مراجعة السياسات إقليمياً ودولياً.. ولغة الحل السياسي

برزت متغيرات جديدة في المنطقة وعلى المستوى الدولي، لها دلالاتها وتأثيرها المباشر على مسارات الأزمة السورية، التي تستقطب اهتمام المؤتمرات الإقليمية واللقاءات القارية والدولية. فقد تغيرت لهجة زعماء قمة منظمة التعاون الإسلامي التي انعقدت في القاهرة، واختيرت مصر لرئاستها، واختير السعودي د.إياد مدني لأمانتها العامة. إذ ركز بيانها الختامي على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ووقف العنف، وإنهاء معاناة الشعب السوري.. وتراجعت لغة التهويل والتهديد والاشتراطات التعجيزية.

وأبدت مصر القريبة من دول الخليج، وإيران القريبة من العراق، وتركيا، الاستعداد لتحرك إقليمي عبر مبادرة رباعية إقليمية تسعى لتحفيز أطراف الأزمة للدخول في حوار يفضي إلى حل سياسي.. وهذا التغير يتلاقى مع حراك دولي بدأ ينتقل تدريجياً من الخطاب التعبوي المساند للمعارضات السورية المسلحة إلى خطاب أكثر واقعية، يحذر من موجات العنف وتمددها، ويدعو إلى حوار جاد بين النظام وأطياف المعارضة.

وجاء تسلم جون كيري وزارة الخارجية الأمريكية، وإعلانه أن البيت الأبيض يجري مراجعة لسياساته تجاه الأزمة السورية، ويرفض تسليح المعارضة، إشارة واضحة إلى تغير في خطاب الإدارة الأمريكية، وانتقال من لغة الاستقواء والتعبئة وتشديد العقوبات على النظام السوري وزيادة معاناة الشعب السوري، والاعتراف بشرعية المعارضة المسلحة، إلى لغة الدبلوماسية القائمة على الانفتاح على أطراف الأزمة، وعلى الدول ذات التأثير الإيجابي الذي يساعد على في الدخول في ورشة الحل السياسي.

وهذا التغير في سياسات واشنطن لم يكن وليد إحساس بمعاناة الشعب السوري أو شعوب المنطقة، ولكنه نتيجة لما أنتجته سياسات العامين السابقين من نكسات وإساءة لسمعة الإدارة الأمريكية، وفوضى عارمة في مناطق تورطت فيها واشنطن بحروب لم تجلب سوى الكوارث، وأحداث ليبيا وقبلها العراق وأفغانستان شواهد تفقأ العين.

وبرزت خلافات وتباينات في المواقف داخل (الائتلاف الوطني السوري) المعارض تجاه مسألتين: مسألة الحوار مع الحكومة السورية التي أعلنها رئيسه معاذ الخطيب مؤخراً، ومسألة مواقف الأطراف الداعمة للمعارضة من مسألة التسليح وإبداء التردد بشأنها.

وتوازى هذا الارتباك في اصطفافات المعارضة وداعميها ومسانديها الكثر خلال العامين المنصرمين مع حراك نشيط إقليمي ودولي ساهمت فيه الدبلوماسية العراقية والإيرانية من جهة، والدبلوماسية الروسية والصينية من جهة ثانية، بغرض بلورة رؤية للحل السياسي وآليات التقدم نحوه، والتحقق من مواقف الأطراف جميعها، وإظهار الاستعداد للاتصال بها دون إملاء أو انحياز أو تردد، ومحاولة تثبيت مضمون وثيقة جنيف، والتحرك على أساسها، وعزل أي عائق يظهر الخروج عليها من أي طرف.

ونعتقد أن لغة مختلفة طرحت للتداول في الخطاب المعني بحل الأزمة السورية بديلة لخطاب الشحن والتعبئة والتجريم المسبق وتزيين جرائم الإرهابيين، والتستر على تمرير صفقات الأسلحة، وتتاح هنا فرصة الدبلوماسية كي تحضر في المشهد، وللغة العقل أن تنحي هياج الغرائز، وتبعد بواعث العنف المعطل لأي حوار وأي حل. ونرى أن الدبلوماسية السورية تملك خبرات وقدرات وديناميات تمكنها من التحرك والتعامل بجدية مع المتغيرات المستجدة، وهي قادرة على أن تتجاوز التموج الذي شاب أداءها خلال تعقيدات الأزمة، وأن تجري تقييماً لأدائها، وأن تضع إجراءات وخططاً لملاقاة التغيرات والاستحقاقات التي تبرز في الأسابيع المقبلة، وأن تكون في قلب ورشات الحوار: اتصالاً وتحضيراً ومواكبة وتحفيزاً وتمكيناً من إيصال المتحاورين إلى مؤتمر وطني جامع يلبي طموحات السوريين في سائر مواقعهم دون إقصاء إو إملاء أو استحضار لآليات قديمة منفرة فات أوانها.

والقوى السياسية والنقابات وقوى المجتمع المدني مدعوة لتكثيف حواراتها الداخلية والبينية والجماعية، وردم الفجوة بين السلطة والمجتمع من جهة، وبين السلطة والمعارضات التي أبدت استعدادها للحوار ولعملية الحل السياسي، وهذه الجهود تفضي إلى تسريع خطوات الانفراج وتلبية طموحات الشعب السوري.

العدد 1105 - 01/5/2024