المطر… والأرض والمواطن

منذ أيام كان المطر يغسل الفضاء من الغازات ودخان الحرائق والقذائف.. وبعد أيام سنودع عاماً مليئاً بالأحزان والفقدان، ولا نعلم ماذا يخبّئ لنا العام الجديد، وإن كانت المقدمات واضحة في العامين الماضيين، والدروس التي علَّمت المواطن السوري مواجهة الظلام بالوعي والصبر والدفاع عن الوطن، ومعرفة القمح الصافي من الزّؤان.

لقد غسل المطر القلوب، ولم يملأ الجيوب، وإن وصلها البلل لكنها بقيت خاوية، تواجه جنون الأسعار. ونفدت طاقة المواطن وهو يبحث في النهار والليل عن أسطوانة غاز وربطة خبز وعدة ليترات مازوت، وازداد شوقه وتضاعف مئة مرَّة لرؤية نور الكهرباء!

للمطر فلسفته كما للأرض والإنسان. فالغيوم التي تبعث المطر وتحمل سلال الخير للمواطن، تربطها صداقة أبدية مع الأرض. والفلاح الحليف الأبدي للمطر والأرض ينتظر بفارغ الصبر زيارة إله الخصب. فالعلاقة جدلية بين الأركان الثلاثة (المطر.. الأرض.. الإنسان). وقد تعرَّضت هذه العلاقة للتخريب، فقطع الظلاميون أصحاب العصابات والثياب السود أشجار الزيتون وحرقوا حقول القمح، وخرّبوا المواسم ونهبوا كل شيء.

وهناك تباين كبير ومفارقة حادة كالسكين، بين رائحة الأديم الذي تغسله حبَّات المطر، ورائحة البارود والرصاص والقذائف. وتتّسع زاوية المفارقة بين موسيقا المطر، ونقرات قطراته على زجاج النوافذ وبلّور السيارات. ومن يصغي إلى عزف المطر يغتبط، غير من تفاجئه القذائف والطلقات فلا يعود يعرف أين يختبئ، كالفرق بين ابتسامات أوباما وكلينتون، وبين طفل يقطف وردة يقدمها في الصباح إلى معلّمته.

هل المطر في نهاية عام 2012 مقدمة لحل سياسي للأزمة السورية؟ هل عام 2013 يحمل إلى سورية فرح السلام، وتحقيق الحوار والمصالحة وعقد المؤتمر الوطني الواسع والشامل؟

انقشعت الغيوم في سماء المنطقة، لكنَّ أبواق الرجعية لا تزال ترعد وتتوعد، وترسل روَّاد الظلام عبر الممرات، يحملون زوَّادات الموت والقتل والتخريب وتفخيخ السيارات وزرع العبوات الناسفة.

ويبدو للمراقب والمتابع أن هناك بوادر مشجعة للحل السياسي، رغم أن دهاقنة السياسة من (أمريكيين وفرنسيين وبريطانيين وعثمانيين وصهاينة وخليجيين)، يعملون على مدى الأربع والعشرين ساعة، على دسّ السُّمّ في أية مبادرة، والسهر على تخريبها وإفشالها، والعمل على إسقاط الدولة السورية مهما بلغ الثمن. وفي المقابل هناك الطرف الآخر في هذه المعادلة، المتمثل في أصدقاء سورية وحلفائها الذين يحثون جميع الأطراف على الحوار ويرفضون بشدة التدخل الخارجي، وأن يكون الحل بأيدي السوريين أنفسهم.

وانتهى المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي من جولاته إلى العواصم الإقليمية والأمريكية والأوربية، والتقى أطراف المعارضات جميعها، وعرف ماذا تريد وما هي مطالبها، مع التركيز على وثيقة جنيف (حزيران 2012) باعتبارها إحدى الركائز الرئيسة للحل السياسي. ولقيت المبادرة الإيرانية بنقاطها الست ارتياحاً وقبولاً بشكل عام، من جانب موسكو وبكين وبعض الأطراف الأخرى. وهي لا تخرج في مضمونها وأفكارها وبنودها عن المشروع الروسي- الصيني، وتتضمن: (وقفاً فورياً لأعمال العنف بإشراف الأمم المتحدة – رفع العقوبات المفروضة على سورية لإتاحة توزيع المساعدات الغذائية – بدء الحوار بعد عودة الهدوء، لإنشاء لجنة مصالحة من أجل تشكيل حكومة انتقالية – تنظيم انتخابات حرة للبرلمان والجمعية التأسيسية والرئاسة – الإفراج عن السجناء السياسيين ومحاكمة المتورطين في جرائم أمام محاكم غير منحازة – إنشاء لجنة لتقويم الأضرار الناجمة عن النزاع في البنى التحتية). ونؤكد أن مفتاح الأزمة هو الجلوس على طاولة الحوار دون شروط مسبقة، وأن العنف يؤدي إلى الدمار والخراب والموت.

العدد 1105 - 01/5/2024