أهلا بكٍ في مركز الإيواء!

ها قد أتت ساعة الخلاص في آخر الليل، أشرقت عيونها ولامست نظراتها ضوء القمر الساطع، إنّها آية..

ولدت بصورة أثارت جمود الواقفين من حول والدتها الممددة على الأرض، على أمل سماع صوت ابنتها الموعودة بها، والتي تنتظر رؤيتها بكل لهفة وحنان، انهمرت قطرات المطر بغزارة لتشعل جسدها البارد لتصبح دافئة دفء الشمس في النهار، حين ضمت ابنتها الموعودة بعد تسعة أشهر من الانتظار والترقب.

هذه الطفلة التي خرجت من ظلام باطن أمها إلى ظلام الليل الداكن وظلام الحياة القاسية التي خيمت على منزل والديها فأودت بهما إلى مركز للإيواء.. ولدت في ظرف صعب، فقد تمت ولادتها على باب مركز الإيواء من الداخل، بعد أن انهارت قوى أمها فسقطت على الأرض مستنجدة وهي في طريقها للذهاب إلى المشفى، فما من مساعد لآية لتخرج إلى الدنيا، فالنساء الجامدات من حول والدتها واقفات لا يحركن ساكناً إلا امرأة قد طوّعت نفسها للمساعدة، إذ تملك من قوة القلب والحكمة ما يؤهلها لخوض هذه المعركة لإنقاذ آية وأمها أيضاً.

فأسكتت خوف الحاضرين لتجعل ابتسامتهم تقترن بضحكة الأم، فملأت وجوههم الخائفة بروح الطمأنينة وأخرجتهم من حالة الذهول والارتباك إلى حالة الوعي والسرور، عند سماع صراخ آية وهي تعانق بيديها عبق الشتاء وبرودة المطر متمسكة بالدنيا بما فيها من السعادة والكثير من القسوة والمصاعب..

 كانت بضع دقائق قد فصلت بين صراخ الأم وصراخ آية، ضربنا فيها الأخماس مع الأسداس، لكن مع الكثير من جهد المرأة القويّة المساعدة للأم وإرادة الطفلة للخروج إلى الحياة، تمت الولادة تحت أعيننا المترقبة وقلوبنا المرتجفة، ونحن نبحث عن كلمات نشكر بها تلك المرأة الشجاعة التي ولّدت الأم، لكن ليس بوسع أحد  شكرها لا بالكلمات أو العبارات أكثر من الابتسامة التي ظهرت على وجه تلك الطفلة بعد كل المعاناة للخروج، فأشبعت تلك المرأة شكراً وأشعرتها بالفرح وكأنها قد تقاضت مبلغاً كبيراً من المال لقاء هذا الفعل الجميل، لتبقى آية الذكرى المخلدة في مركز الإيواء.. ولم يكن بوسعي القول حينذاك سوى ما قاله الجميع:  (آية أهلاً بك في مركز الإيواء)!

العدد 1105 - 01/5/2024