البرد يعرّي التقصير الحكومي وتسلط أصحاب النفوذ

عاش السوريون أواخر الأسبوع الماضي يومين قاسيين جداً، فنعمة الثلج تحولت إلى نقمة حقيقية لدى المواطنين الذين لا يملكون في بيوتهم مواد التدفئة ولوازمها، والتحفوا اللاشيء، وقاموا بتدبير أنفسهم بطرق بدائية بحتة، إذ كانت (البطانيات) عونهم الوحيد لمواجهة عاصفة ثلجية هبطت درجات الحرارة على إثرها إلى مادون الصفر.

وفي السنوات الماضية عندما كان السوريون يتوافدون جموعاً إلى محطات الوقود للحصول على (بيدون) مازوت في مثل هذه الأجواء، كان المشهد يثير العديد من التساؤلات حول التقصير الحكومي المتمثل بعدم توفير المازوت، وغيره من المواد المستخدمة في التدفئة كالغاز، بشكل مسبق، استعداداً لظروف كهذه. ومع ذلك كان الكثيرون يجدون بدائل ممكنة، لتجاوز أزمة أيام قليلة. لكن أزمة المحروقات هذا الشتاء، كان لها لون آخر، وبدت عميقة لدرجة كبيرة، واستعصت على الحل. واكتفت الحكومة عبر الجهات المعنية بتوزيع هذه المادة، باقتراح الحلول المختلفة، والطلب من المواطنين التعاون في هذا المجال، دون أن تحرز تقدماً يذكر، يسهم في توفير كمية من المازوت حاجة كل أسرة في شتاء قارس، لا مجال لمواجهة برده دون مواد التدفئة.

وانتصر الفساد والمحسوبيات في المناطق التي اُعتمد فيها على تسجيل أسماء الراغبين في شراء المازوت وفقاً للبطاقة العائلية  جرمانا في ريف دمشق أنموذجاً  ويمكن القياس بالمسطرة ذاتها على أكثر من منطقة أخرى، إذ استحوذ المسؤولون والمشرفون على توزيع المازوت على الحصة الأكبر، وقاموا بتوزيعها دون الالتزام بالدور المعتمد، وبطرق غير مشروعة في بعض الأحايين، ما خلق مشكلة جديدة، وسوق سوداء موازية، وحالة من الفوضى زادت من قناعة المواطنين الأبرياء أن سيف أصحاب النفوذ مازال مسلطاً على رقابهم.

وحتى لا يبقى الكلام في الهواء، نؤكد أن هذا ما حصل في أحد أحياء جرمانا أيضاً، التي توافدت إليها أسر وعائلات من مختلف المناطق بريف دمشق هرباً من الموت والقتل والقصف، إذ قام أعضاء اللجان الشعبية بالاستحواذ على سيارة محملة بالغاز، كان مقرراً توزيعها على أهالي حي القريات، لكن اللجان الشعبية استحوذت عليها بقوة السلاح، ووزعتها بطريقتها الخاصة، أي على أفرادها، ضاربة عرض الحائط بكل المعايير والمبادىء المعتمدة في عملية التوزيع. مع التأكيد أن معتمدي وموزعي الغاز خلقوا أزمة خانقة جداً، نتيجة اتجارهم اللامشروع بهذه المادة، والسؤال كيف تتوافر (جرة) الغاز بسعر يفوق 2000 ليرة، بينما لايمكن أن تتوافر وفقاً للسعر النظامي؟

إنها التجارة غير المشروعة وسط الأزمة الهائلة، واستغلال حاجة المواطنين في وقت الشدة، والتراخي الحكومي الواضح في زمن يتطلب الأمر أن تزيد قبضة الحكومة، وتنشيط دورها في مجال تلبية احتياجات المواطنين المعيشية. إلا أن ترك المواطن وحده يقارع أزماته المختلفة ، مؤشر إضافي يؤكد أن الذين يعملون ضد المواطن أكثر بكثير ممن يحاولون أن يكونوا عوناً وداعماً وسنداً له، لتبقى حياته كريمة، ورأسه مرفوعاً، ولايمد يده لأحد، ولايشعر بالذل والهوان، ويقي نفسه شر السؤال.

العدد 1107 - 22/5/2024