هل دخل اليمن ساحة الصراعات التفتيتية؟

في سلسلة الصراعات الطائفية التي تغزو العالم العربي، في زمن (الربيع العربي) ثمة حالة من الاقتتال الطائفي تغزو أكثر من بلد عربي لم يكن اليمن آخرها، فاليمن الذي استعصى على الغزاة والمحتلين عبر التاريخ، يبدو اليوم على أبواب مرحلة جديدة من الاقتتال الداخلي العنيف، الذي من شأنه أن يدمّر البلد، ويحقق المشاريع التقسيمية في المنطقة العربية.

والحقيقة أن فكرة المخطط التقسيمي هي عبارة عن تعديل لمخطط الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنه برنارد لويس في ثمانينيات القرن الماضي، ثم في بداية عام 2005 عُدل المخطط الخاص باليمن وفقاً لأبحاث وتقارير أعدها عدد من المراكز المتخصصة في الدراسات السياسية والاستراتيجية، ليصل المخطط إلى صورته (قبل النهائية)، التي تتمثل بتقسيم اليمن إلى أربعة أقاليم : إقليم صعدة، ويضم محافظات مأرب والجوف وصعدة وعمران وحجة.. عاصمة الإقليم صعدة أو عمران وميناء الإقليم ميناء ميدي – إقليم صنعاء، ويضم مدينة صنعاء ومحافظات صنعاء وذمار والبيضاء وإب والحديدة وتعز والمحويت وريمة.. عاصمة الإقليم صنعاء وميناء الإقليم ميناء الحديدة – الإقليم الشرقي (محمية حضرموت الشرقية.. ويضم شبوة وحضرموت والمهرة) – والإقليم الجنوبي (الجنوب العربي)، ويضم عدن وأبين ولحج والضالع. ويبدو أن بعض الأحداث والتطورات دفعت القائمين على مخطط التقسيم إلى تعديل المخطط ليصبح على صورته النهائية الجديدة، بحيث يلغى إقليم صنعاء ليكون هناك أربعة أقاليم، هي الإقليم الغربي (تعز وإب والحديدة)، والإقليم الجنوبي (عدن وأبين ولحج والضالع) والإقليم الشرقي (شبوة وحضرموت والمهرة)، والإقليم الشمالي (ويضم بقية المحافظات وعاصمته عمران أو صنعاء وميناؤه ميدي)..

ويبدو أن ثمة اتفاقاً بين الدول الراعية لمخطط تقسيم اليمن، على أن لا يتم إجبار اليمنيين على تقسيم بلدهم، وإنما تهيئة الأجواء التي تجعل قسماً من اليمنيين يقبلون طواعية بمخطط التقسيم ويتم تنفيذ هذا المخطط بأيادٍ يمنية، وبرعاية الدول الحريصة على التقسيم، ويكون هذا من خلال التحضير لمؤتمر حوار تقسيمي يمني يشارك فيه اليمنيون بكل أطيافهم، إلا أن العقبة أمام هذا المخطط، كما هي العقبة في أكثر من بلد عربي يُراد تقسيمه، هو الجيش والمؤسسة العسكرية.. فمن غير المعقول أن يقبل قادة الجيش وأفراده، وهم الذين دفعوا كل غال ونفيس بغية الحفاظ على وحدة هذا البلد أو ذاك ولعقود أو قرن من الزمن، من غير المعقول أن يقبلوا بالمخططات التقسيمية التفتيتية، وستظل الجيوش العربية في غير ما قطر عربي، شوكة في حلق التقسيميّين وأتباعهم في العالم العربي. 

وكانت مصادر يمنية أماطت اللثام عن مخطط إخواني للسيطرة على عدة جزر على الساحل الغربي الممتد من الحدود مع السعودية، قرب ميناء الصليف اليمني في الحديدة، من أجل تهريب أسلحة ومقاتلين إلى سيناء المصرية. وتؤكد المصادر أن هذه القوى بدأت بتنفيذ جزء من المخطط بالدفع بجماعات متشددة للسيطرة على الطريق الذي يربط مدينة حرض بمحافظة حجة اليمنية، والسيطرة على موقع استراتيجي هو جبل النار، في إشارة إلى الحرب الدائرة في دماج بين السلفيين والحوثيين.

وتؤكد المصادر أن جماعة الإخوان المسلمين تريد السيطرة على ميناء ميدي، ومراسي قريبة منه وعدد من الجزر المقابلة، بهدف تهريب السلاح والمقاتلين عبر البحر إلى سيناء المصرية، التي تشهد مواجهات بين قوات الجيش وعناصر متشددة مسلحة على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، لافتاً إلى أن جزءاً من المخطط يهدف لتسليم مواقع استراتيجية للجماعات المسلحة، بالقرب من الحدود السعودية، التي تحاول السيطرة على هذه المواقع بمبرر منع أي إمدادات للحوثيين.

وتكشف المصادر أن قيادات من التنظيم الدولي للإخوان وإخوان اليمن هي من تقف خلف هذا المخطط بهدف الوجود في مناطق التماس مع السعودية، لإيصال رسالة إلى السلطات السعودية، بقدرتها على زعزعة أمن المملكة في حال استمرت السلطات السعودية في دعم ثورة 30 حزيران(يونيو) المصرية، والتضييق على الإخوان المسلمين في اليمن. وكان التقرير الاستراتيجي لمركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية قد حذّر من انزلاق اليمن إلى حرب أهلية، إذا لم تفرض الدولة سيادتها على جميع المحافظات، وتوقف الحروب الداخلية بقوة الدولة وسيادتها. وفي خلاصة التقرير الذي عنون ب (حرب دماج.. الثقب الأسود)، تأكيد أن استمرار الاقتتال والعنف الطائفي في اليمن، ونشوء حركات مسلحة راديكالية وقبلية جديدة وسيطرتها على جزء من مناطق اليمن، سيؤدي إلى ارتخاء قبضة الدولة وضعفها، وتوسع تنظيم القاعدة وكسب أنصار جدد له، وبناء عليه فإن منطقة صعدة، ستصبح ساحة صراع طائفي ومناطقي، من شأنه أن يجعل اليمن ساحة صراعات إقليمية ودولية، وقد تصبح اليمن خطراً على الأمن الإقليمي والدولي. وليس بخافٍ على أحد، أنَّ يمناً موحَّداً، بكثافة سكانية كبيرة، وأرض شاسعة، وسواحل طويلة تمتد إلى 2400كم، على بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر، متنوّع الثروات، تتنامى فيه الحالة الوطنية وروح المواطنة القائمة على التساوي في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء البلد الواحد، وتزداد يوماً بعد يوم، وتتحكم بالحالة الاجتماعية فيه، أعرافٌ قبلية ذات نزعة محافظة، وداعمة للقضايا العربية، وتنطلق منه مواقف مؤثرة إقليمياً، وعالمياً، مناهضة للمشروع الصهيو- أمريكي، أنَّه لا يمكن أن يُطمئن المشروع الغربي المخرّب في المنطقة، ولا الجهات الإقليمية الدائرة في فلكه. ولهذا فقد تلاقت مصالح الكثير من الدول العربية والإقليمية على تدريب المقاتلين ومدّهم بالأموال والسلاح، بغية تعزيز حالة الاقتتال الطائفي وتحقيق المشروع تفتيت المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها. وبالرغم من وجود قوى كثيرة  داخلية وإقليمية، وربما دولية، تسعى لتأجيج الحرب وتسعيرها في دماج، إلا أن الفرصة مازالت مواتية، أكثر من أي وقت مضى، لاسيما بعد انكشاف حقيقة المخططات الغربية، لإعادة صياغة وطنية لمنظور الدولة، وفرض هيبتها وبسط سيادتها على كامل التراب اليمني، وبناء دولة تتسع لكل اليمنيين، لاسيما أن أي مبرر لاستمرار غياب الدولة سيزيد من توسع المشاريع الصغيرة الطائفية والمناطقية والعنصرية والقبلية.

العدد 1105 - 01/5/2024