اليوم العالمي لحرية الصحافة

منذ عشرين عاماً، وفي الثالث من أيار عام 1993 ، أعلنت الأمم المتحدة وفقاً للقرار الأممي، تخصيص يوم 3 أيار من كل عام (اليوم العالمي لحرية الصحافة). ودعت في وثيقة الإعلان إلى صحافة مستقلة حرَّة، قائمة على التعددية في جميع أنحاء العالم. ورأت أن الصحافة الحرة أمر لا غنى عنه لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا ما أكدته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن: (لكل شخص الحق في حرية إبداء الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون قيد بالحدود الجغرافية).

السؤال: كيف مرّ يوم الصحافة في هذا العام على المنطقة العربية؟

في قراءة أولية للأحداث المتحركة في العالم العربي، أرى أن الصراع يجري على الأرض، وهو ليس صراعاً سياسياً وهوية فقط، بل للصحافة دور رئيس في عكس هذا الصراع الذي تحوّل إلى معارك يومية وبمختلف الأسلحة، بين الحكومة السورية والجماعات التكفيرية. وهي حرب إعلامية شرسة وحرب نفسية موجهة، تخطط لها أجهزة أمريكية وأوربية وإقليمية.

وهناك جبهتان إعلاميتان: جبهة الإعلام الوطني، وجبهة الإعلام المضاد المسموم الذي تموّله أنظمة النفط والغاز بالأموال الطائلة، لتغذيته وتسخير الأقلام الرخيصة المحبّرة بالتآمر وزرع الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، والعمل بمنهج تدميري للبنى التحتية، والعمل على صناعة جيل سلفي عدمي تكفيري، مزوّد بالآلات القاتلة تحت شعارات زائفة في الشكل والمضمون.

وإذا عدنا إلى واقع الصحافة العربية نرى أنها منذ الاستقلال، صحافة تقع تحت هيمنة السلطة السياسية، وسيطرة الأجهزة الأمنية وهيمنتها على المؤسسات الإعلامية. فالسلطة السياسية تقمع كل مخالفة لصحفي متفائل في عمله.. لصحفي طموح للتغريد بحرية واقعية وصدق في العمل، يعمل تحت شعار تقديم (المعلومات الجديدة)، وسحبها من أدراج المسؤولين، والقيام بسبق صحفي طموح. من الطبيعي أن يتناقض مع التعليمات السلطوية الصارمة التي ترسم طريق العمل للصحفي وتقيد حريته، وحجب الأخبار عنه وعرقلة إيصالها إلى المواطنين، إذ ترى السلطة فيها مسّاً لنفوذها واستهتاراً بها.

هناك دول تهيمن هيمنة كاملة على وسائل الإعلام. ورغم وجود صحافة خاصة إلى جانب الصحافة الحكومية في بعض دول المنطقة، يظل الإعلام الموجه سياسياً واقتصادياً وثقافياً، يخضع لرقابة شديدة ويهيمن على كل شيء. ولا يقدر الصحفيون – باستثناء قلة – فتح ثغرة في الخط الأحمر أو القفز فوقه واجتيازه. علماً أن قانون الإعلام السوري الجديد مثلاً أصبح أكثر واقعية ومرونة من القانون السابق . وجاء في بعض مواده مثلاً: (عدم تعرّض الصحفي للسجن). وللمقاربة قامت السلطات في الجزائر والأردن قبل أعوام بإصدار تشريع يحق لها أن تلاحق الصحفيين الذين قاموا بمحاربة فساد الحكومة. وتعرَّض بعض الصحفيين في مصر ولبنان وتونس واليمن، لمحاكمات جنائية وإغلاق بعض الصحف.

ويستمر قمع الصحفيين والإعلاميين والكتاب باستخدام مختلف الأساليب. وقد قامت السلطات البحرينية بإبعاد صحفيين بريطانيين خالفوا الأنظمة والقوانين، لتغطية مظاهرات غير سلمية وغير مرخصة كما تدعي. وحكمت محكمة كويتية على قناة (سكوب) التلفزيونية الخاصة بدفع غرامة تقدر بمليون دولار، بسبب بث برنامج عُدّ مسيئاً للأسرة الحاكمة بحسب وثائق المحكمة. وأمثلة أخرى جرت في السودان، إذ تعرض الصحفيون للملاحقة ومصادرة الكاميرات والصحف.. وأغلقت 15 صحيفة وصودر أكثر من 40 نسخة من الصحف، وأوقف ثمانية صحفيين ومنع اثنان منهم من الكتابة. وأوقفت السلطة الفلسطينية الصحفي يوسف الشايب ستة أيام، بتهمة نشر تقرير عن فساد البعثة الفلسطينية في فرنسا. وأوقف الصحافي جمال أبو ريحان بسبب نشره على صفحته مقالة بعنوان (الشعب يريد إنهاء الفساد).

ورغم ثورة الاتصالات التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، لا تزال معظم الأنظمة العربية تحتكر وسائل الإعلام، وتفرض على المواطنين والجمهور أخبار الحزب الحاكم ونضالاته. وتبني الحواجز في وجه الإعلام والصحافة الطموحة، التي تعمل على تسليط الضوء على الأحداث والقضايا التي تشكل أضراراً للكادحين وصغار الكسبة.

ويستمر النظام العربي في استخدام سياسة الترغيب والترهيب وكمّ الأفواه. ويعمل على زيادة الهوة وتوسيع مساحة عدم الثقة بينه وبين المواطنين. وأدت هذه السياسة إلى قطع شعرة معاوية وازدياد التصعيد والمجابهة بين الطرفين، وخلق أزمة عدم ثقة بين المواطنين ووسائل الإعلام، بحجة الخوف من الغزو الثقافي الغربي، وإضعاف الهوية الوطنية في ظل عولمة غيرت وجه العالم.

وفي ظل ما يجري في المنطقة من غزو للفكر الإسلامي (الجهادي) والتبشير بالفكر الوهابي، ينبغي أن يواجه هذا الفكر بالفكر التنويري التقدمي.. وأن يقوم الإعلام الحكومي والخاص، المقروء والمكتوب والإلكتروني بدوره الوطني. وأن يسخّر كل الإمكانات لكشف زيف هذا الفكر في القرن الحادي والعشرين.

العدد 1105 - 01/5/2024