ثورة أكتوبر الاشتراكية في ذكراها الخامسة والتسعين

من الصعب لأي منصف يتناول بالتحليل والتقييم أهم أحداث القرن المنصرم أن لا يتوقف عند أهم حدث فيه ترك بصمته على مجمل القرن، وهو ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، أول ثورة اشتراكية ظافرة يقودها العمال والفلاحون.

قد تختلف الآراء حول الثورة منذ لحظة تفجيرها، وبشكل خاص التوقيت، وثمة من يرى أن الثورة قامت في وقتها، إلا أن بعضهم يعتقد أنها جاءت مبكرة ولم تنضج الظروف الموضوعية لانتصارها، لكنها مع ذلك قد انتصرت بفضل التضحيات الجسام التي قُدّمت في سبيلها، مما هدم الهوة بين الظروف الذاتية والظروف الموضوعية لقيامها.

الإجراءات التي قامت بها الثورة منذ يومها الأول، كمرسوم الأرض ومرسوم السلام وإعلان دولة العمال والفلاحين، والموقف الواضح من السياسات الدولية، وفضح التواطؤ الدولي على الشعوب، وبضمن ذلك اتفاقية سايكس بيكو، ثم مناصرة حركات التحرر الوطني وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي للدول الفتية، هي من أهم إنجازات ثورة أكتوبر ومآثرها.

حاولت الدول الرأسمالية عبثاً أن تقضي على الثورة، فاجتمعت في حلف دولي، وتدخلت بجيوشها الجرارة وقاتلت الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين، وتسببت بخراب البنى التحتية للدولة الفتية، وقتل مئات ألوف الثائرين، وعندما فشلت في محاولاتها فرضت حصاراً على الدولة الاشتراكية الفتية. لكن تراص الصفوف والوحدة الصوانية بين جماهير العمال والفلاحين بقيادة حزب البلاشفة استطاعت أن تجهض التحالف غير المقدس ضد الثورة.

واستمر خصوم الدولة الاشتراكية الفتية (الدول الرأسمالية)  في حوك المؤامرات من الخارج ومن الداخل، في محاولة يائسة لإسقاط التجربة. إلا أن منجزات التجربة ظلت في اضطراد، وقد توِّجت بالانتصار الكبير في الحرب الوطنية العظمى التي أدت إلى المحافظة على الدولة السوفييتية وهزيمة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية. إلا أن الأعداء استطاعوا أن يتوصلوا إلى مآربهم في تسعينيات القرن الماضي بانقلاب على الثورة من الداخل، أدى إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي حصن السلم العالمي وحامي التوازن الدولي ونصير حركات التحرر الوطني العالمية، وبذلك يكون القرن العشرون قد بدأ بثورة أكتوبر وانتهى بإخفاقها. مما لا شك فيه أن التجربة مرت بأخطاء يحاول الأعداء اليوم تضخيمها بقصد الإساءة إلى مجمل التجربة، وليس للاستفادة من دروس إخفاقها. تبقى تجربة أكتوبر مادة ثرية لكل دراسة منصفة علمية وموضوعية لاستخلاص النتائج والعبر منها، ففيها رصيد وتراث غني يمكن الاستفادة منه في ثورات لاحقة لأن مستقبل العالم لا يمكن أن يكون للنظام الرأسمالي كما يدّعي مروّجو تأبيده بوصفه نظاماً أزلياً صالحاً للبشرية جمعاء. وتبقى ثورة أكتوبر ووليدها الاتحاد السوفييتي هدفاً تاريخياً لا يمكن تجاوزه دون التأمل فيما أنجزه، وبشكل خاص بالنسبة إلى شعوب العالم الثالث أو ما يسمى بالأطراف. أكدت السنوات الماضية أن هيمنة القطب الواحد لا يمكن لها أن تستمر، ولابد من عالم متعدد الأقطاب تتوازن فيه العلاقات الدولية التي كانت كفته الراجحة من ثمار ثورة أكتوبر التي ستبقى منارة وحافزاً للمناضلين من أجل التغيير، ومن أجل بناء عالم جديد تسوده الحرية وقيم العدالة الاجتماعية.. عالم الاشتراكية الذي يزول منه كل أثرٍ لاضطهاد أمة لأمة أو شعب لشعب أو طبقة لطبقة أو إنسان لإنسان.

العدد 1104 - 24/4/2024