حيدر العبادي رئيساً للحكومة.. العراق إلى أين؟

وأخيراً أفضى توافق المكونات العراقية على تسمية د. حيدر العبادي رئيساً للوزراء.. بعد التباينات والخلافات التي شهدها العراق منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية قبل شهور، والتي نال فيها التحالف الوطني بقواه ورموزه الموقع الأول في السلطة التشريعية (البرلمان).. إذ شهدت الفترة الماضية تجاذبات واصطفافات عديدة حزبية – سياسية وطنية ومناطقية أيضاً، حول من سيشغل منصب رئيس الحكومة (السلطة التنفيذية) القادمة، وما عكسته من آراء متعددة حول ترشح نوري المالكي رئيس الوزراء السابق لهذا المنصب مجدداً.

وفي الوقت الذي نجحت فيه الكتل البرلمانية- الحزبية العراقية، في التوافق على منصبي رئاسة الجمهورية، الذي شغله فؤاد معصوم مرشحاً عن التحالف الوطني الكردستاني، وسليم الجبوري رئيساً للبرلمان (ممثلاً للطائفة السنية وقواها وأحزابها)، ظل منصب رئيس الحكومة مجال نقاش وخلاف بين هذه الكتل والأحزاب، إلى أن رشح الرئيس معصوم الدكتور حيدر العبادي (حزب الدعوة الإسلامية، وأحد أركان التحالف الوطني الشيعي) لهذا المنصب.

وكان المالكي قد تقدم بطعن (دستوري) حول تسمية الرئيس العراقي للعبادي لشغل هذا المنصب، مهدداً باللجوء إلى القضاء، ومحاسبة رئيس الجمهورية على هذا الترشيح، الذي اعتبره مخالفاً للدستور. كما شهدت الشهور الماضية تباينات في مواقف الكتل البرلمانية، حول منصب رئيس الوزراء، وبضمنها حزب الدعوة الإسلامي، الذي ينتمي إليه المالكي، كذلك خليفته المكلف العبادي. وأظهرت المداولات الأخيرة التي سبقت ترشيح العبادي، حصوله على موافقة ودعم 127 نائباً من مجموعة 173 ينتمون إلى التحالف الوطني (يضم حزب الدعوة وغيره من الأحزاب والرموز الأخرى).

ويأخذ المعارضون على ترشيح المالكي أنه شغل هذا المنصب ولايتين دستوريتين متتاليتين من جهة، وأنه مسؤول إلى حد كبير عن حالة التعارض القائمة بين الأحزاب والمذاهب العراقية القائمة من جهة ثانية. في الوقت الذي أظهرت فيه أحداث 10 حزيران الماضي واقتحام (داعش) المفاجئ والمثير للتساؤل، محافظات عراقية في الشمال الغربي والوسط، وصولاً إلى تخوم العاصمة بغداد، حجم الوهن وطبيعة التركيبة القيادية وبخاصة الحكومة، التي يعانيها العراق. كما أظهرت هذه التباينات والتجاذبات في المكون العراقي عموماً، ما خلفه الاحتلال الأمريكي للعراق عام ،2003 من تعارضات مذهبية وعرقية، عكست نفسها على التركيبة القيادية الرسمية العراقية (رئيس جمهورية، رئيس برلمان، رئيس حكومة) وامتداداتها حزبياً ومناطقياً. كما أكدتها أيضاً أحداث 10 حزيران والتمدد الداعشي السريع و(المفاجئ) في العديد من المحافظات العراقية.

وإذ توافقت المكونات العراقي (كتلاً وأحزاباً ورموزاً) على تسمية رئيسي الجمهورية والبرلمان، فإن الشهور الماضية أكدت حجم الخلافات بينها حول منصب رئيس الوزراء، التي شملت أيضاً التحالف الوطني وحزب الدعوة الإسلامية أيضاً (حزب رئيس الوزراء المنتهية ولايته، كذلك المكلف الجديد لشغل هذا المنصب).

وأدت هذه العوامل بمجموعها، إضافة إلى التوافق الإقليمي، ودول الجوار العراقي أيضاً، فضلاً عن العواصم الدولية المنشغلة بالملف العراقي، على تسمية خليفة للمالكي، إلى تراجع الأخير لصالح المكلف الجديد لشغل هذا المنصب وسحب دعوته القضائية ضد الرئيس العراقي.

وفي هذا السياق، ينظر باهتمام إلى التجاذبات المذهبية والعرقية العراقية الجارية، وإلى حجم النفوذ الإقليمي والدولي في الملف العراقي أيضاً.. إذ أعلن السنّة (أحزاباً ورموزاً وطنية ومناطقية)، استعدادهم للتعامل مع رئيس الوزراء المكلف، كذلك عبرت دول عديدة مؤثرة في الوضع العراقي، عن تأييدها ترشيح العبادي وتثمينها دعم المالكي له مؤخراً.

وتبقى الأسئلة المشروعة المطروحة راهناً، والمتمثلة في دور المالكي بعد سحب ترشيحه، الذي يمسك حتى تاريخه بالعديد من المفاصل الحكومية والأمنية والعسكرية في العراق، كذلك انعكاسات توافق الكتل البرلمانية العراقية الرئيسة على العبادي رئيساً للحكومة.. وبالتالي إمكانية التحالف الشيعي – السني على تطبيع العلاقات الداخلية العراقية، وعلى محاربة داعش، وما تمثله عراقياً وإقليمياً. ولا نتجاهل هنا المكون الكردي، في حالة الإجماع العراقي المطلوبة، لمواجهة المصاعب الداخلية العراقية من جهة، وقدرته بعد هذا الإجماع على منصب رئيس الحكومة على هزيمة مشروع داعش وما يمثله، وتداعياته أيضاً.

أسئلة كثيرة مشروعة يطرحها التوافق أخيراً على منصب رئيس الحكومة الجديد (المكلف)، كذلك الصعوبات والتحديات التي يواجهها العراق دولة ومؤسسات ومذاهب وأعراقاً، تمثل في جزء ليس قليل تبعات الاحتلال الأمريكي، وواقع العراق الراهن، وبضمنه دور المالكي بعد تنحيه عن الترشح لمنصب رئاسة الوزراء، وقدرة رئيس الوزراء المكلف على حل هذه التعقيدات الداخلية العراقية، الموروثة والفاعلة راهناً في الحالة العراقية.

فهل ينهي حل إشكالية منصب رئيس الحكومة العراقية هذه الصعوبات الداخلية والتداخلات الإقليمية والدولية في شؤونه؟ وهل يؤسس هذا الحل التوافقي مرة أخرى لمرحلة عراقية جديدة عنوانها التفاهمات بين مكونات الشعب العراقي وتصديه للصعوبات التي يواجهها دولة وكياناً، وفي المقدمة منها حربه ضد داعش، ومن أجل استمرار وحدة العراق أرضاً وشعباً؟

العدد 1105 - 01/5/2024