نورا أريسيان باحثة ومترجمة

الدكتورة نورا أريسيان باحثة ومترجمة للغات الأرمنية والإنكليزية والفرنسية، وعضو جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب.. عملت في وظائف عدة، قبل أن تتفرغ كلياً للكتابة وللترجمة.

ولدت أريسيان في دمشق عام 1967 لأبوين أرمنيين، وأنهت مراحل دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية في ثانوية (النور) الخاصة للأرمن الكاثوليك في حي باب توما، ثم انتسبت إلى قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب بجامعة دمشق، وعملت وهي ما تزال طالبة بتدريس اللغة الفرنسية في معهد اللاييك (الحرية) مدة ثلاث سنوات، إلى أن تخرجت عام 1991.

حصلت على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث من قسم الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الوطنية بأرمينيا عام ،2001 وكان موضوع أطروحتها (الأرمن في سورية من خلال المصادر السورية)، وعملت بين عامي 1993 و2006 في سفارة أرمينيا بدمشق مترجمة ومديرة لمكتب (السفير)، ومحاضرة في الوقت نفسه في أقسام التاريخ والآثار والجغرافية بجامعة دمشق حتى عام 2008 ثم مديرة لمدرسة (النظام) الأرمنية الخاصة بدمشق حتى عام ،2009 ثم تفرغت بعد ذلك للكتابة وللترجمة.

آثارها الأدبية

أ- المؤلفات:

 غوائل الأرمن في الفكر السوري  بيروت 2002.

 أصداء الإبادة الأرمنية في الصحافة السورية (1870  1930) بيروت 2005.

ب-  الكتب المترجمة عن اللغة الأرمنية:

1 ضريبة اللباقة (من روائع الأدب الأرمني الساخر) للكاتب الأرمني هاكوب بارونيان  دمشق 2004.

2 شهادات ناجين  بيروت 2005.

3 لمواجهة سياسة أذربيجان العدوانية تجاه الأرمن  بيروت 2006.

4 ناغورني كاراباخ (وجهة نظر قانونية) شاهان أفاكيان  بيروت 2006.

5 شهادات مدى الحياة (مجموعة قصصية) كيفورك أبيليان  بيروت 1906.

ج-  الكتب المترجمة عن اللغة الإنكليزية:

1 الإبادة الأرمنية (اعتراف العالم علناً) هاروت صاصونيان  بيروت 2005.

2 جريمة الإبادة  ألفريد دوزاياس  بيروت 2006.

كما شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات التي أقيمت في كل من سورية ولبنان والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وأرمينيا والولايات المتحدة، إضافة إلى المقالات التي نشرت في الصحافة الأرمنية والصحافة العربية: النهار والثورة والأسبوع الأدبي، ومجلتا الآداب الأجنبية والآداب العالمية في لبنان وسورية، وإسهامها في الكتابة لصالح الموسوعة العربية الكبرى عن نخبة من أعلام الأدب الأرمني.

ضريبة اللباقة

تتحدث الدكتورة نورا في مقدمة هذا الكتاب عن الأديب الأرمني هاكوب بارونيان (1823- 1891) الذي يعد من أبرز رواد المسرح الساخر في أرمينيا، فقد وظف بارونيان كتاباته للسخرية من الأغنياء وأصحاب السيادة والتجار، والأطباء الماديين، والمفكرين المزورين، ورجال الدين، والمتملقين وغيرهم، وتوقف عند العديد من التناقضات الاجتماعية والتي كانت سائدة في زمنه، ولا سيما في مدينتي (أدرنة) التي ولد فيها، و(استانبول) التي عاش فيها طيلة حياته.

أما كتابه (ضريبة اللباقة) الذي صدر في استانبول عام 1886 فهو عبارة عن قصص مسرحية ساخرة، تمثل شخصياتها ضحايا الغش، والمحكومين بالقواعد الزائفة للأدب واللباقة، حيث فيها ينتقد بشدة الطباع والسيئات المتجذرة في حياة الأغنياء والطبقة الوسطى في المجتمع، كاللباقة المزورة والباطلة، والولع بالموضة، والتبرج الزائد، وغير ذلك من العادات القبيحة التي راحت تتفشى، وتسيء إلى سلوك الطبقة الفقيرة.

يتمتع بارونيان بالقدرة الفائقة على جمع المفارقات أثناء تطبيق قواعد اللباقة، بدءاً بالطبقة الغنية، وانتهاءً بالطبقة الفقيرة، وقد تناول برؤية ساخرة نماذج مختلفة من المجتمع كالثرثار والساذج والوطني والدخيل، والإنسان السوي، وأدرجها في مواقف يمتحن فيها تفاعلهم ولباقتهم وأدبهم مع الآخرين، وقدرة تحملهم لا مبالاة أو عدم لباقة غيرهم.. فهو يستحضر تلك المفارقات بين الرجل الطيب والطفيلي، والرجل الساعي لتطبيق قواعد اللباقة، فتارة يسخر من العلاقات الزوجية، وتسلط الزوجة، وتارة أخرى يفضح العلاقة بين التاجر والزبون، والطرق التي يسلكها التجار في الغش.

لم يضع المؤلف عناوين لقصصه المسرحية الساخرة الست عشرة، بل استعاض عنها بحروف الهجاء، واختار لشخصياتها أسماء قديمة لم تعد اليوم تستخدم، وتدل على السخرية والتهكم، مثل بابيك وغازاروس.

***

يحدثنا بارونيان في القصة التي عنونها بحرف (التاء) عن كاسبار آغا، الذي أراد أن يحلق ذقنه يوم السبت، وطلب من الحلاق أن يختار له شفرة حادة لا مبرداً، لأن لحيته قاسية، لكن الدماءَ نزفت من ذقنه، لوجود ثؤلول ناتئ، فتأفف الزبون وهمَّ بالنهوض، لكن الحلاق استبقاه على الكرسي ليلتقط له بعض الشعرات التي لم تطلها الشفرة، لأنه تركها عار، ويطلب منه الصبر قليلاً ريثما ينتهي من عمله.

أخيراً نفذ صبر الزبون، فقفز عن الكرسي، وصاح: (كفى كفى!.. لقد غمرت وجهي بالدماء!)، فسارع الحلاق إلى تجفيف الدماء عن وجه كاسبار آغا بالبودرة، معتذراً له بأن لحيته كانت قاسية أكثر بكثير مما كان يتوقع، ولما لم تنفع بودرة الرز في تجفيف الدماء، نادى خادمه ليناوله (حجر جهنم) لعله يوقف به سيل الدماء المتدفقة، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار.

وعندما هم كاسبار آغا بمغادرة الكرسي، قال له الحلاق: لقد بقي عليّ قص شعرك الآن، فرد كاسبار آغا وهو يتميز غيظاً: (لا.. لا.. اترك شعري، ثم رمى له خمس ليرات، وانصرف لا يلوي على شيء وهو يتمتم، (ما هذه الحياة الغريبة، ليس بمقدورنا أن نكون أسياداً حتى على رؤوسنا!).

ويحدثنا في القصة (ج) عن سيتراك آغا الذي دخل محلاً لصنع الأحذية، وطلب من صاحبه أن يصنع له حذاء ب (بوز) رفيع، لتكون قدماه مرتاحتين، ولا يشعر معه بألم المسامير اللحمية، فوافق (الكندرجي) على أن يصنع له حذاء يتناسب مع الموضة، ولا يضايق قدميه، وبعد أن أخذ قياسيهما، وعده أن يسلمه الحذاء بعد أسبوع، وحين عاد لتسلّمه وجده ضيقاً، و(بوزته) عريضة، وحاول (الكندرجي) وأجير المحل عبثاً إدخال قدمي سيتراك آغا في الحذاء، وبعد محاولاتٍ عديدة ومؤلمة ويائسة، اقترح أن يرش البودرة داخل الحذاء، لعل قدميه تنزلقان فيه، وحاول أن يقنعه بأنّ الحذاء سيتوسع بعد أن يلبسه عدة مرات، وأن الحذاء الواسع يضر بمسامير القدمين، وأنه لا يستطيع الإساءة إلى سمعة محل معروف، يصنع حذاء فضفاضاً وغريب الشكل!

وافق سيتراك آغا على مضض، واضطر إلى قبول الحذاء على علاته، وبعد أن عاد إلى البيت استعصى خلعه من قدميه، فاستنجد بصبي المقهى المجاور، ولما لم يستطع طلب حضور صانع الحذاء نفسه ليتدبر الأمر، ويعيد الحذاء إلى المحل ليضعه في القالب، لعله يتسع قليلاً، وفي اليوم التاليي كان على سيتراك آغا أن يشتري عباءة وشحاطة ليذهب بهما إلى العمل، وهنا بدأت التساؤلات والانتقادات: فهذا يقول: إن سيتراك رجل غريب الأطوار، يذهب إلى العمل بعباءة وشحاطة)، وذاك يقول: (إنه يخجل من السير معه).. ولما وصلت هذه الانتقادات إلى مسامع سيتراك آغا علق قائلاً: (إن اللباقة لا تتعارض مع مسامير القدمين)، واضطر إلى خلع العباءة والشحاطة، وقبول حذاء على الموضة، رغم المضايقات والمتاعب التي يسببها هذا الحذاء.

كتبت هذه القصص بقالب مسرحي يغلب عليه الحوار، وبأسلوب بسيط لا تصنّع فيه ولا تكلف، حتى إن كل قارئ يستطيع أن يفهمها مهما كانت ثقافته، كما أن المترجمة أحسنت اختيار الألفاظ القريبة جداً من لغة الحياة اليومية، كاستعمالها مثلاً كلمة (بعدين) بدل كلمة (بعدئذ)، ويذكرنا هذا الأسلوب السهل الممتنع بأساليب بعض الأدباء العرب مثل: إبراهيم عبد القادر المازني، ومارون عبود، وسعيد تقي الدين، وحسيب كيالي وغيرهم.

العدد 1107 - 22/5/2024