قنبلة «سيف فورد» الهجومية

كان العالم يتابع المناظرات بين مرشحَيْ (الديمقراطي والجمهوري)، والاستبيانات المسبقة قبيل إجراء الانتخابات الأمريكية، في سباق حثيث بين المتنافسَيْن، وانتظار من سيصل إلى البيت الأبيض.

وفي هذا الوقت تعرضت بعض الولايات الأمريكية لاجتياح (ساندي) ونتائجه التدميرية الاقتصادية والبشرية.. وفي هذا الوقت أيضاً دوَّى في سماء السياسة تصريح كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، وهجومها على ابنها المدلل (مجلس إسطنبول) ورفع الغطاء عنه.. وهذه اليد التي باركته طيلة ما يزيد على عام.

واستمر التحضير لاجتماعات (المعارضة الخارجية)، وتحديد مواعيدها وتأجيلها مرات عدة، إلى أن التأم أخيراً في (الدوحة القطرية) لمناقشة مبادرة (سيف- فورد*) تحت عنوان (هيئة المبادرة الوطنية)، وهي صناعة أمريكية مئة بالمئة وقابلة للتنفيذ فوراً.

وتدعو المبادرة إلى إقامة كيان يحمل اسم المؤتمر الوطني العام، يكون لمجلس إسطنبول النسبة الأكبر فيه، وهو الجهة المخوّلة بتشكيل حكومة انتقالية. وتنصّ المبادرة على أن تشكل لجنة تحضيرية ولجنة فنية.. وغيرها من النقاط.

كانت المبادرة البند الرئيس في جدول الأعمال، واستغرقت مناقشتها وقتاً طويلاً، نظراً لتعدد الآراء والتباينات التي برزت حولها. وهناك من رأى أن قبول المجلس الانضمام إلى هيئة المبادرة، سوف يؤدي إلى نسفه من أساسه، وبالتالي ستكون المرجعية لهذه الهيئة. ويرى آخر أن الأمر المفاجئ هو عدم حضور أي ممثلين عن الدول الغربية. ولم يحضر من السفراء سوى السفير الكندي.

ويبدو من خلال التصريحات والخطابات أن مجلس إسطنبول أصبح على الهامش، وأن تجربة تشكيله منذ ما يزيد على عام أثبتت فشلها، وجاءت قنبلة كلينتون متوافقة مع تراجع دور تركيا وسياستها المتقلبة غير الراسية على شاطئ واحد، وهي عبارة عن كُرة في ملعب السياسة الإقليمية والدولية، يتقاذفها اللاعبون الأمريكيون والأوربيون والخليجيون كما يشاؤون.

جرت انتخابات مجلس إسطنبول. وغرق كثيرون في (أسطورة الديمقراطية والتعددية)، لكن هذا ما أعلن عنه في الصحافة، بينما الواقع غير ذلك. وقد تقدم 35 لائحة فردية أو أكثر، تضمّ مئة مرشح ومرشحَيْن، وانتخب من بينهم أعضاء الأمانة العامة وعددهم 41 عضواً. ومن بينهم جرى انتخاب أحد عشر عضواً للمكتب التنفيذي. أما الهيئة العامة فتتألف من 400 عضو بينهم 150 عضواً جديداً. وعُيّن جورج صبرا، الذي رسب في الانتخابات، رئيساً للمجلس.

إن تعدد الانتماءات الفكرية وتغاير المواقف والمصالح الشخصية والحزبية وغيرها، التي برزت منذ خمسة عشر شهراً، ظلت ظاهرة تشكل بعداً خلافياً، نتج عنها في (الماضي والحاضر) انقسامات فردية وجماعية وتشكيل هياكل تنظيمية تحمل مسميات عدة، غدت منافساً رئيساً لهذا المجلس الذي ينتمي إلى أعداء سورية الإمبرياليين والرجعيين.

ومن النتائج التي أُعلنت أو تسرَّبت عبر الصحافة والمواقع الإلكترونية، أن (الإخوان المسلمين) سيطروا على الأمانة العامة لمجلس إسطنبول، فحصلوا على 23 مقعداً من 41. و(أصحاب الديمقراطية ورواد الثورية) الذين يدّعون دفاعهم عن المرأة، فقد غاب تمثيلها نهائياً مما اضطرهم إلى تعيين امرأتين، وكذلك غابت (الأقليات). مما أدى إلى انزعاج (سيدا) وارتدائه ثياب الحزن!

ومن الأمور اللافتة الهجوم على مبادرة (سيف- فورد) والاستقالات الجماعية، إذ قُدّر عدد المستقيلين بعشرين عضواً، وانسحب ممثلو التنسيقيات، وغاب عن الحضور أربعة عشر حزباً كردياً.

وصوَّت المجلس على رفض(المبادرة الوطنية) التي تنبثق عنها حكومة مؤقتة مؤلفة من عشرة تكنوقراطيين من جهة، وتقدم(فورد) باقتراح لإرضاء المعارضين لمبادرته، بزيادة عضوية هيئة المبادرة من 50 إلى 60 شخصية. ومنح المجلس الوطني 20 مقعداً بدلاً من ،15 لكن مجلس إستنبول رفض هذا الاقتراح.

وكادت الخلافات تعصف بالاجتماع، لولا المهدئات التي قدمها الخليجيون، والوعود بتقديم ضمانات للمستقبل (المال والسلاح). وجرت انتقادات لاذعة واتهامات لمجلس إسطنبول ومواقفه وسياساته، من قبل تنظيمات معارضة في الخارج لم تحضر هذه اللقاءات.

وأقرت المعارضة الخارجية إقامة حكومة انتقالية برئاسة رياض سيف.. وتسربت أخبار عن اتفاق روسي- أمريكي لحل الأزمة السورية، سيظهر إلى النور بعد أن عاد أوباما إلى البيت الأبيض. وهناك ترقب لزيارة الوزير الروسي (لافروف) إلى السعودية في الرابع عشر من تشرين الثاني. وستكون الأزمة السورية في جدول عمل هذه الزيارة.

 

 

(*) روبرت فورد: هو سفير الولايات المتحدة السابق في دمشق.

العدد 1105 - 01/5/2024