رد علمي على اليهودي الألماني ألرماير هل آلة العود عراقية أم يهودية؟

منذ قدم التاريخ ابتدع الإنسان الغناء والموسيقى واعتمدتهما الأديان في طقوسها، اعتبرا وسيلة أساسية للتعبير عن الفرح والحزن عند كافة الشعوب، وتألقا فأصبحا ركناً أساسياً في الوجود الإنساني.. فكل حضارة تفخر بما لديها من تراث موسيقي وغنائي وتحافظ عليه من الضياع. وللموسيقا تاريخ طويل في حضارتنا العربية القديمة يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، الموسيقا التي تنبض بها قلوبنا وتسمو أرواحنا  فيصفو وجداننا، ومن أهم الآلات الموسيقية الآلات الوترية، فقد حظيت باهتمام كبير من قبل الدارسين للموسيقى وآثارها، وأكثر الآلات الوترية قرباً إلى قلوبنا آلة العود، فالعود سلطان الآلات وجالب المسرات، فقد تفوق وسيطر على جميع الآلات الشرقية والعربية خصوصاً، وقد انتقل إلى الأندلس بانتقال العرب إليها، ومنها دخل أوروبا فعرفته قصور الملوك والأمراء، وقد ألّف الغرب القطع الموسيقية للعود وبقي مسيطراً في أوروبا حتى انتشار الجيتار والبيانو فأخذا مكانه، واستعمل العرب القدامى العود وخاصة العلماء في شرح قواعد الموسيقى النظرية وأصولها كما يستعمله الملحنون اليوم في وضع ألحانهم. ومن المسلمات أن العود عراقي في الأصل، فقد أثبتت الآثار الموسيقية والكتابات المسمارية أن ابتكار العود كان في العراق القديم في الألف الثالث قبل الميلاد في العصر المعروف باسم العصر الأكدي 2350-2170 ق.م، ويوجد ختمان في المتحف البريطاني يظهر فيهما شخص يعزف على العود وهما من العصر الأكدي. واستمر استعمال العود في العصر السومري الحديث 2100-1950 ق.م، وصار الآلة المفضلة في عموم العراق القديم كما دلت الآثار المكتشفة في عدة مدن عراقية، خاصة أنه عثر على أثار للعود تعود إلى عصر حمورابي والعصر البابلي الحديث، فالعود آلة عراقية بإجماع المؤرخين.

هذه المعلومات الموثقة والمتفق عليها تفند باقي الدعوات القائلة إن آلة العود ليست عراقية، فبعضهم قال إن العود آلة مصرية أو فارسية أو بربرية أو صحراوية أو عيلامية أو يهودية! وهذه الآراء التي نراها نردها بالمناقشة العلمية لأن معظمها يعتمد على أساطير وآراء شعوبية عنصرية متعصبة، وفي دراستنا هذه نرد الرأي اليهودي ونهدمه بالمناقشة العلمية المبينة على الحقائق، ففي عام 1970م طلع علينا الباحث اليهودي الألماني -ألرماير- بدراسة جاء فيها أن العود يرجع أصله إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، ويعود إلى السياميين الغربيين في فلسطين وسورية، وقرر أن العود سامي الأصل لعدة أمور منها:

1-زمن ظهور العود في الألف الثاني قبل الميلاد.

2-المنطقة الجغرافية لانتشار العود.

3-طبيعة أصوات العود وتقنية العزف عليه.

4-ارتباط استعمال العود بعالم الرعاة.

ويخلص في بحثه إلى أن تاريخ الموسيقى ولغاية يومنا الحاضر يخبرنا بالجذور العميقة للموهبة الموسيقية التي يتمتع بها الساميون -اليهود- وقال: إن عازفي الكمان الأول في العالم هم يهود، ولما كانت آلة الكمان منطلقة من العود وترجع إليه فإن ابتكار وأصل العود يرجع إلى اليهود، فهو يقول بصورة غير مباشرة أن اليهود القدامى هم أفضل عازفي العود وإليهم يرجع أصله.

ونرد على نظرية ألرماير بعدة نقاط أهمها:

1-إن أقدم الآثار التي تثبت ظهور واستعمال العود ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد -العصر الآكدي وليس الألف الثاني كما زعم ألرماير.

2-إن نقوش الختمين ترينا العازف وهو يعزف في حضرة الإله -أيا- إله الحكمة والموسيقى والخصوبة، أي أن هذه الآثار الآكدية تثبت بكل وضوح أن العود منذ بدايته الأولى كان مرتبطاً بالعبادة والناحية الدينية وليس بعالم الرعاة كما ذكر.

3-إن الآثار الخاصة بالعود تثبت انتشاره في جميع أنحاء العراق السومرية والآكدية والبابلية والآشورية، وليس فقط في المنطقة الجغرافية الخاصة بالساميين الغربيين سوريا وفلسطين حسبما زعم.

4-إن الآثار المكتشفة في سورية وفلسطين وتركيا ومصر وإيران وبلاد الإغريق والرومان وشبه الجزيرة العربية تثبت أنها اقتبست العود من العراق، وتدل على تأخر تلك البلدان في استخدامه، ففي مصر ظهر 1580-1090 ق.م في عهد المملكة الحديثة، وفي إيران ظهر في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وفي سورية دلت الآثار على وجود العود فيها في الألف الثاني قبل الميلاد.

5-إن النقش الظاهر على اللوح الفخاري من العصر البابلي القديم يمثل رجلاً عارياً يعزف على العود وحوله كلب وخنـزير، توهم ألرماير بأن العود كان مرتبطاً بعالم الرعاة في الهواء الطلق منذ أول ظهوره، وهذا زعم وفهم خاطئ للمشهد البابلي القديم، إذ أن عازف العود في هذا الأثر البابلي هو في حالة الجلوس على كرسي والرعاة عند الرعي لا يجلسون على كرسي، كما فاته أن الكهنة في العراق القديم كانوا يقيمون شعائرهم الدينية وهم عراة، لذلك كله لا يمكن أن يكون العود مرتبطاً بعالم الرعاة كما زعم الباحث الألماني، وأن أحد الأختام الإسطوانية السومرية والذي يعود تاريخه لسنة 2450 ق.م نقش بمشهد يمثل أحد الرعاة في حالة الجلوس تحت الشجرة ويعزف على الناي كحال الرعاة في كل العصور، ولأن العود آلة المدينة، وليس آلة البراري، بالإضافة إلى أن عازف العود يلزمه ثقافة موسيقية ودراسة منظمة وهذا مما لا يتوفر عادة عند الرعاة في البراري.

6-الآثار الخاصة بالعود منذ الألف الثالث قبل الميلاد تثبت استعمال العود في العراق من قبل الآكديين وهم ساميون شرقيون قبل استعماله من قبل الساميين الغربيين في سورية وفلسطين في الألف الثاني قبل الميلاد.

7-إن اليهود القدامى أجداد عازفي الكمان الأول في العالم اليوم لم يبتكروا العود ولا يرجع أصله إليهم، كما أثبتت الآثار الآكدية من العراق ذلك.

من هذه الدراسة نرى دحض الآراء اليهودية التي أرادت نسبة ابتكار العود إليهم، فهم يريدون بهذا صنع تاريخ لهم كعادتهم، فهم ينسبون أي اختراع مهم لأنفسهم ويخترعون نسباً يهودياً للمخترع، كما أنهم يتبنون أي نظرية تحترم فكرهم وسياستهم حتى لو أدى الأمر إلى سرقة آثار الغير.

العدد 1107 - 22/5/2024