من الصحافة العربية العدد 595

مجرمو الحرب الأمريكيون.. والعرب

 

 من يمكن أن يصدّق أن المفكرين والكتاب الأمريكيين أكثر صراحة من المفكرين والكتاب العرب في انتقادهم لسياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه سورية؟ لا يستطيع أن يصدّق هذه المعلومة إلاّ من تتاح له فرصة الاطلاع على ما تكتبه الصحافة الأمريكية والصحافة العربية عن هذه السياسة.

إن الصحافة العربية تنقل من الإنكليزية ما تكتبه الصحافة الأمريكية لتقدم صورة كاملة قدر الإمكان عن آراء الصحافة الأمريكية المنشورة عن سياسة الولايات المتحدة وحربها المستمرة على سورية. ومع ذلك فإن ما تختار الصحافة العربية نشره من تعليقات المفكرين والكتاب الأمريكيين لا يعوض عن نقص ما تنشره الصحافة العربية من آراء أمريكية في هذا الصدد.

ويكفي أن نضرب مثالاً أو اثنين لما نعده صراحة الصحافة الأمريكية في ما تنشره من آراء معارضة للحرب الأمريكية التي تكاد لا تتوقف على سورية، لنعرف مباشرة أن الصحافة العربية لا تصل في اختياراتها إلى مثل هذه النماذج أبداً. ولا ينطبق هذا على الصحافة العربية المناصرة للسياسة الأمريكية وحدها إنما ينطبق أيضاً  مع الأسف الشديد  حتى على الصحافة العربية المناهضة للسياسة العدوانية الأمريكية تجاه سورية. على سبيل المثال، كتب دكتور بول كريغ روبرتس  وهو ديبلوماسي أمريكي سابق ومناهض للسياسة الأمريكية تجاه العرب عامة  تحليلاً (يوم السادس من أيلول/سبتمبر الحالي) عن السياسة الخارجية الأمريكية، واختار له العنوان التالي: (الحكومة الأمريكية تنكشف للعالم كمجموعة من مجرمي الحرب والكاذبين).

وتساءل دكتور روبرتس في بداية تحليله: (هل يملك الرأي العام الأمريكي قوة الشخصية التي تمكّنه من مواجهة حقيقة أن حكومته تقف أمام العالم كمجموعة من مجرمي الحرب، في كل وقت تفتح فيه فمها لتتكلم؟ هل سيشتري الكونغرس والرأي العام الأمريكي أكاذيب البيت الأبيض التي تقول إن عليهما أن يدعما مجرمي الحرب والكاذبين، وإلا فإن الولايات المتحدة ستفقد حياءها؟) ويضيف في التحليل نفسه: (إن المقيت جون كيري يعرف أنه كاذب، ومعه يكذب أوباما الرئيس (الأمريكي) الألعوبة، وهما يعرفان أنهما يكذبان على العالم. فلا احترام للحقيقة ولا للعدالة ولا للأخلاق أو الحياة الإنسانية .هذان شخصان على درجة من الشر إلى حد أنهما يريدان أن يكررا في سورية ما فعله مجرمو الحرب في إدارة بوش في العراق.

ترى كيف يحتمل الشعب الأمريكي وممثلوه في الكونغرس مجرمي الحرب غير العاديين هؤلاء؟ لماذا لا يحاكم أوباما وجون كيري؟)

ويستمر الكاتب على هذا المنوال، بما لا يتسع المجال له.هل قرأنا رأياً مماثلاً لكاتب عربي؟ بل هل قرأنا مثل هذا الرأي في ما تختار الصحافة العربية أن تنقله عن الصحافة الأمريكية مترجماً؟ ربما نحتاج إلى مثال آخر. ها هو: دينيس كوسينيتش معلق أمريكي مرموق، من المناهضين للصهيونية الأمريكية، كتب (في 7/9 الحالي) مقالة اختار عنواناً لها (عشرة مزاعم لا برهان عليها لشن الحرب ضد سورية). والمجال لا يتسع للمزاعم العشرة، إنما سنختار عدداً قليلاً منها:

1 الإدارة (الأمريكية) تدّعي أن سلاحاً كيميائياً قد استخدم.

2 الإدارة تدّعي أن المعارضة (السورية) لم تستخدم أسلحة كيميائية.

3 الإدارة تدّعي أن الأسلحة الكيميائية استخدمت، لأن الأسلحة التقليدية لدى النظام الحاكم غير كافية.

4 الإدارة تدّعي أن لديها معلومات تتعلق بتركيب الأسلحة الكيميائية من جانب عناصر الحكم.

5 الإدارة تزعم أن الغاز السام أطلق في هجوم صاروخي.

6 الإدارة تزعم أن اكتشافاً أساسياً يبرهن على أن نظام الأسد تورط في هجوم بالأسلحة الكيميائية.

والمعلق كوسينيتش لا يترك هذه العناوين مكتفياً بها، إنه يناقش كلاً منها باستفاضة، ويختتم قائلاً: (إن الشعب الأمريكي يملك حق النشر الكامل لكل الحقائق قبل أن يطلب من ممثليه أن يتخذوا قراراً ستكون له عواقب كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وسورية والعالم). وليس هناك ما يدل على أن الصحافة العربية اهتمت بترجمة ما كتب. ولا يمكن أن تمر هذه المناسبة من دون أن نذكر أن المراسل الأمريكي ديفيد سايروتا قال: إن أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين صوّتوا إلى جانب السماح لإدارة أوباما بتوجيه ضربة لسورية قد حصّلوا من الأموال المخصصة للدفاع في ولاياتهم أكثر من تلك التي حصل عليها الأعضاء الذين صوتوا ب(لا).

في الوقت نفسه تساءلت الصحافة التقدمية الأمريكية في ما يعد نوعاً من النقد الذاتي: ما الذي حدث لحركة مناهضة الحرب الأمريكية؟ ولاحظت أنه قبل أن تنقضي 72 ساعة فقط على إلقاء أوباما خطاب التكريم لذكرى وفاة الزعيم الأمريكي الأسود مارتين لوثر كينغ، أعلن عزمه على ضرب بلد آخر بالقنابل. وهكذا يكون الرئيس الأمريكي قد اختار ذكرى زعيم مناهض للحرب كان قد وصف الحكومة الأمريكية بأنها (أكبر ممارس للعنف في العالم، ليقترح ممارسة مزيد من العنف، هذه المرة ضد سورية). والأمر الذي لا شك فيه، في لحظة انتظار هجوم جوي أمريكي على نحو خمسين هدفاً في سورية، أن التقدميين في الولايات المتحدة، والتقدميين في العالم، وبصفة خاصة في الوطن العربي، يبدون منقسمين إزاء ما يهدد سورية الآن. الأمر الذي يكفل للرئيس الأمريكي أوباما أن يظهر قوياً ومقتنعاً ذاتياً بما يعلنه. ولا يمكن اعتبار السبب في هذا تقاعس الروس أو الصينيين عن إظهار معارضتهم لضرب سورية.

لقد اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقصى ما بمستطاعه لإعلان معارضة بلاده لشن غارات أمريكية على سورية. بل إنه لم يتردد في إرسال قطع بحرية روسية متقدمة إلى مناطق البحر الأبيض المتوسط قريباً من سواحل سورية. مع ذلك، فقد وجد من العرب من تجرأ على أن ينتقد بوتين  من موقع التأييد لشن الغارات على سورية وليس من موقع معارضتها  لإحجامه عن خوض حرب عالمية لإثبات صحة موقفه (…) ولقد اهتم التقدميون في الولايات المتحدة بوجه خاص، بإبراز جانب لم يشر إليه أي من نظرائهم العرب. فأياً كانت قوة الغارات الأمريكية على سورية لن تستطيع أن تردع السوريين عن مواصلة حربهم ضد أعدائهم الذين مولتهم وسلحتهم  لا ليست الولايات المتحدة وحدها إنما  الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلاً عن التمويل والتسليح من جانب المملكة السعودية ودولة الإمارات وقطر والكويت.

إن الدلائل تشير إلى أن الأوضاع ستكون أسوأ كثيراً بعد أن تشن الولايات المتحدة غاراتها على سورية مما كانت قبلها. أما النقطة التي كانت موضع تركيز شديد من جانب منتقدي السلوك الرسمي الأمريكي في هذه الأزمة، فكانت إقدام الإدارة الأمريكية، وبضمن ذلك البنتاغون، ووزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة المخابرات المركزية، ووكالة الأمن القومي، على خوض الحرب ضد سورية في صف، وتنسيقاً مع منظمات إرهابية، يفترض أن الولايات المتحدة لم تتعاون معها منذ أيام حرب أفغانستان التي شهدت تحالفاً أمريكياً ضد الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت مع تنظيمَيْ (القاعدة) و(طالبان).

لقد عادت الولايات المتحدة إلى عهد التحالف مع (القاعدة) و(طالبان)، ونسيت أن كل تنظيم إرهابي يطلق عليه وصف (الإسلامي) يحاربها الآن في أفغانستان… بل في داخل الأراضي الأمريكية نفسها. أما الآن فإن الولايات المتحدة و(القاعدة) تتحالفان ضد (النظام السوري). وهل يمكن أن تكون الولايات المتحدة غافلة عن حقيقة امتداد الحرب من سورية إلى لبنان، وكذلك إلى العراق، بل إلى مصر؟

إن الأمر الذي يؤكده الكُتّاب العسكريون الأمريكيون قبل غيرهم هو أن إقدام الولايات المتحدة على استخدام سلاحها الجوي لضرب سورية، سيدفع بالقوى الإرهابية التي تحارب في سورية، لأن تتسلل إلى البلدان المجاورة.. بل إلى مصر، حيث لا تزال الولايات المتحدة متمسكة بإشاعة الاضطراب، خاصة في سيناء، وامتداداً إلى مدن مصرية عدة.

إن الحرب الأمريكية على سورية مشحونة بمخاطر وأخطار جسيمة للغاية على منطقة الشرق الأوسط. وقد تتصور الولايات المتحدة أن إسرائيل ستفلت من تأثيرات هذه الحرب، ولكن هذا يبدو وهماً كبيراً عميق التأثير. لن تستطيع إسرائيل أن تتحمّل اشتعال المواقع حولها، وستجد (الدفاع عن أمنها) ضرورة لا مفر منها. وعند هذا الحد يلوح خطر تورط الولايات المتحدة في حرب إقليمية دفاعاً عن إسرائيل وما بقي من آثار الخطة الأمريكية لتفتيت الشرق الأوسط.. إنها ورطة مجرمي الحرب، من كان منهم أمريكياً ذا دور أساسي، ومن كان منهم عربياً أياً كان دوره أساسياً أو فرعياً.

سمير كرم

عن (السفير)

العدد 1105 - 01/5/2024