كيف أصبح البحر أباً حنوناً؟

(غرق مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين في البحر)   

عنوان بالخط العريض لخبر تبرزه إحدى الصحف لأن فيه من الألم ما يجعلك تتشبث بتفاصيله، ثم يتركك بحالة من الدهشة، يتكرر الخبر اليوم دون أن يحتل العناوين الأولى في الصحف أو في قائمة اهتماماتنا.

ويأتيك الجواب من واقع المأساة السورية، لم يعد البحر اليوم مأزقاً متفرداً بغرابته في سرقة أرواحنا، بل أخذ موضعاً مريحاً له ضمن لائحة الموت، وكأنه به الخيار الأسهل أن تدفع بنفسك وأطفالك إلى المجهول في مغامرةٍ نهايتها الأكثر احتمالاً الموت، ليس لأنك هاوٍ للتجربة، فأنت أصلاً لم تضع خطة للانطلاق، ولم تدرس العوامل الجوية المحيطة بك، والأهم أنك لست وحيداً لأنك على مشاركة أحبائك المصير ذاته، فأي واقع إذاً تركته وراءك ومن أي وطن أتيت؟

 حتماً من يأخذ البحر على عجل طريقاً للهروب لا يحمل حقيبة سفر بل حطام وطن لم يترك لأبنائه خيارات للعيش بل للموت.

يحدث أنه في وطن القسم الأكبر من أبنائه يعيش خارج حدوده، بين نازح تتقاذفه الغربة وآخر قذفته مرارة العيش للجوء إلى بلد آخر يسمى صديقاً، ليقع بين كماشة العوز والاستغلال، لأن على هذا الطرف من هو جاهز ليكمل على الفريسة وعلى طرف الهجرة ما زال هناك نازح تتقاذفه الحدود. جميعهم سوريون مزقهم وطن وظللتهم خيمة بعد أن ضاقت سبل الحياة جداً، لم يبق للمستقبل حيزٌ في أحلام الكبار وبعيون أطفال اعتادت التقاط صور مشوهة لحكاية اسمها الحرب، دون أن تدرك كيف بدأت قصتنا التي ابتلعت نهايتها آلاف من الضحايا كقرابين قدمت للبحر والقبور.

فهل نستغرب أن يصبح البحر طريقاً للخلاص لقصة أبطالها سوريون بلا وطن ؟ يجمعهم سوى انتظار أن يعود الأمل.

العدد 1104 - 24/4/2024