فقدُنا.. والشهيد أحمد أخي أحمد.. اذهب عميقاً في دمنا.. وارحل بعيداً في البنفسج!

 

خرج أحمد من مكتب الجريدة يوم الاثنين الماضي، بعد اتصال هاتفي تلقاه من طفلته: (بابا.. جِبلي معك شغلة حلوة).. قطع حديثه معي.. وهبّ مسرعاً وكأن هاتفاً ناداه. قال: (عفواً عاطف)! وغاب خفيفاً كالظل.

أحمد.. كم كنت في غفلة عندما تركتك تذهب دون أن أكمل كلامي! وكيف قبلت اعتذارك بالانصراف؟! كان يجب، بحكم الصداقة والتقدم في السن، أن أقول لك: اجلس يا أحمد حتى أنهي كلامي.. (أنا اللي بحكي كتير)! لماذا سمحت لك بقطع حديثي؟! لو كنت أعرف أن ابنتيك ستنتظران طويلاً طويلاً عودتك إلى بيتك في عدرا العمالية، وفيها قطع الظلام والوحشية، لتحمل لهما (الشغلة الحلوة)، وأن دمك النقي الأبي سينزف عبثاً على بلاط الصالحية، في انفجار قذيفة عمياء، لو كنت أعرف لوقفت في الباب ومنعتك من الخروج، ريثما تنفجر شظايا التخلف والكراهية هباء.

أحمد.. أيها المقدام، الصادق، الوفيّ، الملبيّ، المجيب، الملمّ بمهارات عدة.. كم قصدناك فكنت دائماً مستجيباً! وكم تجادلنا وتحاورنا! اتفقنا واختلفنا، ارتفعت أصواتنا، لكن علاقة العمل والاحترام بيننا لم يُصبها أي اهتزاز.

ما أقسى الحياة يا أحمد! ترى هل نحن بلا وفاء؟! مازالت دماؤنا تجري في عروقنا، كيف لنا أن نقبل بذلك وأنت تغادرنا بسبب نزيف الدم الحاد؟ إباؤك وسخاؤك رفضا أن تنتظر حتى نمدّك ببعض دمائنا. ولماذا لم يتقبّل جسدك الدماء المقدمة إليه؟! كن على ثقة بأننا لن نبخل عليك، أيها السخي معنا، ولعلك تعذر تقصيرنا الاضطراري، فقد خذلتنا جميعاً فرص النجاة وأعيت إصابتك الأطباء.. وهكذا ما زلنا في المكتب ننتظر عودتك، لنكمل حديثنا.. كما أن طفلتك مازالت تنتظر الهدية.

كل العاملين في جريدة (النور) يشعرون كيف سُرق أحمد في غفلة منهم.. خرج راكضاً على قدميه وعاد محمولاً على الأكتاف، جثة مشبعة بخيبة أحلامها.

نعم، من منا لا يذكر أحمد النقي الذي يملأ المكتب حركة وحيوية؟! هل نصدق ما حصل؟ أم هي مزحة سمجة لغياب مجاني علينا تقبّلها والتعامل معها كأمر واقع لا رادّ له، ولا مقدرة على مجابهته؟!

ماذنب الطفلة التي تنتظر والدها، والزوجة التي تعد طفلتيها بعودة قريبة لوالد سيطيل الغياب؟ أما القادمة الجديدة، فكيف ستستقبل العالم عندما ستعرف أن والدها مازال يفتش عن (شغلة حلوة) يحضرها لأختيها؟!

مبارك دمك النازف في جراحنا، وتبّت تلك الأيدي المغفلة الحاقدة التي تبعث الحمم والشظايا، فتقتل الأبرياء، وتيتّم الأطفال، وترمّل النساء، وتجعل من أيامنا وحشة وخراباً.. نهر دمائك ودماء الشهداء سيبني صرح المواطنة ويعيد الأمن والاستقرار، ويبشر ربوع سورية التي أحببتَ بمستقبل واعد.. وستكوّن تضحيتك السخية الممتزجة مع دماء أبناء شعبنا السوري الأبي الذي أرهقه نزيف الدماء علامة على درب خلاصنا!

العدد 1105 - 01/5/2024