العيد السعيد وجدلية الفرح الممزوج بالألم

مصطلح (العيد السعيد)، مصطلح لم يخطر في البال أن يدور الجدل حوله، فالعيد دائما يأتي لتعم البهجة كل شيء، وما من جدل حول خصوصية العيد أيضاً، خصوصية (العيدية للأطفال) وخصوصية الألعاب والخروج لنهار كامل تقريباً من البيت في زيارات عديدة ومتنوعة، خصوصية الثياب الجديدة ورائحة كعك العيد والزيارات وصلات الرحم. 

وفي الحروب تتغير الأوليات والأساسيات وتعمم الاستثناءات، ويصبح كل أمر مسلّم به خاضعاً للجدل. إذاً فالعيد السعيد المسلّم به وبكينونته، يخضع اليوم في سورية لجدل تعيس خاضع للظروف السيئة والواقع المرير.

هو عيد الفطر، يمر للمرة الثانية والبلد بوضعها ذاته، وضع الخراب والدمار والضياع. وهذه المرة يمر ليشهد شدة وطأة الأزمة على السوريين، فلا خصوصية له تذكر، فهناك من لا يجد مأوى وثياباً، وباتت الثياب الجديدة حكراً على أصحاب الدخل المرتفع لا غير، بعد الغلاء الخيالي لأسعار الثياب. ولا خصوصية للعيدية، فمنهم من لا يستطيع من الكبار تقديمها بسبب الأحوال العسيرة مادياً، ومنهم من يقدم العيدية ذاتها التي كان يقدمها مسبقاً، ولكن جدواها الآن مخيب بسبب أسعار مأكولات الأطفال وألعابهم المرتفع جداً. ونالت الأزمة من خصوصية ألعاب العيد أيضاً، التي كان معظمها يقام على جوانب الطرقات، فالسوريون باتوا لا يخرجون إلى الشوارع إلا لقضاء حاجاتهم الأساسية والعودة بأسرع وقت، فكيف لهم بأن يسمحوا لأطفالهم بالخروج للعب!؟ فالعيد كان بيتوتياً هذه السنة إن كان ثمة بيت يأوي سكانه، وبالتالي ما من مقبل لطرق الأبواب التي بقيت صامدة، فمعظم السوريين قاموا بالهجرة والنزوح من مكان استقرارهم إلى مكان يظنون أنه آمن، وتفرق الجيران والمحبون.

والسوريون يرمون بكلمات العيد وتهانيه كرفع العتب وكعادة روتينية، في الحدائق إن ذهبوا إليها، وفي المساجد، وفي مخيمات اللجوء.  وأجلت خصوصية كعك العيد للأعياد القادمة، للكلفة العالية لمواده أولاً، ومن ثم لأن السوري يسعى جاهداً لتدبير غذائه الأساسي ولا يستطيع، فمن البديهي ألا يفكر بصنع كعك العيد أو شرائه.

ثم من منا يمكن له الإحساس بالسعادة فعلاً، وكل بيت سوري يبكي شهيداً، وينتظر مغترباً اغترب قسراً، ويأمل بعودة مفقود، أو الإفراج عن معتقل، ويشاهد مأساة وطنه على كل محطة من محطات الإذاعة أو التلفاز، وعلى كل صفحة من جريدة أو مجلة، أو صفحة إنترنت؟!

جدل يشغل تفكير كل سوري، بعد اكتشافه أن الأعياد قد تكون حزينة. بحيث يشعر كل سوري بمأساة أن يمر عيدٌ والسوري لا يستطيع فعل شيء حيال وطنه وشعبه، حيال من فقدهم ومن يخاف على فقدانهم، حيال لقمة عيشه، حيال أطفاله وذويه. عيد يمر ليتنكر له السوري ويتمنى انتهاءه بأسرع وقت كي يتخلص من جدله الداخلي حول الجملة المرافقة دوماً للعيد التي تقول: (كل عام وأنت بخير). لأنه لا يأمل أن يعيش الوطن وأبناؤه مستقبلاً ككل عام من أعوامه الأخيرة. بعض السوريين احتفظوا بالأمل، وعايدوا بعضهم بجمل جديدة: (أمنياتي أن يمر العيد المقبل بظروف أفضل) (أعاده الله بأحوال مختلفة عن الآن)… إلخ.

ونبقى محكومين بالأمل، ونأمل أن تحمل الأعياد في الأعوام المقبلة الخير لكل سوري يعيش جرح الأزمة المريرة. وكل عام وسورية بأمان وسلام أفضل من هذا العام وما سبقه من أعوام الأزمة.

مرح العرنجي

العدد 1104 - 24/4/2024