أوباما وسياسة الردع المُحدثة تجاه روسيا

إن أي متتبع للسياسة الأمريكية تجاه روسيا في الأزمة الأوكرانية، يجد تشابهاً كبيراً مع ما كان يسمى (سياسة الردع) التي اتبعتها واشنطن تجاه الاتحاد السوفييتي السابق.

بداية تجدر الإشارة إلى أن سياسة الردع من حيث جوهرها وأهدافها، عُرضت لأول مرة في عام 1947 أي في بداية الحرب البادرة عملياً، وقامت على أساس التصدي لما أسموه آنذاك (موسكو الشيوعية)، والنظر إلى الاتحاد السوفييتي بوصفه خصماً على الساحة الدولية، وقد انعكست هذه السياسة في (مذهب ترومان) لعام 1947 ثم في تشكيل (حلف شمال الأطلسي) في عام ،1949 كما تضمنت استخدام الحصار الاقتصادي ضد الاتحاد السوفييتي، وإقامة شبكة من القواعد العسكرية حوله.. وهذا يشبه إلى حد كبير ما تقوم به واشنطن اليوم ضد روسيا الاتحادية، إذ تتوالى العقوبات الاقتصادية على شكل موجات وجرعات معينة، ويتوسع الوجود العسكري الأمريكي والأطلسي حولها.

عقوبات اقتصادية

وعلى سبيل المثال، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في 28 نيسان الماضي عن فرض مزيد من العقوبات على روسيا، بهدف إرغامها على التراجع عن سياساتها تجاه أوكرانيا، وقد شملت العقوبات الأمريكية الجديدة سبعة شخصيات مقربة من الرئيس بوتين، و71 شركة روسية.. من هذه الشخصيات ناْئب رئيس الوزراء الروسي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي (الدوما)، ورئيس شركة (روس تكنولوجيا)، ورئيس شركة (روسنفط)، هذا إلى جانب فرض قيود على تصدير المنتجات التكنولوجية المتقدمة من درجة الاستخدام إلى روسيا. وشملت العقوبات الأوربية رئيس أركان الجيش الروسي، ومدير جهاز المخابرات العسكرية الروسية.

وترى دوائر روسية أن واشنطن جادة في سياسة العقوبات ضد روسيا أكثر من دول الاتحاد الأوربي، حتى أنها تعمل باتجاه إرغام الأوربيين على الخروج من سوق المنتجات التكنولوجية الروسية، والتخلي عن استيراد الغاز الروسي، ولكن هذا غير منطقي وغير ممكن، لأن ست دول أوربية على الأقل تعتمد اعتماداً تاماً على استيراد الغاز الروسي، بينما ترتبط بقية دول الاتحاد الأوربي بنسبة لا تقل عن 50% باستيراد الغاز الروسي.

حشود عسكرية

بالتوازي مع هذه العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوربية ضد روسيا، تزداد الحشود العسكرية حول أوكرانيا.. فقد حركت رومانيا قطعاً عسكرية نحو حدودها الشرقية باتجاه مدينة (كونستانتسا) على البحر الأسود، لإجراء مناورات مشتركة مع الولايات المتحدة.. وكانت كل من لاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وأستونيا قد طلبت من واشنطن وحلف الناتو تعزيز وجودهما العسكري على أراضيها، على خلفية الأزمة الأوكرانية.. كما أن طائرات استطلاع حلف الناتو المتمركزة في ألمانيا بدأت تحليقات يومية فوق جنوب رومانيا، للتجسس على جنوب أوكرانيا ومولدافيا والقرم.. كما طلبت رومانيا من واشنطن نشر سرب مقاتلات أمريكية على الأراضي الرومانية حتى عام 2017. وكشفت صحيفة (إزفيستيا) الروسية أن منظمة (فري زون) الجورجية وحزب الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سكاشفيلي (الاتحاد الوطني الحر)، يعملان على تجنيد متطوعين ومرتزقة، ونقلهم إلى أوكرانيا، لدعم المتطرفين الفاشيين الذين اغتصبوا السلطة فيها.. وتضيف الصحيفة المذكورة أن خبراء روساً يتخوفون من تحول المشهد الأوكراني إلى شيء مماثل لما تشهده سورية من تدفق الإرهابيين إليها وقيامهم بارتكاب جرائم قتل وتخريب وتدمير الشعب السوري والدولة السورية منذ 3 سنوات ونيف.

سياسة ردع محدثة

وفي العشرين من شهر نيسان الماضي، ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن البيت الأبيض يخطط لعزل روسيا اقتصادياً وسياسياً في غضون العامين القادمين، وإذا صدقت هذه الخطة الأمريكية، فيعني ذلك أن أهداف واشنطن تخرج عن إطار النزاع في أوكرانيا، وذلك بصياغة طويلة الأمد في التعامل مع روسيا، وهي سياسة- كما يرى العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين تمثل (سيناريو مُحدثاً) لاستراتيجية الحرب الباردة، وتحديداً لسياسة (الردع). ويتردد أن الرئيس أوباما قد توصل مؤخراً إلى استنتاج شخصي مفاده أنه حتى لو تم العثور على حل سياسي للأزمة الأوكرانية، فلن تكون لديه (علاقات بنّاءة) مع الرئيس فلاديمير بوتين.. وهذا يشير بوضوح إلى أن واشنطن ستمارس خلال العامين القادمين المزيد من الضغوط على موسكو، وخلق حالة تشبه أجواء الحرب حول روسيا في الساحة الأوربية (أوروآسيا)، وهي حالة قد تضغط على أوربا للتراجع تدريجياً عن التعاون مع روسيا.. وفي هذا السياق، قد يلعب تسريع نشر الدرع الصاروخية الأمريكية- الأطلسية في أوربا الشرقية دوراً هاماً في سياسة الردع الأمريكية المحدثة.

على أية حال، هناك شبه إجماع بين متابعين للشأن الروسي- الأمريكي، على أن الولايات المتحدة تتخبط في سياستها الدولية التي تعكس حالة من انعدام الوزن، خاصة بعد أن أكدت الوقائع أن زعامتها العالمية تتراجع.

العدد 1105 - 01/5/2024