هل تصدق النوايا الأمريكية في «جنيف2»؟

لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل والأردن (بروتوكولية) عاديةً، والاتصال الأوبامي الأردوغاني لإعادة المياه إلى مجاريها بين إسرائيل والدولة العثمانية، والاستجابة الفورية لم يكن مصادفة، وإنما كان لوضع اللمسات الأخيرة لمخطط مشبوه يفضي إلى تدخل عسكري ما لحسم الوضع في سورية لمصلحة المخطط الأمريكي الصهيوني، عن طريق تدخل إسرائيلي -تركي- أردني، وبإشراف شخصي من أوباما، وبدعم مادي خليجي، مما يشير إلى سحب الملف السوري من أيدي الأوربيين والأتراك ومسكه من الأمريكيين مباشرة.

إلا أن صمود الشعب السوري وتضحيات الجيش السوري، وانهيار المجموعات الإرهابية في الغوطة والقصير وحلب ودرعا، وسقوط ورقة السلاح الكيميائي، دفع أوباما لأن يغمز لحليفه الإسرائيلي، بتصريحه بأن من حق إسرائيل الدفاع عن أمنها، عندما تمنع وصول الأسلحة الإيرانية عبر سورية إلى حزب الله.

وفي اليوم التالي، وإبّان زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو للتحضير للقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والأمريكي، والتي ستكون من أهم ملفاتها الأزمة السورية، قامت إسرائيل بعدوانها المبيّت على سورية عبر الأجواء اللبنانية. ومهما كانت أهداف العدوان، سواء أكانت رسالة سياسية أمريكية إسرائيلية مزدوجة، أم لرفع معنويات المجموعات المسلحة المنهارة، أم لإضعاف معنويات الجيش العربي السوري، أم لجرّ سورية إلى معركة لخلط الأوراق، أم لتمرير صفقة الجامعة العربية بتصفية القضية الفلسطينية، والاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية أم غيرها من الأهداف. إلا أن صمود الشعب السوري، ورباطة جأش جيشه وثبات مواقف أصدقاء سورية وصدقيتها، سواء من الشعوب العربية أم حلفائها في معسكر المقاومة، أم أصدقائها في العالم من روسيا أو مجموعة (البريكس) وغيرها، كل ذلك قلبَ مفاعيل العدوان لترتد صفعةً في وجه أوباما وإسرائيل.

في المؤتمر الصحفي المشترك أعلن الوزير الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري (أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية توصلتا إلى اتفاق بشأن عمل كل ما هو ممكن من أجل جلوس الحكومة والمعارضة السورية إلى طاولة الحوار). وقال: (روسيا والولايات المتحدة تشجعان الحكومة والمعارضة السورية من أجل إيجاد تسوية سياسية)، وذلك على قاعدة بيان جنيف الصادر في 30 حزيران عام ،2012 على أن يجري التفاوض في نهاية أيار الحالي.

ورحبت سورية بالاتفاق الأمريكي الروسي، مبدية تفاؤلاً بالاعتماد على صلابة الموقف الروسي وصدقيته.. كما رحب المبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي بالاتفاق، وقال في بيان: (إنها أول معلومات تدعو إلى التفاؤل منذ وقت طويل جداً)، مؤكداً أن (التصريحات التي صدرت في موسكو تشكل خطوة إلى الأمام مهمة جداً، لكنها ليست سوى خطوة أولى).

ومما يثير الشكوك، توقيت التفجير الأخير في قرية الريحانية التركية، الواقعة بالقرب من الحدود السورية، والاتهام المباشر لسورية قبل أي تحقيق، وكَيْل التهديد والوعيد. ولا شك في أن حكومة أردوغان وضعت نفسها في موقف لا يسر صديقاً ولا عدواً.. لأنها وإسرائيل وقطر وغيرها من الدول المتآمرة على سورية، ستحاول إفشال أي جهد سلمي لحل الأزمة السورية.

ونعتقد جازمين أن حل الأزمة في بلادنا بيد أبناء الشعب السوري وداخل حدود أراضيه، مبنياً على صموده وثباته وقراره المستقل ورفض كل أشكال التدخل الخارجي، والإرهاب القادم من خلف الحدود.

إن حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها السوريون، وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، واستمرار دعم الحكومة لأسعار المواد الضرورية لهذه الفئات، وخاصة المواد التموينية والمشتقات النفطية، وحل مشكلات المهجّرين قسراً من مناطقهم، تساعد المواطن السوري على الثبات في مواجهة العدوان الخارجي.. كما أن عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل بمشاركة جميع القوى السياسية، وبضمنها قوى المعارضة الوطنية، يفتح المجال أمام لجم العنف، ووقف نزيف الدم السوري، ويضع الأساس الواقعي لإنهاء أزمة السوريين، عبر الحلول السياسية التي تُعَدُّ الطريق الآمن الوحيد أمام السوريين لحل معضلتهم.

العدد 1105 - 01/5/2024