقمت المشاكل التي يعانيها الشباب-ات نتيجة الوضع السياسي)، ويمكننا أن نلاحظ أن الأعمال التي تجاهلت الوضع الراهن لم تحظ باهتمام المشاهدين. منها مثلاً مسلسل (فتت لعبت) على الرغم من أنه يدّعى الحديث عن مشكلات الشباب الجامعي واهتماماتهم وهمومهم، إلا أن الفكرة ليست بمحاولة ملامسة هموم الشباب-ات بل بكيفية ذلك.

وبينت الآنسة  عقيل أن الأعمال التي تابعتها أثبتت المواضيع التي تتناول الأزمة حضوراً بارزاً فيها، فقد شخصت الأسباب التي أدت إليها كمسلسل (ولادة من الخاصرة) بجزئه الثالث، والذي حمل اسم (منبر الموتى) إذ عكس ما تشهده سورية من أزمات أقرب إلى الواقعية من سواه، كما أنه لفت إلى أن الفقر والقهر سيؤديان لا محالة إلى انفجار الوضع على الصعيد الاجتماعي والسياسي.

وأضافت: (أما مسلسل (سنعود بعد قليل) والمقتبس عن فيلم إيطالي بعنوان (كلنا بخير)، فقد حاول عرض تأثيرات الأزمة على عائلة سورية اضطر أفرادها لترك دمشق والاستقرار في العاصمة اللبنانية بيروت)، وانتقدت فيه تجسيد وضع عدد قليل من العائلات الميسورة وليس الأغلبية السورية، إذ إن هناك عائلات استطاعت التأقلم مع الوضع المعيشي في لبنان لكن العديد يعيش كلاجئ هناك في أوضاع صعبة جداً.

وبالنسبة للمستوى الفني رأت هديل أنه كان مقبولاً في بعض الأعمال وضعيفاً في بعضها الآخر، ولكن (الأعمال لم ترق إلى المستوى الممتاز) عموماً على حد قولها.

أما الطالبة الجامعية لينا إبراهيم فقد أشارت إلى أن أعمالاً عديدة وضعت الأزمة في الخلفية العامة للأحداث التي تجري فيها كجزء من الواقع المعيش، لكنها تعاملت معها بنوع من التجاهل، فلم تتحدث بتفصيل عن مسبباتها وصيرورتها وآثارها، وقالت: (اضطرت تلك الأعمال أن تقوم بذلك كي لا تظهر بمظهر المنفصل عن الواقع، لكنها لم تنجح في عرضها عرضاً جيداً فغدت نقطة عليها وليس معها).

وأضافت قائلة: (إن الأحداث التي جرت في سورية منذ عامين ونيف كافية لإنتاج أعمال إنسانية واجتماعية تتناول الواقع المعيش وتعكس المشكلات التي يعشها الشباب-ات بواقعية)، وتساءلت لماذا نكتفي دائماً بنقل الواقع دون تقديم أي حلول للمشكلات؟

كذلك انتقدت الطالبة الجامعية هبة عرب تناول المظاهر السلبية في المجتمع، مؤكدة أن هناك فرقاً كبيراً بين تبريرها وبين تقديمها للمشاهد بأسلوب مجمل، وشددت على ضرورة التمييز بين الجرأة والوقاحة، فالمشاكل التي يعيشها الشباب-ات ليست كما يصور في الدراما بشكل تام، فهي لم تعكس معاناة المرأة التي تعاني تمييزاً واضحاً في المجتمع، وخاصة أن الأزمة التي نعيشها أفقدتها الكثير من حقوقها المنقوصة أساساً في ظل ما تواجهه من عنف وتمييز وترهيب.. إذ سجل الكثير من الانتهاكات لحقوقها، وهو ما ينذر بكارثة كبيرة مع ازدياد أعداد النازحات واللاجئات اللواتي يبقين مع الأطفال الحلقة الأضعف في كل ما نعيشه اليوم، وتساءلت: أين كل ذلك في الدراما السورية؟

وعن انعكاس الوضع على الدراما لفت السيد فراس الأحمد إلى أن الدراما في الفترة الأخيرة واجهت مأزقاً خطيراً، وهو كيف سترقى إلى أن تحوز على اهتمام الناس الذين باتوا يعيشون الدراما في واقعهم؟ وأكد أنها لم تنجح إطلاقاً في ذلك.

وعزا الأحمد ذلك إلى حالة التشتت التي أصابت الكوادر الدرامية، وأهمها الممثلون، من سفر وهجرة واعتكاف وانشغال بالسياسة، كل ذلك مجتمعاً أثر سلباً على مستوى الدراما السورية الذي لم يكن مثالياً في الأساس. وهو ما فسح الفرص أمام أنصاف المواهب وأنصاف الخبرات من ممثلين وكتاب ومخرجين وفنيين. أضف إلى ذلك دخول الكوادر اللبنانية في الدراما السورية، وهم كوادر معروفة بضعفها فنياً مع بعض الاستثناءات، وبيّن أن نجاح الدراما حالياً مرهون بمدى حرية القائمين عليها في قول ما يريدون، وهو غير متوفر في الوقت الحالي، لذلك لن تكون بحالة أفضل من ذلك.

وأضاف قائلاً: (إذا كانت الدراما مرآة للواقع، فمتى ستعكس الدراما السورية واقع مجتمعنا بشفافية وموضوعية وتعالج قضايا شبابنا الحقيقية دون استيراد مواضيع من الخارج).

العدد 1104 - 24/4/2024