ثقافة في وجه العنف

تلعب الثقافة دوراً جوهرياً في بناء الإنسان وتطوير المجتمع وتقدمه، وبلورة الوعي الإنساني لديه، خصوصاً الثقافة ذات الطابع والمضمون الإنساني والوطني والحضاري، التي تعزز دور الشخص ومساهمته في بناء الحياة الاجتماعية والسياسية.

انطلاقاً من هذه الرؤيا تبنت مجموعة من الهيئات الأهلية في صحنايا، المشروع الثقافي (عناة)، وهذا ليس بالمولود الأول لها، فقد كان لهذه الهيئات مجموعة من المشاريع المشتركة  على صعيد المجتمع الأهلي في صحنايا، أما هذه المرة فيمتاز بالصبغة الثقافية البحتة.. المخرج عدنان الأزروني، صاحب الفكرة الأساسية، حدثنا عن انطلاقة الفكرة 🙁 منذ أكثر من عام شاركت في أمسية شعرية ثقافية في بيروت، انتقلت الفكرة إلى دمشق وبدأنا مع عدد من الأصدقاء في أحد مطاعم دمشق القديمة، ومن هنا أتت فكرة نقل هذه الظاهرة إلى صحنايا مع بعض التعديلات التي تناسب البيئة الثقافية في صحنايا).

* على ماذا تقوم هذه الفكرة؟

** (عناة) ملتقى ثقافي  يشكل فضاء مفتوحاً للأدب والفن بكل أشكاله… لدينا هدفان، الأول، جمع جيلين، جيل معروف ومكرس، مع جيل صاعد، وبذلك نكون قد خلقنا مناخاً ملائماً للاحتكاك  بين الجيلين وفعلّنا الحوار الثقافي وتبادل الخبرات بينهما، ونكون قد أوجدنا منبراً لجيل جديد، لتفتّح هواياته ومواهبه  في الشعر والغناء والموسيقا والأدب والقصة، يشارك معنا مواهب شعرية بأعمار 17 – 18 سنة تكاد بموهبتها تلامس الكبار، هؤلاء كنز نكتشفهم، وهم بحاجة إلى تسليط  الضوء عليهم، هذا المكان عملياً للهواة الناشئين. في الحقيقة، لم أكن أتخيل وجود هذا الكم من المواهب في صحنايا.. هذا هدف مباشر.

* والأهداف غير المباشرة؟

** من أهمها خلق بيئة ثقافية تساهم في بناء جيل جديد مسلح بآلية تفكير جديدة، بمقابل فكر العنف السائد في هذه الأيام، لا بد من صوت ثقافي يواجه هذه الحرب من منظار آخر.

* صحيح، قلت له، إنّ ما وصلنا إليه يؤكد  أنّ من الضروري للثقافة الصائبة أن تواجه وتصحّح ما نراه من ثقافة ضحلة في عالم اليوم، لأن القوة والمال أو غير ذلك تعجز عن مواجهة الثقافات وتغييرها..

** هذا الصوت الثقافي يبني شخصية الجيل، آلية التفكير والمعرفة، الانفتاح على الآخر وقبوله كما هو،.. الحوار.. هذه الأدوات التي لانملكها كما ينبغي.. هكذا يقول الواقع اليوم.. نحن ندّعي أن العمل الثقافي يوجدها ويحققها..

ما نراه من جهل وفساد وطائفية وتعصب، كيف نحاربه؟ ما يُنتجها ليس قلة المعرفة بل نوعية المعرفة..الفكر المنفتح بمواجهة الفكر السلفي..فكر التعايش بمواجهة فكر التعصب الأعمى والطائفية..نحن هنا من كل الطوائف والملل، نساهم في خلق أجواء للتعايش المشترك.. نركز على الشخص وأهميته ودوره في بناء الدولة المدنية.. دولة المواطنة. وبرأيي لا يكفي أن نقول دولة مدنية، بل يجب أن نكرس مفهوم الدولة العلمانية التي تقوم على سيادة القانون وتساوي الجميع أمامه، بغضّ النظر عن الانتماء الديني أو الطائفي.. هذه الأعمال تكرس هذا المفهوم، لأن لغة الفن أرقى من كل المواقف السياسية.

* بما أنّ همكم ثقافي، كيف تشجعون على القراءة في هذه الأيام التي قلّ فيها أصدقاء الكتاب؟

** في كل أسبوع لم يقلّ عدد الحضور عن 80 وهذا كان مفاجئاً، بمجرد الحضور وسماع الشعر والأدب فهذا يحمّس الناس للقراءة، الشعراء المكرسون الذين ندعوهم لديهم دواوينهم، وبالتالي فهناك تشجيع لقراءة هذه الدواوين واقتنائها.. أما على المدى البعيد، في خطوة لاحقة، نحن نطمح لتأسيس مكتبة للمطالعة واستعارة الكتب.. ترافقها ندوات لمناقشة روايات أو مسرحيات أو أفلام سينمائية.. هذا للمستقبل.

* أنت تقول: فاجأك عدد الحضور..هل برأيك هذا الحضور بسبب الاهتمام بالثقافة، أم نتيجة الملل والأوضاع السائدة، فالناس لا يستطيعون بسهولة مغادرة المنطقة، فوجدوا هنا متنفساً للتسلية واللقاء؟؟

** لو كان المطلوب فقط تمضية الوقت، فصحنايا فيها الكثير من المطاعم والمقاهي وخصوصاً بعد الأزمة.. لماذا يستمعون كل مرة من 3 – 4 ساعات إلى الشعر والأدب والموسيقا والغناء؟ ولماذا يأتون كل مرة مع العلم أن هذا هو الأسبوع الخامس؟ الاستمرارية والثبات هي المقياس. ويكفي أنّ هناك شباباً اليوم يأتي ليسمع أو يُلقي الشعر أو غيره، ولا يقضي وقته في أماكن موبوءة ومضيعة الوقت.

* ختم المخرج عدنان الأزروني كلامه مؤكداً: هناك شقان للموضوع، (أهمية وضرورة)، فأهمية العمل في هذا الوقت أن يكون هناك عمل عكس التيار السائد، وضرورة لمساعدة الشباب قدر الإمكان ألاّ يذهبوا في طرقات ضياع، بأن نفتح لهم طرقات أخرى تبنيهم وتبني مستقبل البلد، لأن العمل الثقافي يمثل البناء التحتي لغيره من الأعمال.

– مع يقيني أنّ تغير الإنسان بسبب كلمة أو فكرة ليس من الضرورة أن يحدث، إلا أن للكلمة الحقيقية دورها وفعلها، إذا وقعت في تربة خصبة، وهذا التغيير إن حدث فهو لا يتم دفعة واحدة، لأن تغيير المواقف والعقائد والإعلان عنه ليس بالأمر الهين، فهو يغير تاريخ الإنسان  ونوعية وجوده.. ومن هنا أهمية الفكر ة النيرة، هي تهز الإنسان، الواعي، وتدفعه إلى مزيد من البحث وصولاً إلى الحقيقة الكاملة، على أمل رفع سوية الكلمة والفكر مع الصبر والمتابعة لنساهم في ولادة جيل جديد.

العدد 1107 - 22/5/2024