ثلج.. وخيمة

(تلج تلج عمّ تشتّي الدني تلج) راحت تدندن بشفتيها المرتجفتين من شدة البرد، ضمّت كفيها الصغيرتين بقوة وبدأت تنفخ فيهما لعلها تحظى بشيء من الدفء.كان زمهرير الشتاء يقتحم عروقها الناعمة بلا رحمة، كاد قلبها يتوقف، أحست لوهلة أنها تحولت إلى قطعة جليد تتكسر وسط هذا البرد الشديد، أصوات الأطفال المجاورين تتعالى في فضائها، بعضهم يبكي والبعض الآخر يقفز في أرجاء ذلك المكان الغريب، الذي لم يكن يوماً ملاذاً لأحد، محاولين طرد الصقيع عن أجسادهم النحيلة.كانت تتأرجح على حبال الذاكرة القريبة، تاركة أرض الجليد إلى دفء منزلها الصغير، قبل عامين لم تكن سوى طفلة مدللة تقيم مع والديها بسعادة في بيت صغير، بَنت فيه أحلامها، وعاشت بين جدرانه مغامراتها مع عرائس الدمى، لكن احتراب الإخوة غرّبها بعيداً.. بعيداً، حيث لا بيت.. ولا جدران.. ولا عرائس. ما زالت تذكر تفاصيل ذلك اليوم المقيت، دوي الرصاص..صرخات الهلع.. اللون الأحمر.. اللون الأحمر، حملوا متاعهم، ولملمتْ ذكرياتها، إلى أرض غريبة، في بلاد غريبة، وهاهي ذي تستعيدها.. وتحضنها في خيمة كئيبة تترنح أمام العواصف الثلجية، وتعود بها مخيلتها إلى عام سبق هروبهم، كانت تحتفل بهطول الثلوج، وتتخيل نفسها طائراً ملوناً بألوان قوس قزح، نشوانة.. برداء الأرض الأبيض، وهاهي ذي اليوم تراقب هطول الثلوج بقلب منفطر وطفولة ضائعة، إنها واحدة من آلاف الأطفال المشردين المكومين في خيام مشردة، نظرت بعينيها الصغيرتين إلى قذارة المكان، فاغتال الألم أحلامها الصغيرة، وأجهض اليأس تخيلاتها، وعراها حتى من طفولتها، تتوسل ببراءتها المجروحة مارد الحرب كي يغادر مدينتها، علها تعود يوماً إلى بيتها الدافئ، علها تستعيد جزءا من سعادتها المذبوحة، علها تسمع بعد اليوم أهازيج الأصدقاء، لا عويلهم تحت نيران الحقد الذي يدمي.. ويدمر كل الأشياء الجميلة.

العدد 1105 - 01/5/2024