بين التجديد.. وحكومة (الدوحة)

الحل يبدأ بالسوريين… وينتهي بهم

 

 ما زال السوريون يكتوون يومياً بنيران العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والقصف العشوائي والتهجير القسري، وعمليات الاغتيال والخطف والاعتقال، إضافة إلى معاناتهم من أجل تأمين لقمة عيشهم بعد العقوبات والحصار.ما زالوا يدفعون الثمن الأغلى.. فدماؤهم تسيل.. ويحاصرهم الخوف والقلق في ظل الاحتكام إلى السلاح في الداخل،  وشراسة التصعيد النوعي الذي يمارسه الخارج، ممثلاً بالإمبريالية الأمريكية وأزلامها الأوربيين والخليجيين والعثمانيين الجدد.ولأنهم يضعون مصلحة بلادهم.. واستمرار تآلفهم الاجتماعي والديني والإثني، فوق أي مصلحة حزبية أو فئوية من جهة، ويدركون العلاقة بين الداخل والخارج من جهة ثانية، فإن أي نجاح في حل الأزمة السورية بالطرق السلمية-كما يتمنى السوريون- كفيل بردع محاولات المتدخلين الخارجيين،  وإفشال مخططاتهم، وفتح المجال أمامهم لإعادة إعمار بلادهم، وصياغة مستقبل نظامهم السياسي الديمقراطي،  دون هيمنة في الداخل.. أو تدخل من الخارج.

ويدرك التحالف المعادي لسورية- والأمريكيون ربما أكثر من غيرهم- أن السوريين لم يفوضوا أحداً بتمثيلهم، فأوجاعهم.. وهمومهم المكبوتة منذ عقود، خرجت من صدورهم التي كانت مغلقة، فأفصحوا عن مطالبهم السياسية والاجتماعية، ونزلوا إلى الشوارع متحدّين خوفاً مزمناً.. من وجع مزمن، وقرروا صياغة مستقبلهم السياسي الديمقراطي، وتوجههم الاقتصادي والاجتماعي عبر تغيير سلمي، تشارك فيه عبر حوار توافقي شامل، جميع القوى السياسية والمجتمعية الوطنية، لا عن طريق السلاح والتفجير والاغتيال والتهجير واستزلام الفئات(القاعدية) السوداء الباحثة عن المستقبل في هوامش الماضي.

من وضع آمالاً على تجديد ولاية أوباما، وتوقع (تفرغه) لحل المسألة السورية وفقاً لإرادة الشعب السوري،  لابد أنه نسي-أو تناسى- تجارب الشعوب مع قلعة الإمبريالية العالمية، نسي فظائعها في كوبا وغواتيمالا والبرازيل وتشيلي وكوريا وفييتنام وفلسطين والعراق.  فالانتقائية في اختيار المعايير، وتزييف الإرادة الحقيقية للشعوب، إضافة إلى استعراض العضلات والغزو المباشر، وسائل استخدمتها الإمبريالية الأمريكية، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بهدف ضمان استمرار هيمنتها على القرار السياسي والاقتصادي العالمي، والإجهاز النهائي على القوى الثورية وحركات التحرر العالمية.

 السيدة كلينتون تعلم جيداً أن المجلس (الإسطنبولي) لايمثل إرادة السوريين، لكنها أخرجت من ملفاتها المعدة مسبقاً ملفاً جديداً، تتلافى فيه الانتقادات التي واجهت سياستها(السورية)بعد انكشاف تحالفاتها مع المنظمات الإرهابية المتطرفة، المتسللة إلى مسرح العمليات السوري، إذ تتعهد بمنح إغراءات جديدة، لمجلس سوري خارجي جديد.. أكثر انسجاماً-من وجهة نظرها- وأكثر فاعلية على الأرض، يستقيم معه تقديم الدعم المالي والعسكري اللامحدود، بهدف تصعيد التدخل الخارجي المسلح، ومحاصرة محاولات دولية تبذل لحل الأزمة السورية سياسياً وفق بنود مبادرة (جنيف).وسواء نجحت الإدارة الأمريكية في مسعاها أم أخفقت- وهذا مانرجحه- فإن إصرار السوريين على وضع حد لمعاناتهم، يبدأ بهم.. وينتهي بهم.

لماذا علينا نحن أبناء سورية، الحالمين بمستقبل بلادنا الديمقراطي، أن نحسب حساباً لإرادة الأمريكيين..  ووصايا الأوربيين.. وأحلام العثمانيين الجدد.. وأوهام مشايخ الخليج؟!لماذا نحتكم في حل أزمتنا إلى السلاح الذي نعلم جيداً أن تكلفة اللجوء إليه تعني المزيد من سفك الدماء.. وهدم المدن.. وحرق المنشآت، وتهيئة المناخ لتدخل القوى الاستعمارية القديمة منها والجديدة؟!

لقد قلنا في الماضي القريب،  ونكرر اليوم:إن حل الأزمة المركبة التي عصفت ببلادنا، والحفاظ على وحدة الوطن وتلاحم السوريين،  يتطلبان العمل على تأسيس قاعدة (ثقة وحوار) بين الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد،  تتمحور حول الحفاظ على سياستنا الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية، وتحقيق المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لجميع فئات الشعب، وتضع روزنامة واضحة لوقف الاحتكام إلى السلاح، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، بعيداً عن المصالح الضيقة لبعض من يحاولون التصعيد في الداخل والخارج.إن تأسيس هذه القاعدة ليست مسؤولية القيادة السياسية وحدها، بل هي مسؤولية جميع القوى الوطنية في البلاد، وبضمنهم المعارضون الوطنيون الذين يعلنون تمسكهم بالحل السياسي.. ويرفضون التدخل الأجنبي.

الخوف على سورية واستقرارها..  وسلامة أبنائها،  خاصة بعد أن كثفت العصابات التكفيرية المجرمة حملات التفجير الهمجية التي أودت بحياة الأبرياء، هو ما نراه دافعاً كي نطرح جانباً جميع خلافاتنا السياسية، ونتوافق على حل أزمتنا بالطرق السلمية، فاستمرار تخريب سورية.. واستمرار نزيف دماء أبنائها يجب أن يتوقفا.

العدد 1105 - 01/5/2024