الشيوعي السوري الموحد في مناقشة الموازنة

استمرار تماسك الدولة إفشال لرهان التحالف الغربي

 

تخفيض الإنفاق الاستثماري لا يلبي الضرورات الاقتصادية

التشريعات الضريبية الحالية لا تحقق العدالة الاجتماعية

الإسراع في معالجة مشكلة المهجرين

التوسع في توفير فرص العمل

الفساد يضعف الثقة بالدولة

 

 عقد مجلس الشعب بتاريخ 5/11/2012 جلسة عادية تابع خلالها مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام،2013 وألقى الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، كلمة النواب الشيوعيين في المجلس، هذا نصها:

السيد الرئيس! الزميلات والزملاء الأعضاء!

إن مناقشة مشروع موازنة الدولة للعام القادم، وتوقع صدورها في المواعيد الدستورية المقررة، لهو أمر هام جداً، وردٌّ من جملة الردود المطلوبة لاستمرار عمل الدولة السورية التي تريد المجموعات المسلحة ومن هم وراءها من الدول الاستعمارية والتابعة لها، أن تحطم هذه الدولة كدولة، تمهيداً لاستكمال تحطيم مراكز الثقل العربية، ولتبقى إسرائيل القوة المسيطرة في المنطقة. لذلك فإن استمرار الدولة في عملها، واستمرار تماسكها بحد ذاته، هو إفشال للرهان الذي عوّل عليه التحالف الغربي المعادي. وإن صمود هذا البلد أمام أعتى حصار اقتصادي وعسكري وتخريب منظم وممنهج للمنشآت العامة، هو دليل على أن العالم لن يبقى بعد الآن أسير معادلة القطب الواحد، والهيمنة الإمبريالية.

إننا نتفهم الكثير من العوامل التي ضغطت على بنود الموازنة وجعلتها غالباً تقصّر عن أداء المطلوب منها من اتفاقات مجدية، ومن تأمين الموارد الضرورية لها. فقد فعلت أعمال التخريب فعلها، فحُرقت المعامل ودُمّرت محطات توليد الكهرباء ومضخات أنابيب النفط، وأوقفت المطاحن، وضرب قطاع النقل البري وعطلت السكك الحديدية والمستشفيات والمدارس عن العمل، وحُوصرت موانئنا، ومُنعنا من التعاقد مع أي بلد ومن رسو أي سفينة في بحارنا، وطال ذلك مؤخراً موانئنا الجوية، إلى ما هناك من تخريب وتعطيل، مما جعل من تقليص حجم الموازنة أمراً واقعاً، إذ إن الزيادة المعلنة في حجم الموازنة وهي 4% لا تعكس الواقع إذا أخذنا بالحسبان عامل التضخم النقدي الذي التهم جزءاً كبيراً من الموازنة وخلق هذه الفجوة الكبيرة بين موارد الموازنة وإنفاقاتها.

إن مكافحة التضخم النقدي لتضييق هذه الفجوة هو الحلقة الأساسية في حل أزمتنا الاقتصادية، وبالتالي أزمتنا النقدية والاجتماعية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إنقاذ العملية الإنتاجية في الزراعة والصناعة قبل كل شيء.

وهنا نستغرب كيف أن التخفيض في حجم الموازنة قد انصب قبل أي شيء آخر على تخفيض الإنفاق الاستثماري بمقدار 100 مليار ليرة سورية، أي بنسبة 26%، مع أن زيادة الإنفاق الاستثماري هي الرافعة الأساسية لتنشيط كل دورة الاقتصاد الوطني. ونقولها بصراحة إننا نشتمّ من هذا التخفيض رائحة الاتجاه النيوليبرالي الذي سارت عليه الحكومات السابقة، وحاولت فيه تحويل اقتصادنا الإنتاجي إلى اقتصاد خدمي ريعي مخصخص، تُحرَّر فيه التجارتان الداخلية والخارجية، وتجعله عرضة للنهب والتبعية وتدهور الأحوال المعيشية للمتوسطين والفقراء من الجماهير. وهنا نكتشف أحد مظاهر الخلل الأساسية في تخفيض الإنفاق الاستثماري.

إن فرص العمل التي ستوفرها بنود الموازنة لعام 2013 هي 36769 فرصة عمل، بينما خصصت موازنة 2012 الاعتمادات اللازمة ل 77444 فرصة، أي نزولاً بمعدل 50%، بينما يزداد عدد العاطلين عن العمل زيادات مخيفة كل عام، فكيف سنؤمن العمل للشباب حين نستقوي على بند الإنفاق الاستثماري ونستضعفه ونمعن فيه تخفيضاً عاماً بعد عام؟

لقد احتوت الموازنة الجديدة على بند يسمح بتخصيص 512 مليار ليرة دعماً حكومياً للمشتقات النفطية وبعض المواد التموينية الأساسية، وهذا أمر إيجابي وجيد ويطمئن المواطنين. ولكننا نرى إيجاد آلية دقيقة بحيث لا يذهب الدعم إلا لمستحقيه، وبالتالي الاستفادة من بعض الوفر المتحصل لدعم النفقات الاستثمارية أيضاً.

وإذا كنا بوارد البحث عن مصادر تمويل جديدة لإنقاذ اقتصادنا الوطني، أفلا يجدر بنا أن ننفذ فعلاً لا قولاً سياسة الاعتماد على الذات في مجال تشغيل الخط الخلوي الثالث؟ إذ أصبح لدى الفنيين السوريين وخاصة لدى وزارة الاتصالات الإمكانات الحقيقية لتنفيذ هذا المشروع الذي يجلب لموازنتنا ربحاً إضافياً صافياً قدره نحو 10 مليارات ليرة سورية. ألا نعلم جميعاً بحجم الأرباح الكبيرة التي تحصلها الشركات المستثمرة للخطين الحاليين؟ أليس اقتصادنا وخزينة الدولة أولى بهذه الأرباح؟

لقد خصصت الموازنة الجديدة مليارين ومئتي مليون ليرة للاعتمادات الاستثمارية للصناعات التحويلية، نزولاً من 3,5 مليارات في العام ،2012 وهذا يدل دلالة واضحة على انعدام التصميم على تنفيذ برنامج إصلاح القطاع العام الصناعي، الذي ينام في الأدراج وينتقل من مكتب إلى آخر منذ عشرة أعوام دون جدوى؟

ومثال آخر على عدم الاهتمام الكافي بالقطاعات الإنتاجية، هو تخفيض الاعتمادات لوزارة الزراعة من 10 مليارات إلى ستة مليارات، فهل يستجيب ذلك لمتطلبات اقتصادنا الوطني المبني أساساً على الزراعة؟ والذي يجب أن نؤمن من منتجاتها ما يوفر لنا مستلزمات الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي والاحتياطيات الاستراتيجية منها. إننا نرى أنه لا يجوز المساس بهذا المبدأ على الإطلاق، الأمر الذي يتطلب توسيع المساحات المزروعة من الحبوب وإعطاء الأولية في تنفيذ المشاريع الاستثمارية لمشاريع الري الضخمة التي يتوقف عليها مستقبل الأجيال، وخاصة مشروع إرواء سهول دجلة.

إن شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار المواد الأساسية هي شكاوى يصعب تعدادها، نظراً لكثرتها، وعدم اتخاذ أي إجراء جدي للتغلب على الصعوبات التي يعانيها المواطنون. وقد سبق لنا أن اقترحنا عدة مرات إنشاء أسواق شعبية منظمة يبيع فيها الفلاحون والمزارعون إنتاجهم للمستهلكين مباشرة، مختصرين بذلك مراحل عدة من الوسطاء الذين يرفعون الأسعار ويتلاعبون بها على كيفهم، ونكرر الآن: انظروا إلى أحوال المستهلكين، وضعوا حداً للوسطاء الذين يأكلون ثمرات أتعاب المنتجين ويرهقون المستهلكين.

أثار التقرير سؤالاً عن كيفية خفض العجز في مشروع الموازنة البالغ 745 ملياراً، وتقدم بإجابة غير كاملة أو إجابة غير مقترنة بتدابير عملية تنفيذية. مثال على ذلك، الفساد الذي يقال إنه يلتهم نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي لم نلحظ من مكافحته سوى المزيد من القوانين ذات الطابع الإجرائي، وما لم يلحظ المواطنون أي خطوات ملموسة تجاه الفاسدين فمن الصعب تكوين عنصر الثقة بينهم وبين الدولة. كذلك التحصيل الضريبي، والتهرب الضريبي، الذي قد يصل إلى حدود 100 مليار ليرة، فضلاً عن انخفاض معدل الضريبة على الأرباح والريوع، وانعدام العدالة الضريبية، إذ تكاد الضرائب المباشرة وغير المباشرة أن تتساويا، وبحيث أن ما يدفعه الفقراء ومتوسطو الحال هي مبالغ قريبة جداً مما يدفعه الأغنياء.

السيد الرئيس، لم يعد ممكناً عدم الإصغاء إلى الشعب ومطالبه المحقة، ولا يجوز أن تتراكم المشاكل عاماً بعد عام، ويوماً بعد يوم، فالشعب لم يعد يقبل المقصرين والبيروقراطيين والفاسدين.

العدد 1105 - 01/5/2024