أجراس.. وحلم.. وأمل

على أرصفة الحنين مشى متعثراً بذكرياته، ارتسم الحزن في عينيه، وطغى الضياع على ملامحه، يمزقه  صراع عنيف بين الأمل واليأس.. بين الواقع والحلم.. بين الحب والحرب، في قلبه حنين إلى عينيها.. إلى صوتها.. إلى كل ما فيها.

نظر إلى السماء تراءى له وجهها الساحر ساطعاً في ليلته المقمرة، تابع المسير وحيداً في حارات الياسمين، كان يبحث عنها في سكون الليل، ويعزف أشواقاً عذبة، ويناديها بصمت أليم.

إنها الثانية عشرة.. بداية عام جديد أعلنته أجراس الكنائس، يوم جديد يبشر بولادة أمل جديد، غادر يأسه ليقف على ناصية الحلم،وراح يتنقل في زواريب المدينة القديمة، يجوب الشوارع المندّاة بقطرات الأمطار الرقيقة، باحثاً عن الفرح الذي هجر موطنه بعيداً كما فعلت أميرته، تسلل منساباً مع ضوء القمر مغادراً تعاسته عله يشهد نوراً ينبثق من ظلمات قدر أعمى.

وصل إلى المقهى مرهقاً بأفكاره، جلس على كرسيه المعتاد وراح يراقب مراسم استقبال العام الجديد، لكن المكان كان خالياً إلا من بضعة مارة، لاصخب ولا ضجيج.. لا ضحكات ولا رقصات، وفي غمرة هذا السكون الغريب خامره الشوق إلى ملامسة يدها، إلى عناق ملتهب يذيب جليد قلبه، إلى رائحة عطر تقتحم أنفاسه، إلى رنين ضحكتها.

دفء المكان يناديها، مازال ينتظرها مذ رحلت في العام الماضي، ليتجرع من شفتيها رشفة حب تحييه من جديد.

أغمض عينيه واستسلم للحلم..ضمها بقوة وبدأ يراقصها على دفقات خافقة. هاهي ذي ابتسامتها تعلن عن عودة الروح، إنهما نجمان يرقصان على إيقاع الحب بعيداً عن الوحدة.. بعيداً عن الغربة والحرائق.. والدماء.. والأشلاء.

استفاق من حلمه على صوت النادل: عامك سعيد! فابتسم برفق وانصرف مغادراً وكل ما فيه يصرخ: أيها القادم الجديد أعلنت الأمل عليك.. إنها قادمة.. والفرح آت مع رحيل الحقد والدمار!

العدد 1105 - 01/5/2024