شعوب العالم على حافَّة الهاوية.. اتَّحدوا لبناء عالم جديد!

فادي إلياس نصار:

تَحكُم المصالح الاستراتيجية، السّياسية منها والاقتصادية، علاقات الدّول، والكيانات والأنظمة حول العالم، وهي علاقات أقل ما يُقال فيها اليوم إنها تشوّهت، ولم تعد تحتكم الى الشرعية الدّولية إلا ظاهرياً، ففي كل بلد غني بالثّروات سواءٌ النفطيَّة او المعدنيَّة، يَختَلِق تحالف القوى الاستعمارية، بقيادة الغُزاة الثلاثة الكبار(الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا) حججاً واهيةً ، باتت معروفة، كأن يدّعوا أنَّ البلاد يحكمها ديكتاتور يمارس القمع على شعبه، أو أنَّ الانتخابات غير ديمقراطية والحكومة غير شرعية، أو أنّ يتذرعوا  بكذبة حقوق الإنسان والحريات العامة، فتراهم يدعون فوراً مجلس الأمن الدولي الى اجتماعاتٍ طارئةٍ (بهدف إضفاء الشرعية على غزواتهم)، فيقلبون تلك البلدان رأساً على عقبٍ، يمولون بعدها مرتزقة ومنظمات انفصالية، يدعمونها عبر وسائل غريبة، ليست مألوفة، مُخرجين لكل بلد مسرحية على شاكلةِ (الربيع العربي)، داعمين قوى غوغائية (لا تمت إلى الحركات الثورية بصلة)،  فينتجون بذلك ما يسمى (الثورات البرتقالية)، ويجهدون لجعل العالم كله يرى بعينٍ واحدةٍ هي في أحسنِ أحوالها عين الإمبريالية وأتباعها، مُسخّرين لذلك الإعلام التّابع لهم.

اليوم، تغيَّر شكل الخطر الذي ترى قوى الاستعمار تهديداً للسّلم والأمن الدوليين، فلم تعد الشيوعية البعبع الذي يُخيف أمريكا، كما لم يعد فكر كارل ماركس يُرعبهم، وحتى مقولاته حول استعباد الشعوب، والحركات الثورية التي تتبناه، لم يعد لها مكتب خاص في وكالة الاستخبارات الأمريكية، فالخطر، بالنّسبة للولايات المتحدة الأمريكيّة وذيولها، يتمثل بالدول الغنية بالثروات، فقط، كاليمن، إيران وسورية، ودول الألماس الإفريقية، وصولاً إلى كوريا الشمالية ودول أمريكا اللاتينية التي لا تأتمر بإرادة  البيت الأبيض ولا ترضخ لمخطّطاته والتي ترفض التّحوّل إلى حديقة خلفية لراعي البقر (الكاوبوي).

فمن الطبيعي جداً في ظلّ هذا التّشويه العميق للشرعية الدوليَّة، أن تقود واشنطن تحالفاً، لشنِ حرب شعواء على سورية واليمن، ممولةً من دول الخليج العربي، ناشرةً كل أنواع الفصائل الإرهابية، كوسيلةٍ فعالة لنهب ثروات البلدين، وتهشيم كل أثرٍ للحضارة الباقية فيها، كي ينعم الكيان الصهيوني (إسرائيل) براحة البال.

ومن الطبيعي، أيضاً وتحت ضغوط إسرائيلية، وبتوجيه من فريق الصّقور في البيت الابيض، أن يُناقض مستشار الأمن القومي (جون بولتون) قرار ترامب بسحب قواته من سورية، بقوله: إن الولايات المتحدة لن تستعجل في سحب القوات من التنف. وأن تُعلن واشنطن، منذ أيامٍ معدودة، أنّها تدرس إمكانية الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة التّنف، كعامل ردع لإيران، (بحسب وكالة بلومبرغ)، في خدمةٍ مباشرةٍ للوجود (الإسرائيلي).

كما أنّه ليس مستغرباً في هذا العالم المُختل، سياسياً، أنّ يدَّعي الرّئيس التّركي رجب طيب أردوغان، (وهو بالمناسبة ناهب مصانع حلب عن بكرة أبيها، وحفارات النفط من المناطق الشرقية من سوريا)، في كل خطاب يلقيه، أنّ بلاده أكثر دولة تقدم مساعدات انسانية للشعب السوري، وأن يعرب عن أسفه لأنَّ (المجتمع الدولي ترك الشعب السوري وحيداً)، لكنه لم يذكر لنا نوعية تلك المساعدات ولمن يُرسلها!! ثم لماذا فتحت بلاده حدودها الطّويلة مع سورية (تبلغ نحو 822 كم) للوحوش كي تأكل الشعب السّوري الذي تركه العالم!

فتركيا، مثلها مثل الوحش الأمريكي، لم تعد تهتم بمحاربة المجموعات الإرهابية، في المنطقة، بالرغم مِن أنّها تُحذّر، اليوم، من خطر انتشار الإرهاب الى كل دول العالم، ذلك لأنّ مفهوم الإرهابي تغيّر بالنّسبة لهم فبات يتمثّل فقط بــ(حزب العمال الكردستاني)، وليس داعش وأخواتها، والسبب هنا واضح وهو أن وحدات الحزب تسيطر على العديد من آبار النفط في شمال سوريا والعراق!

وطبيعي جداً، أن توجّه دولٌ مثل فرنسا -التي امتعض رئيسها يوماً ما من قرار ترامب بالإنسحاب من سورية، وأكد أنَّ قواته باقية في سورية والعراق خلال عام 2019، فرنسا التي لم تَحل حتى اليوم مشاكلها المستعصية مع جماعة السترات الصفراء- إنذاراً مدته ثمانية أيام لإجراء انتخابات في فنزويلا، وهو الذي دعم علناً، الانقلاب الذي قام به رئيس البرلمان الفنزويلي (الأسبق) (خوان غوايدو).

وأن يرفض المصرف البريطاني، بتوجيه من وزير الخارجية الأمريكي (الأسبق) (مايك بومبيو) ومستشار الرئيس للأمن القومي الذئب (جون بولتون) إعطاء الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو (وهو يعلم أنّ فنزويلا تزخر بأكبر احتياطي نفطي في العالم، يُقدر بنحو 300 مليون برميل)، ودائع بلاده من الذّهب التي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار (عملية سلب واضحة).

أما الشيء غير الطّبيعي، في عالمنا المُختل هذا، فهو أن تهتم تلك الدول الاستعمارية فعلياً بحقوق الإنسان، وأن تلتزم الشّرعية الدّولية، فتترك الحريّة للشعوب كي تُقرر مصيرها، وتتحكّم في ثرواتها، فتقضي على الفقر وتتحرّر من سيطرة المنظمات التّابعة للإمبريالية، فهل وصلنا إلى حافّة الهاوية، حيث لا يمكننا حتّى الحلم بعالم ينعم فيه الإنسان، الذي هو غاية الحياة ومنطلقها، بالسلام والحياة الكريمة؟!

ربما وجب علينا اليوم أن نكرر النداء الشهير الذي أطلقه كارل ماركس: (يا أيّتها الشّعوب المُضَطهدة اتحدوا!).. لبناء عالمٍ جديد.

العدد 1107 - 22/5/2024