هل تحاول الولايات المتحدة إبعاد إيران عن سورية؟

هل تحاول الولايات المتحدة التلاعب بإيران، من خلال تخفيف العقوبات، بغية توكيد أجندة واشنطن لتغيير النظام في سورية؟

قد يبدو الجواب (نعم)، كما توحي الجولة الأخيرة في المنطقة لمبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي.

توحي الرسالة الخاصة التي جلبها الإبراهيمي إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الدبلوماسي الجزائري المحترم يعمل محاوراً لأجندة واشنطن السياسية الشائنة أكثر منه وسيط سلام نزيه.

كان الإبراهيمي مكلفاً رسمياً بتمهيد الطريق لمؤتمر جنيف 2 الهادف إلى العثور على حل سياسي للأزمة في سورية. وحصل مؤتمر جنيف على دفع جديد من واشنطن وموسكو في منتصف أيلول، ولكن لم يتم تثبيت المشاركين الفعليين، وهذا ما كان يفترض أن تفعله جولة الإبراهيمي الأخيرة في المنطقة: تكوين إجماع كي تنطلق المفاوضات.

اللافت أن مبعوث الأمم المتحدة وصل إلى طهران قبل يومين فقط من الذهاب إلى سورية. ووفقاً ل (المونيتور) حاول الإبراهيمي أن (يجنّد مساعدة إيرانية في مؤتمر جنيف 2 بشأن سورية). التقى الإبراهيمي الرئيس روحاني، وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شيخاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.

يقول تقرير (المونيتور) بقلم علي هاشم: (وفقاً لمصادر إيرانية اقترح  بالنيابة عن الولايات المتحدة وبلدان أخرى  أن يكون الرئيس السوري الأسد رئيساً صورياً فقط في حكومة انتقالية مع تحول السلطة كلها إلى أحزاب معارضة).

وأكد الإبراهيمي أيضاً للمسؤولين الإيرانيين أن جنيف 2 (قد يكون الفرصة الوحيدة لإنهاء النزاع الدموي)، ودعا (إيران إلى ممارسة الضغط على النظام السوري لإظهار رغبة حقيقية في تغيير موقفه). وذكر أن المسؤولين الإيرانيين أعلنوا أن الرئيس بشار الأسد يجب أن يكون جزءاً من أي حل سياسي بقيادة سورية.

وجد الإبراهيمي نفسه بعد ذلك في مأزق، عندما نقلت عنه وسائل إعلام فرنسية وعربية عديدة قوله: (الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن يساعد في المرحلة الانتقالية نحو سورية جديدة، دون أن يقودها بنفسه).

عندما وصل المبعوث إلى دمشق زعم أن آراءه عن لعب الأسد دوراً انتقالياً (أسيء اقتباسها). وفي لقاء مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بدا الإبراهيمي وكأنه أذعن لموقف حكومة دمشق بأن أي حوار في جنيف 2 يجب أن يكون بين سوريين وبقيادة سوريين).

قالت الحكومة السورية إنها ترغب المشاركة في المؤتمر المقترح (على أساس أن حق الشعب السوري الحصري في اختيار قيادته ومستقبله السياسي). شجبت دمشق بيان لندن الصادر عن قوى غربية وجماعة مغتربة أجنبية، ما يسمى بالائتلاف الوطني السوري. يدعو ذلك البيان، بنمط استعماري جديد، إلى تنحية الرئيس الأسد، ويستبق في الواقع نتيجة الحوار حتى قبل أن يبدأ.

على أية حال، النقطة المهمة هنا هي أن الإبراهيمي كان يحمل رسالة سياسية معينة سرية إلى إيران، كانت الرسالة لطهران أن تلتزم بخط واشنطن بالنسبة لسورية، ب (ممارسة الضغط) على حليفتها في دمشق كي تستسلم للهدف الغربي بتغيير النظام.

إن عمل الإبراهيمي قناة لواشنطن هو سوء استخدام، يستحق الشجب، لتكليفه الرسمي كوسيط حيادي. لكن محاولة الإبراهيمي إقناع إيران بالخط الأمريكي تلقي ضوءاً جديداً أيضاً على التقارب الدبلوماسي الموازي بين واشنطن وظهران بشأن الخلاف النووي الطويل الأمد.

ليست مجرد مصادفة أنه عندما انخرطت واشنطن وحلفاؤها الغربيون، بريطانيا وفرنسا، متأخرة في خط سياسي بشأن سورية  بعد أن أدركت أن تكتيكها العسكري المستتر قد استنفد ، عندئذ تقبلت هذه القوى نفسها ظاهرياً ذوبان الجليد الدبلوماسي مع إيران.

لنتذكر أن هذا الطريق الدبلوماسي المفاجئ مع إيران بدأ بعد أسبوعين فقط من موافقة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على خطة نظيره الروسي سيرغي لافروف بشأن التخلص من الأسلحة الكيميائية في سورية، وتجديد الضغط من أجل الحوار السياسي جنيف 2. كان ذلك في 14 أيلول، وبعد ذلك، في 28 أيلول أجرى رئيس الولايات المتحدة أوباما اتصاله الهاتفي (التاريخي) برئيس إيران روحاني.

ومنذ ذلك الوقت تحاول واشنطن وحلفاؤها الغربيون ومن يسمون بأصدقاء سورية أن يفرضوا سلفاً نتيجة أية مفاوضات سورية، وخصوصاً ما يتعلق بإزاحة الرئيس الأسد عن السلطة. وهكذا تحاول القوى الغربية كسب هدفها في تغيير النظام في سورية في الحقل السياسي، بعد إدراك أنها لا تستطيع ذلك في ساحة المعركة.

بداية كانت المقدمة الدبلوماسية تجاه إيران التي قدمتها واشنطن ولندن وباريس هي الثناء على (الموقف الجديد) لحل المعضلة النووية. لا شك أن إيران تملك كل الحق في الضغط من أجل حقوقها الدبلوماسية والوطنية بشأن الخلاف النووي، وبشكل خاص أن تضغط لإلغاء العقوبات الاقتصادية غير الشرعية. وصفت المقترحات العملية التي قدمتها إيران في فيينا إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخريطة طريق (جدية وبناءة)، لتهدئة أية مخاوف بأن برنامجها النووي قد يكون لأغراض عسكرية.

إيران بالطبع جديرة بالثقة عندما تقول إن حقوقها النووية المشروعة محصورة بالاستعمالات المدنية. المشكلة هي، مع ذلك، هل ستكون إيران يوماً ما قادرة على تلبية مطالب أعدائها السياسييين؟

غطت تقارير سفيهة حديثة على نحو واسع الإعلام الأمريكي، ومن ضمنه وسائل يفترض أنها جدية مثل (نيويورك تايمز) و(يوإس توداي)، و(سي إن إن)، وزعمت أن أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في إيران تسمح لها ب (بناء قنبلة نووية خلال شهر) إذا شاءت ذلك، وصدرت قصص مروعة سخيفة مماثلة عن سياسيين إسرائيليين وجماعة اللوبي المهيمنة، اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة.

بكلمة أخرى، إن شبح إيران الزائف الذي يمثل تهديداً نووياً قد يثيره دوماً سياسيون وإعلام في الغرب، بغض النظر عن أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة.

يحتاج اقتصاد إيران، ويستحق ذلك تماماً، إلى الرفع الفوري للعقوبات الغربية. المشكلة هي أن القوى الغربية غير راغبة في الاستجابة، وتستطيع براحة تسويغ أعمالها بمزاعم زائفة عن (التهديد الإيراني).

مسؤول كبير في البيت الأبيض أخبر الإعلام أنه لن يكون هناك تقليص للعقوبات على إيران (عند بداية) المفاوضات بشأن الموضوع النووي.

قال بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي لدى الرئيس أوباما: (لا نفكر بأي شيء يزيل تلك العقوبات عند بداية أية مفاوضات أو اتفاقية، لأنه سيكون من المهم اختبار النيات الإيرانية). وأضاف رودس: (قبل أن نتمكن من تخفيف العقوبات علينا أن نرى خطوات محددة من جانب الإيرانيين لندرك وضع برنامجهم النووي). ولكن البيت الأبيض قال إنه يفكر بإلغاء تجميد مبلغ يصل إلى خمسين مليار دولار في ودائع إيرانية كطريقة لتخفيف العقوبات (بالتقسيط).

على خلفية تلك الأصوات المشؤومة تبدو واشنطن وحلفاؤها وكأنهم يقيمون ترتيباً كالمئزمة على إيران، ولن تكون فيه التنازلات النووية كافية أبداً مقابل رفع العقوبات.

إن وضع هذه المئزمة على تخفيف العقوبات في سياق خطط تغيير النظام في سورية، والرسالة الأخيرة إلى إيران عبر قناة مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي كي (تمارس ضغطاً على سورية)، يوحي بوجود احتمال جدي بأن واشنطن تحاول إبعاد إيران عن حليفتها الإقليمية.

 

عن جريدة (ذي غارديان) الأسترالية

العدد 1105 - 01/5/2024