القمة الأمريكية الفلسطينية والمواقف المطلوبة فلسطينياً

أسابيع قليلة جداً تفصلنا عن 30 نيسان، الموعد الذي حدده وزير الخارجية الأمريكي، بتسعة شهور من المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية حول قضايا الحل النهائية، والذي على أساسه عاد طرف من القيادة الفلسطينية الرسمية آنذاك إلى طاولة المفاوضات المتوقفة (رسمياً) منذ أكثر من ثلاث سنوات. ومع انقضاء نحو ثمانية شهور من الفترة الزمنية المحددة أمريكياً، لم تحقق هذه المفاوضات أي تقدم يذكر بشأن قضايا الوضع النهائي، ولم تضع حتى تصوراً ملزماً حولها.

إن كل ما أنتجته الشهور الماضية، هو تباين وتعارض فلسطيني – فلسطيني، حول العودة إلى هذه المفاوضات، دون وقف كامل للاستيطان، ووضع جدول زمني ملزم لقضايا الحل النهائي من جهة، وتأجيل فلسطيني استجابة للرغبة، أو (الشرط) الأمريكي، بعدم التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى لنيل عضوية دولة فلسطين فيها خلال فترة التسعة شهور التفاوضية من جهة ثانية.

ونقصد بالمؤسسات والهيئات التابعة للأمم المتحدة، التي اعترفت بدولة فلسطين عضواً مراقباً فيها في دورتها السنوية في 26/11/2012: (محكمة الجنايات الدولية، محكمة العدل الدولية، اتفاقيات جنيف الأربع، مجلس حقوق الإنسان.. إلخ)، التي يحق لها قانونياً ودستورياً محاسبة إسرائيل على سياستها الاحتلالية، وعلى خرقها لقرارات الأمم المتحدة، وفي الصدارة منها تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،1967 واستمرار نشاط غول الاستيطان (وبضمنه توسيع المستوطنات القائمة، وبناء مستوطنات أخرى جديدة، وتالياً فرض وقائع على الأرض)، وهي بمجموعها قضايا يحق لهذه الهيئات والمؤسسات أن تبحث فيها، وأن تعاقب الطرف الذي ينتهك هذه القوانين الدولية، تحت عنوان التغيير الديمغرافي لأراض محتلة (خلافاً لاتفاقيات جنيف).

وإذا لم تكن الشهور الثمانية الماضية قد أعطت ثماراً (إيجابية) أولية، حول الوعود الأمريكية التي حملها وزير الخارجية كيري لبدء مفاوضات التسعة شهور، فإنها على العكس تماماً طرحت صيغاً التفافية خطيرة، أبرزها تمديد الفترة التفاوضية عاماً آخراً (أولياً ويمكن تكراره)، ترافق مع قرارات حكومية إسرائيلية شبه أسبوعية حول بناء مستوطنات جديدة، وتوسيع القائم منها، وخاصة في منطقة القدس، خلافاً للقرارات والمواثيق الدولية، وللموقف الفلسطيني الجماعي لخطة تجميد المفاوضات قبل أكثر من ثلاث سنوات.. في الوقت الذي مثلت فيه الشهور الثمانية الماضية ربحاً إسرائيلياً صافياً، باستخدامها هذه المفاوضات غطاء لمخططاتها الاستيطانية التوسعية المتزامنة مع رفض إسرائيلي رسمي للبحث في قضايا الحل النهائي (القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، الحدود، الأمن، المياه، اللاجئين)، كذلك تحييد دور اللجنة الرباعية الدولية (روسيا، الولايات المتحدة، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوربي)، والاستعاضة عنها بالمرجعية الأمريكية المنحازة أصلاً للمواقف الإسرائيلية، أو العاملة على تشذيبها وتجميلها لا أكثر ولا أقل.

وأثمرت زيارات كيري المكوكية إلى المنطقة عن بلورة موقف أمريكي علني ورسمي جوهره (اتفاق الإطار) الذي دعا كيري إلى تبنيه، بوصفه (مدخلاً) للحل التفاوضي للقضايا النهائية، دون تحديد جدول زمني ملزم لهذا (الاتفاق الإطار)، على علاته ومخاطره الوطنية، وهو الذي سيشكل مرجعية جديدة لحل الصراع، بديلاً عن مرجعية قرارات الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية المكلفة بمتابعة هذا الملف.

وإذا كان يسجل للطرف الفلسطيني الذي وافق على استئناف المفاوضات وفق وعود كيري وتعهداته (غير الملزمة عملياً)، ما شهدته أسابيع التفاوض هذه من استقالة للفريق المفاوض برئاسة د. صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، ثم إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رفضه لأية حلول تفاوضية لا تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود عام ،1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وليس في القدس، وحل مشكلة اللاجئين استناداً إلى القرار الأممي رقم،194 فإن هذه المواقف التي لا يمكن لأي مسؤول فلسطيني التنازل عنها، باتت تحتاج إلى مراجعة تقييمية ونقدية من الجانب الفلسطيني بكل أطيافه (فصائل منظمة التحرير الفلسطينية)، وفصائل العمل الوطني الفلسطيني الملتزمة بالبرنامج الوطني الفلسطيني أيضاً.. وفي مقدمة هذه المراجعة والتقييم العودة إلى الموقف الفلسطيني الموحد، الذي من شأنه أن يقوي الطرف الفلسطيني أساساً في لقاءاته مع الأمريكيين وغيرهم من الأطراف الأساسية الدولية المعنية بحل معضلة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إضافة إلى (المجتمع الدولي) ومؤسسات الأمم المتحدة أولاً.

فمن شأن هذه المراجعة وهذا التوحد الفلسطيني أن يوقف أولاً (الامتناع) المؤقت غير المبرر، عن التوجه إلى المؤسسات الدولية لنيل عضويتها أولاً، مما يعطي الفلسطينيين حقاً مشروعاً دولياً بمقاضاة إسرائيل وملاحقتها قضائياً وقانونياً على جرائمها أمام العدالة الدولية.. كما من شأن هذا التوحد الفلسطيني أن يؤسس لاعتماد استراتيجية نضالية عنوانها المقاومة الشعبية بكل أشكالها التي يضمنها القانون الدولي، وأن تترافق مع نشاط سياسي دولي مفترض ومكمل، يعمل على تغيير موازين القوى، وبضمنها التفاوضية، من خلال اعتماد المرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة أساساً لها.

لقد أثبتت اللقاءات الأخيرة، وبضمنها لقاء عباس – كيري، إصرار الجانب الأمريكي على ضرورة تبني مشروع (اتفاق الإطار) وتجاهله للقوانين والقرارات الدولية، والتلويح في الوقت نفسه بأنه الورقة الأمريكية الأخيرة، في ضغط جديد على الطرف الفلسطيني أساساً وليس الإسرائيلي.

وإذا كان عباس قد رفض هذا المشروع، فإن التحضير للقمة الأمريكية – الفلسطينية القادمة في واشنطن (التي تعقب زيارة نتنياهو 3 آذار إلى واشنطن)، ستشهد طرحاً أمريكياً مجدداً لرؤية واشنطن لخطوات الحل المقترحة أمريكياً، وليس دولياً، مرة أخرى، فإن استباقها باتفاق فلسطيني موحد، حول الموقف من هذه المفاوضات العبثية من شأنه أن يعزز الموقف الفلسطيني ويقويه في هذه القمة على أهميتها، كما من شأنه أيضاً أن يساهم في تنشيط المواقف الدولية الأخرى الحريصة على، والساعية إلى حل معضلة الصراع القائم المزمن في المنطقة استناداً إلى القرارات الدولية ذات الصلة.

وبانتظار القمة الأمريكية – الفلسطينية التي تشير كل المعطيات إلى أنها لن تقدم أي جديد جوهري، باستثناء الوعود الجديدة، وتجميل خطة كيري، والتمديد الزمني للمفاوضات غير المجدية، تطرح مجدداً ضرورة التمسك الفلسطيني بالثوابت الوطنية، وبالاتفاقيات الدولية، والاستفادة من المتغيرات الدولية الحاصلة، وبضمنها الإجماع على أن المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، هي المرجعية الأولى والأساسية في حل الصراعات في منطقتنا والعالم، وعلى الفلسطينيين بوصفهم عضواً  فيها معترفاً به، الاستفادة من قراراتها ومواثيقها ومؤسساتها، استكمالاً لحقوق عضوية دولة فلسطين في هذه المرجعية أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024