نمر في مؤتمر الحزب الشيوعي الروسي: لا حل لمشاكل البشرية إلا بالاشتراكية

ألقى الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري (الموحد)، كلمة  في المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية، الذي انعقد في موسكو بتاريخ  23-25/2/،2013 هذا نصها:

 

أيها الرفاق الأعزاء!

أحييكم وأحيي شعوبكم التي تمثلونها، وعلى الأخص الشعب الروسي العظيم، الذي لا ننسى المساعدات التي قدمها لنا ولا يزال منذ نصف قرن… فهو الذي بنى لنا السدود، ومحطات توليد الكهرباء، وخطوط السكك الحديدية.. وتخرّج في جامعاته ألوف الأطباء والمهندسين والفنيين الذين يحتلون الآن مراكز محترمة في الدولة السورية.

إن سورية اليوم تتعرض لعدوان إمبريالي رجعي مباشر وغير مباشر، تشترك فيه كل من الولايات المتحدة وبعض بلدان أوربا وتركيا والسعودية وقطر، وقد سقط ضحية هذا العدوان نحو 50 ألف إنسان، ودمرت معامل سورية، وفُككت معامل عدة وأُخذت إلى تركيا، وحطمت محطات توليد الكهرباء، وآبار النفط وخطوط نقله، وسُرقت صوامع الحبوب، وتوقف 75% من مصانع الأدوية.. ويجري تدمير الآثار التاريخية تدميراً منهجياً.

إن هذا الحلف الإمبريالي الرجعي استغل أخطاء ونقاط ضعف النظام السياسي السوري، ودفع بمجموعات إرهابية مسلحة للقيام بكل هذه الجرائم، وهي تحمل فكراً ظلامياً وأيديولوجيا متخلفة تعود إلى أكثر من 1000 عام، إلا أن شعبنا يرفض الانجرار وراء هذه المجموعات، وقد بقي صامداً بوجه هذه الحرب، ويسانده في ذلك حلفاء مخلصون مثل روسيا والصين وفنزويلا وإيران والمقاومة.. ونستغل هذه المناسبة لنوجه التحية إلى مواقف هذه القوى.

إن هذه المعركة تحولت إلى معركة إنهاء الاستفراد بالسيطرة على العالم ونظام القطب الواحد، وإقامة عالم جديد متعدد الأقطاب.

إن سورية تسير الآن باتجاهين متلازمين، أولاً التصدي للإرهاب، ثانياً السير في طريق الحل السياسي ووقف العنف والعنف المضاد، ولإقامة حوار وطني واسع يجمع جميع القوى الوطنية والديمقراطية. ورغم أن الإرهابيين يرفضون إلقاء السلاح، لكن قسماً مهمّاً من القوى الدولية التي تدعمهم أصبح لها مصلحة في الحل السياسي، لأن خطر هذه المجموعات قد بدأ يمتد إلى دول الجوار العربي، وحتى إلى بلدان أوربية.

لقد تعلمنا الكثير من هذه التجربة المأسوية التي لم تنته فصولها بعد، أولها الحذر الشديد من إخضاع الاقتصاد الوطني للنفوذ الإمبريالي باسم (اقتصاد السوق) ووصفات المصرف الدولي، وثانياً ضرورة إعطاء الحريات الديمقراطية على نطاق واسع للقوى العلمانية والديمقراطية والتقدمية لنشر الفكر التنويري الذي يستطيع أن يوقف زحف الفكر الديني المتخلف.

إننا نخوض حرباً ضد المرتزقة الذين بلغ أعدادهم عشرات الألوف، قادمين من أكثر من 29 دولة عبر معسكرات التدريب المقامة على الحدود التركية السورية، لذلك فإن معركتنا أصبحت معركة عالمية، ونناشدكم إبداء المزيد من التضامن الأممي مع شعبنا.

 

أيها الرفاق!

طوال السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، وحزبنا يسعى جاهداً من أجل تطوير فهمه للماركسية اللينينية بشكل متجدد.

كتب كارل ماركس في صحيفة ألمانية عام 1844 مايلي: (يجب علينا أن نتجنب تقديم أنفسنا إلى العالم بصورة دوغمائية، علينا أن نطور العالم وفق مبادئ جديدة انطلاقاً من مبادئه القديمة).

وهكذا فإن الماركسية تعلمنا كيف نقدم للبشرية بأسرها النموذج الاشتراكي الصالح للتطبيق، حسب الظروف والمعطيات في كل بلد على حدة، وفي كل ظرف على حدة أيضاً.

إننا نستلهم من التجربة السوفييتية النجاح العظيم في إقامة أول دولة اشتراكية في التاريخ التي غيرت وجه العالم.

لقد قاد لينين الحزب البلشفي الذي التفت حوله البروليتاريا والأحرار الزراعيون، واستلم السلطة بطريق الانتفاضة المسلحة التي كانت ظروفها ملائمة جداً، والتي كانت الخيار الوحيد أمامه.. ولكن لينين كان مدركاً تماماً لما احتوته ثورة أكتوبر من صفات روسية محضة، وعارض تعميم هذه الصفات الروسية على جميع الثورات.

كتب لينين في كتابه (الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي): (سيكون من الخطأ أن نؤكد سلفاً أن ثورات الغد البروليتارية سوف تقيد حقوق البورجوازية الانتخابية).. فالقوانين العامة للتطور تتغيّر بتبدل الظروف التاريخية، كما أن الحقيقة تكتسب مضموناً جديداً مع تبدل هذه الظروف.

إننا نأخذ بالحسبان أن النموذج الاشتراكي المطلوب يتناقض مع الجمود، ويسير مع التطور العلمي والتقني الهائل الذي شهدته البشرية من حيث تكنولوجيا المعلومات والبرمجة والاتصالات والدور الذي تلعبه في ابتكار وسائل جديدة وقاعدة جديدة للعلاقات بين البشر.. وفي الوقت نفسه نقف ضد محاولات الإمبريالية العالمية لتحويل هذه العولمة العلمية إلى عولمة للحروب والفقر وتصدير أزمات الرأسمالية إلى العالم.

إن النموذج الاشتراكي الذي تناضل من أجله الأحزاب الشيوعية والتقدمية في البلدان النامية، يجب أن يستند إلى التركيب الطبقي لمجتمعاتها، والذي يؤدي إلى الاستنتاج أن الطريق إلى الاشتراكية يمر عبر تحالفات شعبية واسعة مؤلفة من عمال وفلاحين فقراء ومتوسطين ومثقفين وحرفيين. وبشكل عام جميع الفئات المتضررة من الهيمنة البورجوازية وبقايا الإقطاع في الداخل، ومن التسلط الإمبريالي العالمي.

ويلعب دوراً هنا تمازج النضال الوطني من أجل الاستقلال مع النضال لتحويل المجتمع باتجاه يخدم الاشتراكية، فالنضال ضد الهيمنة الإمبريالية الذي يتخذ طابعاً وطنياً، هو في آخر الأمر نضال يخدم التوجه نحو الاشتراكية.. فالنضال الوطني ضد الكولونيالية والإمبريالية هو الوجه الآخر للنضال في سبيل التقدم الاجتماعي.

لقد تعلمنا من تجارب الدول الوطنية المستقلة حديثاً أن الديمقراطية السياسية حتى في ظل السيطرة الرأسمالية هي أداة بيد الطبقات والفئات الثورية في المجتمع، وأن حرمان المجتمع من الحقوق الديمقراطية ينشأ عنه تفشي الاستبداد والفساد، ويؤدي خدمة كبيرة للطبقات والفئات الرجعية في المجتمع.

إننا ندعو إلى أن نولي اهتماماً كبيراً في اجتماعاتنا العالمية للنواحي النظرية، لكي يترسخ في أذهان الأجيال الشابة أن لا حل لمشاكل البشرية إلا بالاشتراكية وفق روح العصر.

العدد 1105 - 01/5/2024