أهداف سياسية لزيارة بابا الفاتيكان إلى المنطقة

تابع العالم باهتمام زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، إلى عدد من دول المنطقة (الأردن، فلسطين، إسرائيل)، واللقاءات السياسية التي عقدها، والدعوات التي وجهها لقادة دولها.. كذلك التصريحات التي أطلقها في محطات جولته المختلفة.. وتعد بمجموعها مواقف متقدمة للفاتيكان في مرحلة المتغيرات التي تشهدها منطقتنا، وكيفية تعاطيه مع إشكالياتها المتعددة.

هي الزيارة الأولى للحبر الأعظم فرنسيس منذ توليه منصبه، وتأتي بعد أحداث أليمة ألمّت بالطوائف المسيحية، في عدد من دول المنطقة العربية، وكان لها تبعاتها على النسيج الديمغرافي العرقي والإثني في هذه البلدان، التي لم تشهدها سابقاً. وكانت حاضرة الفاتيكان قد أعلنت إثر حوادث مفجعة شهدتها بعض المناطق بحق المسيحيين، عن إدانتها لهذه الأعمال التي لا تنسجم مع روح الإخاء والمحبة والسلام التي تطرحها الأديان السماوية، ومنها الاعتداءات الهمجية التي عانتها العديد من بلدات ومدن تاريخية في سورية (معلولا وغيرها). وفي هذا السياق جدد البابا دعوته إلى إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية، ورفض العنف، واحترام الحريات الدينية.. وأكد أن (مسيحيي الشرق الأوسط يشعرون بأنهم مواطنون يتمتعون بمواطنة كاملة، ويريدون المساهمة في بناء المجتمع مع مواطنيهم المسلمين من خلال إسهامهم الخاص والمميز).. وكرر إعلانه هذا خلال لقائه عدداً من المعوقين والمهجرين من سورية والعراق في موقع المغطس الأردني المقدس، مؤكداً أن حل الأزمة في سورية لا يتم إلا عن طريق الحوار والحل السياسي، داعياً الجميع للعودة إلى المفاوضات.

وبعيد لقائه الملك الأردني عبدالله الثاني في عمان، محطته الأولى، توجه إلى الضفة الغربية محطته الثانية، التي شهدت استعدادات مميزة لاستقباله، في المدن الفلسطينية المحتلة، وبخاصة الأماكن المقدسة في مدينة بيت لحم وغيرها، حيث التقى ممثلي الطوائف المسيحية والإسلامية، وأعاد تأكيد الروابط التي تجمع سائر الأديان فيها.

وكان قد سبق زيارة الحبر الأعظم، إعلان سكرتير حاضرة الفاتيكان عن الأهداف السياسية للزيارة، مؤكداً موقف الفاتيكان التقليدي، الداعي إلى إنهاء الحروب في المنطقة والوصول إلى حلول سياسية لإشكالية الصراع العربي – الإسرائيلي.

وأكد البابا خلال لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضرورة تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة على أرضه المحتلة، وإنهاء عذابات الفلسطينيين المشردين من كل الطوائف، والوصول إلى حل لإشكالياتها، يضمن حقوق شعوبها في الحياة الآمنة والمستقرة.

وتكتسب زيارة الحبر الأعظم هذه أهميتها، بعد إعلان الجانب الفلسطيني وقف استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، إثر فشل جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وخطته ذات التسعة شهور لاستئناف المفاوضات (تموز 2013- نيسان 2014)، التي يفترض بها أن توصل إلى اتفاق حول الحلول النهائية على المسار التفاوضي الفلسطيني، والتي أعقبها تصريحات متعددة لمسؤولين في الخارجية الأمريكية، وإن كانت خجولة، حمّلت إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات، وبخاصة في مسائل الاستيطان والحدود النهائية.. فضلاً عن الموقف الفلسطيني بوقف استئناف المفاوضات، ما لم تلتزم إسرائيل بوقف الأنشطة الاستيطانية وتجميدها، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، التي تشكل أساس العملية التفاوضية، وبضمنها القرار الدولي رقم 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين.. وهذا ما أكده الرئيس عباس في حضرة البابا فرنسيس، معلناً أن الفلسطينيين شعب يريد السلام العادل، الذي يضمن إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، التي أقرتها الأمم المتحدة بوصفها أساساً لأية تسوية، مشدداً على مخاطر السياسة الإسرائيلية التي ترفض عملياً هذه القرارات، وعلى أنها المسؤولة عن الحالة التي شهدتها وماتزال المنطقة، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، ومؤكداً أهمية دور الفاتيكان في الوصول إلى حل عادل للمسألة الفلسطينية وللصراع العربي- الإسرائيلي.

أما محطته الثالثة في إسرائيل، فلم يسمع الحبر الأعظم أي جديد فيها، حول عملية السلام، ومسوغات مختلفة لتوقف عملية المفاوضات، وكل ما أعلنه المسؤولون الإسرائيليون يمثل امتداداً لسياسات حكومات تل أبيب المتعاقبة وجوهرها مواصلة الاستيطان، وإيجاد حقائق على الأرض، والتهرب من استحقاقات السلام العادل والمتوازن.. والجديد في جولة الباب هذه تأكيده في محطاتها الثلاث الحل السياسي، ورفضه العنف وتبعاته، كذلك احترام القرارات الدولية وتنفيذها، وبخاصة قضية الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي عام 1967.

ينظر إلى الفاتيكان باهتمام، لما يمثله من مرجعية دينية عالمية، ومايملكه أيضاً من نفوذ على الصعيد الدولي، ومن شبكة علاقات واسعة، كذلك لموقفه التقليدي من المسألة الفلسطينية، وقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن أسس الحل العادل الذي يضمن حقوق شعوبها، وهذا ما يفسر طبيعة العلاقات غير الودية بين الفاتيكان وإسرائيل.

بقي أن نشير إلى أن الأماكن المقدسة الفلسطينية قد شهدت حشوداً غير مسبوقة في استقبال الحبر الأعظم، وبضمنها المئات من الطوائف المسيحية، قدموا من قطاع غزة، تأكيداً من هذه الحشود لأهمية دور الفاتيكان ومكانته.. ودلت هذه الحشود أيضاً على النسيج الديمغرافي الفلسطيني العرقي والإثني المتنوع، كذلك أكدت تتعرض لها المقدسات الفلسطينية على تعددها، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.

العدد 1105 - 01/5/2024