واقع العمل بين المحدودية والاستغلال

الحصول على العمل المناسب مشكلة لازمت أبداً المواطن السوري وزادت وطأتها في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد، مما يعني أنها مشكلة قديمة جديدة ارتدت وشاح الديمومة والاعتياد أمام عجز الحلول عن وضع حد ينهيها، هذا إن كانت هناك حلول حقيقية يتم دراستها أو وضعها موضع التنفيذ.

بتصفح أوضاع ما قبل الأزمة كانت مشكلة البطالة تواجه بشدة خريجي الجامعات خصوصاً دون باقي المستويات، ولذلك أسباب أهمها أن خريج الجامعة يكون قد أمضى قرابة ستة عشر عاماً في التعليم، وهذا يرفع لديه مستوى الطموح بالنسبة للوظيفة، أما غيره ممن ترك الدراسة فيكون قد أمسك بمهنة أو مصلحة يكسب منها رزقه منذ نعومة أظفاره.

كما أن طموحات المتعلمين كانت تتجه دوماً نحو الوظائف الحكومية دون أن تضع في خياراتها خياراً آخر، وهذا ما أدى إلى ضغوط هائلة على وظائف الدولة التي أغلقت أبواب الاستيعاب في كثير من الأحيان، أو تركتها مفتوحة أمام القادمين من طريق واسطات ثقيلة أو سماسرة الوظائف أو غيرها من أبواب الفساد.

وهناك فريق لا ينتمي الى أي من الطرفين، وهذا اختار الهجرة والسفر خارج البلاد، يضع كفاءاته في خدمة دول أخرى ويسهم في بناء حضارتها، وقد حازت دول الخليج أعلى نسبة من هؤلاء، فقد وجد المهاجر فيها ما يحفظ كرامته مادياً ومعنوياً، فهو يجني في شهر ما لا يجنيه الموظف هنا في عام، كما أن مستواه المهني يسير قُـدُماً في الوقت الذي إذا لم تراجع فيه مستوى موظفنا فإنه لا يتقدم، يضاف إلى ذلك السهولة النسبية في الحصول على عمل ملائم.

 ومعلوم أن موظفي القطاع العام لدينا في معظمهم أقل الناس كفاءة وأدناهم إنتاجاً، لذلك يتم السعي الدؤوب إلى الحصول على وظيفة فيه من قبل طالب العمل، وهو أمر بداهة لا يلبي احتياجات القطاع الخاص، مما يدعوه إلى العزوف عن معظم الخريجين الجدد الذين لا يمتلكون من الخبرات والمهارات ما يحقق له زيادة في الأرباح ويرقى بمستوى شركاته ومؤسساته مما جعل نيل وظيفة فيه حلماً يجاري في صعوبته زميله العام.   وفي سبيل حل هذه المشكلة ظهرت في الآونة الأخيرة وعلى نطاق ضيق ومحدود بعض المؤسسات التي تعمل على إعداد الطالب لدخول سوق العمل (كعيادات العمل – جامعة دمشق، ومركز التوجيه المهني….. ) إلا أن أوضاع سوق العمل الحالية تقف عائقاً كبيراً أمام تحقيق أهدافها.

ولو أردنا النظر في واقع السوق اليوم، لرأينا فيه ندرة ملحوظة في فرص العمل، أو فرصاً موجودة لكنها تقف على علو شاهق بعيد عن متناول معظم المتعلمين، لذلك بدأت بوادر الاستغلال بالظهور، وهذا الاستغلال أخذ أشكالاً عدة أبرزها مكاتب التوظيف والإعلانات الوهمية وقلة الرواتب المدفوعة إضافة إلى نوعي التسويق المباشر والشبكي.

فمكاتب التوظيف تلجأ إلى الإعلانات الوهمية عن وظائف شاغرة، ثم تستقطب الشباب لتقديم الطلبات، وتعلمهم بأن تأمين الوظيفة مشروط بدفع مبلغ مالي معين، فإذا حصلوا على المال وعدوا المتقدم باتصال هاتفي ليستلم عمله، وبالطبع في هذه الحال يكون المال قد ذهب وذهبت معه أحلام العمل.

ومبالغة في الاستغلال وتمويهاً على قارئي الإعلانات، بدأت مكاتب التوظيف تغير من أسلوبها بعد كشفه، وأخذت تكتب ضمن إعلاناتها ( نحن لسنا مكتب توظيف ) لعله يكون طعماً يقع فيه من كشف الأسلوب القديم.

أما عن أنماط الاستغلال الأخرى فهذه آمل أن أفرد لها مقالاً آخر في الأسبوع القادم حرصاً على الإيجاز والاختصار.

العدد 1107 - 22/5/2024