في أربعين لؤي عيادة

طوى صفحته ومضى!

 

طوى لؤي عيادة الصفحة ومضى!

تماماً كأنه ملّ من الأمل، فالأمل أحياناً يشبه غودو، تنتظره ولايأتي، تتوهم أنه سيأتي ولكنه لايأتي.. ومن حق لؤي أن يمضي، فقد أغلقت الأبواب على صورة ذلك الأمل المرسوم في ذهنية الصحفي والكاتب الذي فعل (كل شيء) من أجل أن يفعل (شيئاً ما) يزيد التراكم الإيجابي في حياة الثقافة في بلادنا، لكنه أحس أن البذار لم تنتج سنابل في حقول البلاد.

لذلك، مضى حزيناً في قلب أحزان البلاد المجروحة من كل شيء فيها وحولها، فالوقت الذي رحل فيه لؤي عيادة لم يكن مناسباً للرحيل، لأن القبور لم تعد تتسع، ولأن مهرجانات التأبين تخاف سقوط القذائف فوقها، ولأن الكلمة بحد ذاتها بحاجة إلى تأبين!

في آخر خيبة كانت تدل على تواضعه الثقافي، قال لي لؤي:

– اكتب.. أنت نشيط جداً.. اكتب لعل ماتكتبه يصل إلى الآخرين!

– وهل وصلت أنت؟!

هز رأسه بيأس، وكأنه يقول لي: لا أعرف!

كان لايتردد في توزيع رزمة من نسخ الصحيفة التي يحبها على الناس، حتى لو ذهب إليهم، وحتى لو لم يقرأها أحد منهم، وحتى لو لم يكن هو قد كتب فيها!

يا ألله، هل يمكن أن تنتهي طموحاتنا دفعة واحدة، ونقرر أن نمضي بلا أمل؟! أو هل يمكن أن تكون صيحة سعد الله ونوس القائلة بأننا محكومون بالأمل، مجرد كلمة حلوة تركها ومضى؟!

أعرف أن القرار ليس بيدنا، لكن اليأس على كل حال هو بيدنا!

كان لؤي عيادة يختفي أحياناً، ورغم غيابه في حالة الاختفاء هذه، كنت أحس أنه موجود، لذلك لم أكن أسأله عن غيابه، وفي آخر مرة اكتشفت أن علي أن أسأل عن غيابه، فسألت ابنته أميرة عيادة، وعرفت أنه مريض جداً، إلى الدرجة التي جعلته يطوي فيها الصفحة ويمضى!

عندما ظهر مسلسله التلفزيوني (الوسيط) من إخراج هيثم حقي، كان صيحة قوية في وجه الاستغلال والاحتكار، وترك صدى جميلاً. وأتذكره نابضاً يحمل جرح الناس، لذلك قررت مراجعته في مشروع الكتاب الذي أعمل عليه حالياً حول تطور النص الدرامي التلفزيوني السوري.

أرسل لي السيناريو مع ابنته أميرة، قبل رحيله بعدة أسابيع، قرأت شيئاً منه، وسريعاً تراءى لي الواقع، وكأن صورة الوسيط تغطي مساحات واسعة من أسواقنا.. كانت صورة رؤية فكرية لزمن قد يأتي، ينشب فيه المستغلون والمحتكرون والفاسدون أظافرهم في أجساد الناس، وسألت نفسي:

– (هل جرى تخريب الدراما؟ فلم تعد قادرة على تسليط الضوء على الوسيط الجديد؟!)..

لم يمت (الوسيط) في المجتمع، كان ينمو ويكبر ويتشعب إلى درجة الوباء، وغضت الدراما التلفزيونية السورية الطرف عنه، منشغلة بصبايا وباب الحارة وسلسلة بقعة ضوء التي هدفت بالنتيجة إلى (فش الخلق) دون أن تعلل المرض، أو تنبه إليه، وكأن ثمة من يريد إغماض العين عن المرض المنتشر من حولنا والذي أصاب الكثيرين من أبناء شعبنا، فصار (الوسيط) خلقاً.. وصار سلوكه منطقاً، واتكأ الضعفاء على ذلك، ثم زادوا وانتشروا إلى درجة أنهم أشعلوا الخراب في كل مكان!

طوى لؤي عيادة الصفحة ومضى..

أتعبه كثيراً السواد من حوله، وأتعبته الصحافة، وأتعبته الحياة.. لم يكن بيده شيء يتكئ عليه غير الأمل، لكنه اكتشف أخيراً أن الأمل يشبه غودو، تنتظره ولايأتي.. تنتظره وتنتظره ولايأتي!

العدد 1104 - 24/4/2024