لماذا تناسى «الربيع العربي» القضية الفلسطينية؟

عندما هب الشباب العربي، مطالباً بالحرية والكرامة والديمقراطية، تبادر إلى ذهن كل عاقل، أن القضية الفلسطينية ستحتل الأولوية في (الثورات العربية) لأنها القضية الرئيسة في الوجدان العربي، ولأنها الأساس النضالي لكل عربي مخلص وشريف.

وعندما تأخر طرح أولوية القضية الفلسطينية برّر حسنو النية ذلك بأنها ستأتي تحصيل حاصل، بعد نيل الديمقراطية والحرية والكرامة.

وعندما تبوأ الإسلاميون الصفوف الأولى لثورات تونس ومصر، ولو بعد تأخير، قيل إنه تكتيك ناتج عن تجربة هذه المجموعات، وبعدها عن التهور، وستكون القضية الفلسطينية من أولويات القضايا التي ستتبناها.

وبعد استغلال هبة الشباب في تونس، ومصر، وتسنّم الإسلاميين وخاصة (الإخوان المسلمون) مقاليد القرار والحل والربط لم نسمع أي شيء عن القضية الفلسطينية. وعندما كُشف المستور، تبين أن هذه القوى ليست بعيدة عن أجندات القوى الإمبريالية والصهيونية العالمية ومخططاتها. يتبين يوماً بعد آخر أن هذه القوى والمجموعات بدأت بالأنظمة المترهلة التي باعت القضية الفلسطينية بأسعار لا تتعدى الكراسي التي تجلس عليها، وقد حصدت رفض الجماهير العربية لسياساتها ومواقفها البعيدة عن الآمال الوطنية والقومية، إضافة إلى الذل والهوان الذي أصابها. وطال الانتظار، وتبين للجماهير العربية أن الأنظمة التي استلمت السلطة، بعد الثورات، أسوأ من أنظمتها المقبورة، وأنها تنفذ صفقة مدروسة، شعارها مُغرٍ لكل شريف في عالمنا العربي في العزة والكرامة والسيادة والاستقلال، التي ستؤدي حكماً إلى تحرير فلسطين المغتصبة سلماً أو حرباً، إلا أن الثوار الداعشيون والنصراويون والجبهويون الإسلاميون لم ينبسوا ببنت شفة؟! لماذا؟ لأنه تبين لهم أن عدوهم ليس إسرائيل، وإنما هم إخوانهم الشيعة وجيرانهم الفرس الأعداء، وأن اليهود أبناء عمهم!

وإن أي مقاومة في العراق أو سورية، أو لبنان، أو إيران. هم أعداؤهم، وكأن القدس ليست أقدس أقداسهم، كما كانوا يدعون، وراحوا يتناسون عمداً أن الأمريكيين والإسرائيليين يشاغلون في سورية ومصر وجهدهم الأساسي في إسرائيل، عبر المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وهذا هو جوهر السياسة الإمبريالية والصهيونية، فهل من يدرك ذلك قبل فوات الأوان؟

ولا يمكن لأي عاقل أن يفصل بين العلاقة في جنيف والقضية الفلسطينية إلا بالتنظير الروماني، وتحويل الواقع إلى تمنيات.

فهل يمكننا أن نفصل قرار تحويل تونس إلى مقر للإخوان المسلمين دون دلالات؟ لماذا كانوا في السودان، ثم ألمانيا، ثم تركيا المأزومة، والآن في تونس، المجاورة لمصر التي رفض شعبها أخونة الدولة المصرية؟ كلها أمور وقضايا وملفات تحتاج إلى الكثير من الصفحات لتوضيحها، ولكن موضوعنا هو القضية الفلسطينية التي يعمل بعض جهابذة (الربيع ا لعربي) على طمسها سواء بقصد أو دون قصد للبعض حسن النية. ولكن في السياسة لا يمكن أن نتجاوز الأحداث والتحليل. فعلى سبيل المثال، لماذا قدم الرئيس المصري حسني مبارك، وهو رئيس لأكبر دولة عربية، ثلث البرلمان المصري للإخوان المسلمين؟ من يصدق أنهم استولوا على هذا العدد دون إرادة النظام المصري؟

هل كانت صفقة؟ ما هو المقابل؟

هل يمكننا التصديق أن الإخوان في مصر نجحوا في الانتخابات واستلموا الرئاسة دون إرادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر؟

كلنا يتذكر اللقاءات مع الطنطاوي، وتعيين سامي عنان مستشاراً للرئيس الإخواني، ثم استقالة الطنطاوي، وتنصيب السيسي وزيراً للدفاع؟ هل كان ذلك مصادفة؟ أم صفقة؟ أم أمراً آخر؟

هذه القضايا وغيرها الكثير يحتاج إلى تحليل وبرهان ودليل. لماذا تتقارب الآن السعودية مع إسرائيل في العلن؟

لماذا الضغط غير المسبوق على سورية؟

أخونة مصر ليست مصادفة، وأخونة تونس ليست مصادفة، والضغط على العراق وسورية ليس مصادفة ، والعامل المشترك والأساس هو القضية الفلسطينية، والعمل على تصفيتها عبر تفاهمات كيري، الذي نجح حتى الآن بمدّ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية حتى نيسان 2014.

ويعمل على تمديدها لمدة عام آخر، حتى نيسان ،2015 ودون مرجعيات دولية، لا الرباعية ولا الأمم المتحدة ولا الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لها حق التدخل أو المراجعة.

وهذه التفاهمات تعتمد الحل النهائي أو ما يسمى (الإطار)، في حدود عام 1967 مع تبادل الأراضي، إضافة إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، والقدس غير مقسمة، وعاصمة الفلسطينيين (في القدس) وليست القدس، وفي جوهرها إعطاء الفلسطينيين بلدة أبو ديس لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية عوضاً عن البلدة القديمة في القدس المحتلة، وما استخدام مصطلح القدس الكبرى إلا لإعطاء انطباع بأن الإعلان عن عاصمة الدولة الفلسطينية في أي جزء منها يغطي على حقيقة أن القدس بقسميها ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية.

إضافة إلى الترتيبات الأمنية بضم ثلاث مستوطنات من أصل خمس، والباقي منها يبقى بجنسية إسرائيلية، وتكون السيادة الأمنية والعسكرية لإسرائيل، وفي غور الأردن قوات أمريكية وأردنية، وهناك من يقول إن الملك الأردني ضالع بهذا المشروع بتحويل الأردن بلداً بديلاً للفلسطينيين. وهناك من يقول إنه يقاوم، ولكن ليس له من سبيل، مادام العرب وخصوصاً السعودية والخليج ضالعين بهذا المخطط؟

أما ما بقي من القضية الفلسطينية فهو حقوق اللاجئين في العودة. وما يجري في سورية حول المخيمات، وما تتناقله الأخبار عن تعويضات مادية للاجئين، يشير إلى أن التوجه جار لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، في ظل (الربيع العربي).

كل ذلك على عينك يا تاجر! و(ثوار) (الربيع العربي) في واد آخر وكأن القضية لا تعنيهم، فهل تعني داعش والنصر والإخوان المسلمين، دعاة الأمة الإسلامية؟!

العدد 1105 - 01/5/2024