تفاصيل

في زمن تعطيل الحواس والتشنج الفكري حيث تظن أن لا شيء بعد قادر على فتح مسام الروح لديك تفاجئك زاوية صغيرة منسية في مكان ما.

ربما لأننا بطبيعتنا الإنسانية تواقون إلى الأمل الذي، ورغم ما نعايشه من تفاصيل حياتية موجعة، ما زلنا نرتشفه من كأس الألم في محاولة منا للبقاء (ليس البقاء على قيد الحياة) وإنما إعلان أن الإنسان فينا لا يموت، بل يحيا بقدر ما تكرسه سياسة الخوف وتعمقه ثقافة التهميش والتطهير الإنساني في مجتمعنا وذواتنا          

لذلك نبحث دائما عن تلك الزوايا التي تنعش الحياة فينا، وكطوق نجاة ننبش الذاكرة للبحث عن دلالات ترتبط بإنسانيتنا. لتمتد جسور من حنين إلى تفاصيل من طفولة عشناها يوما علنا نلملم منها حفنة من آمال ومشاهد من بساطة غابت ملامحها عن حاضرنا  ونستذكر ذاك البريق لعيون متمردة (لم يعد يشرق في عيون أطفالنا اليوم).

وفي إحدى زوايا الذاكرة قد تستوقفنا تفاصيل مكان سكناه يوما أو عبرناه صدفة لا زال عطر رائحته يبث في أرجائنا بعضا من دفء.

ومن زاوية أخرى يمتد جسر من موسيقا بصوت فيروزي يذيب في دمنا خيوطا من سكر تقاوم مرارة الانفصام عن الوطن والإنسان (في زمن تشويه المفاهيم وإعادة تركيبها على عجل لتأتي على مقاس قلة من الأشخاص)

فيروز التي غنت للحبيب وأيلول وللجسور..

ليست العودة إلى ماضينا الخاص إلا محاولة لاستجماع نقاط قوتنا لرسم خط للانطلاق نحو غد يبدو مربكا تعلوه علامات استفهام وتنتفي منه إشارات الأمان.

لكن على من بقي أن يخط ملامح هذا الغد بيد مازالت توثق مشاعر إنسانية لن تزول وذاكرة تنبض بالحنين لتلك المشاعر.

فهل لعبق أيلول كل ذلك السحر في نبش ذاكرتنا ونشر نفحة من روح الحياة فينا؟ أم توقنا الى الحرية عبر تمزيق عنكبوت العجز الذي غلفت خيوطه مشاعرنا وملأ الشواغر الفاصلة بين حاضرنا ومستقبلنا.                

فما أحوجنا اليوم إلى من ينعش فينا سوريتنا.

العدد 1104 - 24/4/2024