بعد سورية… انتفاضات مصر وتونس وليبيا هزيمة لمشروع التفتيت الأمريكي

جاء الموقف الأمريكي من انتفاضة الشعب المصري ضد حكم المرشد، ليثبت ما قلناه، وماقاله غيرنا أيضاً.. فالأمريكيون مع الشرعية حين تخدم مصالحهم، وهم ضدها إذا اتخذت مسارات سياسية أو اقتصادية بعيدة عن الفلك الأمريكي.. إنهم دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان أمام الجميع.. لكنهم منغمسون في مستنقع الإرهاب حتى رؤوسهم، توجيهاً وتمويلاً وتسليحاً!

توقع الأمريكيون أن وصول الإخوان إلى سدة الحكم في مصر خلال مرحلة استثنائية، هو خاتمة المطاف، خاصة بعد أن وصلتهم تطمينات مرسي بأنه متمسك باتفاقية كامب ديفيد، بل سعيه إلى استيعاب المقاومة الفلسطينية، بهدف تنفيذ السيناريو الأمريكي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا ما سيسمح للإدارة الأمريكية بالتفرغ للعب في الأزمة السورية، وتكريس واقع متماثل. وبالطبع لم يغب عن أذهان استراتيجيي الإدارة الأمريكية الوزن السياسي والعسكري الذي يمثله البلدان المحوريان في الفضاء الشرق أوسطي الذي يخططون لاصطناعه مسايراً، بل منخرطاً في المشروع الإمبريالي الصهيوني، لتدجين كل من يعادي الولايات المتحدة وإسرائيل.

وهذا ما دفعهم.. ويدفعهم إلى محاولة هدم كيان الدولتين، وتحويل باقي الدول العربية إلى مقاطعات تتنازع المكاسب والثروة. وضرب الجيوش العربية لدولة الطوق والعمق، وخاصة الجيوش المصرية والسورية والعراقية.

العقدة السورية

اصطدم مسعاهم في سورية بعقدة صمود الشعب السوري والجيش الوطني، وانكشاف تبعية المعارضة الخارجية والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، وثبات الموقف الروسي، وهذا ما دفع الأمريكيين إلى استخدام تكنيكاتهم المناورة التي تهدف إلى إطالة الأزمة السورية، وتصعيدها، لاستنزاف الدولة ومقدرات الشعب السوري. ففي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة عن موافقتها على حل الأزمة عبر الطرق السياسية، فوضت حلفاءها الخليجيين والعثمانيين الجدد بتمرير قوافل السلاح، وتسهيل تسلل (المجاهدين) القادمين من كهوف الظلام إلى سورية لزرع الإرهاب.. ثم نقله حسب المخطط الأمريكي إلى دول مجاورة.

التونسيون إلى الشوارع ضد الإخوان

نزل التونسيون إلى الشوارع لإنهاء حكم الإخوان، وعُطلت الندوة النيابية بعد انسحاب عدد كبير من النواب، وحددت الطبقة العاملة والقوى العلمانية واليسارية مطالبها بالخلاص من حكم التطرف الديني، خاصة بعد تورط حزب النهضة الإسلامي في تصدير الإرهاب والإرهابيين إلى دول الجوار، وإلى سورية، وبعد فشل الإسلاميين المدعومين أمريكياً وخليجياً في تقديم البديل الديمقراطي الذي سعى إليه الشعب التونسي.

ليبيا تتفتت بعد اجتياح الأطلسي

هذا هو البديل الأمريكي الذي قدمته الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الأوربيون، بهدف تحويل الدول إلى مقاطعات تابعة.. وزعزعة وحدة الشعوب، وهذا ما يتجسد الآن في ليبيا التي بدت اليوم موزعة بين أمراء الحرب والإرهاب، فقد غاب منطق الدولة، والسلوك السياسي، وظهرت النزعات الطائفية والتكفيرية، وتحولت ليبيا إلى إمارات تتنازع على النفط والدولار والسلاح.

هزيمة المشروع الأمريكي.. وجنيف 2

تركزت تحليلات العديد من المحللين السياسيين بعد إلغاء قمة بوتين وأوباما حول نقطتي الخلاف بين البلدين، وهما الدرع الصاروخية في أوربا، والأزمة السورية. ورغم تأكيد الطرفين بعد لقاء وزراء الخارجية والدفاع ضرورة حل الأزمة سلمياً، والإسراع بعقد جنيف ،2 وتصريح نائب وزير الخارجية الروسي باحتمال عقده في شهر تشرين الأول القادم، إلا أن مؤشرات عدة لا تدلل على سعي أمريكي جدي باتجاه عقده. فما زال الأمريكيون ومن يدور في فلكهم من معارضي الخارج، وأمراء الحرب الخليجيين، يحرضون على تسليح المعارضة السورية لتحقيق توازن على الأرض، كي يقطفوا ثمار جنيف 2 رغم معرفتهم بأن هذا التوازن لن يتحقق إلا في مخيلاتهم.. ورغم تأكيدات الأجهزة الأمريكية المختلفة والصحافة العالمية تنامي الإرهاب، وتزايد سطوة التكفيريين في سورية، وخطورة انتقال هذا الإرهاب إلى بلدان الجوار.

يقول ديفيد شيد، نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون محذراً: (إن مقاتلي المعارضة الإسلاميين سيسيطرون على الجماعات الكثيرة التي تعارض الرئيس السوري، إذا لم يكبح جماحهم. أحصينا 1200 جماعة معارضة، ستكون تحت سيطرة العناصر الإسلامية المتشددة).

أما مايكل مور، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية AIC، فقد صرح لصحيفة (وول ستريت جورنال) قائلاً: ستتحول سورية إلى معقل جديد لتنظيم القاعدة. وأشار إلى توجه عدد كبير من الجهاديين إلى سورية.

ما لم يقله المحللون السياسيون إن العالم لم يعد مجموعة من الدمى، تتحرك بإشارة من القطب الأمريكي، وإن واقعاً جديداً يفرض إيقاعه الآن.. إنه عالم الأقطاب المتعددة، التي نعتقد أنها ستلعب الدور الأكثر تعقلاً وحكمة في السياسة والاقتصاد الدوليين.

السوريون شبعواً نزفاً وخراباً وإرهاباً، وآن لأزمتهم التي تهدد مصير بلادهم، وانسجام مكوناتهم، أن تُحل سلمياً، عبر حوار ديمقراطي شامل، وهذا ما أكدته الحكومة السورية بموافقتها على حضور جنيف 2 دون شروط، وهذا ما تتجاهله الإدارة الأمريكية وشركاؤها، لكنهم حسب اعتقادنا سيفهمونه بطريقة أو بأخرى بعد صمود الشعب السوري.. وإطاحة المصريين ب(مرسي)، وانتفاضة التونسيين ضد إخوان تونس.

وإن غداً لناظره قريب!

العدد 1105 - 01/5/2024