إقبال بركة إحدى رائدات التنوير في مصر

إقبال بركة أديبة وروائية وقاصة وصحفية وإذاعية، ورائدة من رائدات التنوير في مصر. ولدت في القاهرة عام 1942 وهي خريجة جامعة الإسكندرية، حيث نالت شهادة الليسانس في اللغة الإنكليزية عام 1962 بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف الأولى، ودبلوم الدراسات العليا في الدراما عام 1964 ثم نالت الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة القاهرة عام 1979 بتقدير جيد جداً أيضاً.

عملت بعد تخرجها في شركة النصر للأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وفي تدريس اللغة الإنكليزية بمدرسة (كيفان) الثانوية للبنات في الكويت 1972 وكانت كبيرة المذيعات في البرامج الموجهة باللغة الإنكليزية بإذاعة القاهرة 1979 وبرنامج (فن وفكر) وهو حوارات مع المثقفين والضيوف والأجانب، إضافة إلى قراءة النشرات الإخبارية حتى انتقلت إلى مؤسسة (روز اليوسف) كمحررة.

أجرت في مجلة (صباح الخير) عدة حوارات جريئة، جادلت فيها مفكرين إسلاميين حول وضع المرأة في الإسلام والقضايا المعاصرة، أصدرتها مؤسسة روز اليوسف في كتاب، وقد اختارت جامعة (أمستردام) الورقة التي كتبتها حول عودة الحجاب إلى نساء مصر كواحدة من أفضل خمسة عشر بحثاً من الأبحاث التي قدمت في مؤتمر المرأة الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة في (نيروبي) عام 1985.

اختار قسم الدراسات العربية بجامعة (بكين) روايتها (كلما عاد الربيع) لترجمتها إلى اللغة الصينية مع أربع روايات أخرى لكاتبات من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنكلترا وفرنسا واليابان تمثل الأدب النسائي، كما ألقت العديد من المحاضرات في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والصين، وحررت باب (يوميات امرأة عاملة) في مجلة (صباح الخير) وباب (فضفضة) في مجلة (روز اليوسف)، ناقشت فيها الكثير من القضايا السياسية بجرأة وسخرية حادة.

كتبت لإذاعة الشرق الأوسط في القاهرة مسلسلين إذاعيين هما (أحلام أحلام) و(شجرة اسمها الود).

عينت عام 1993 رئيسة تحرير مجلة (حواء) التي تكتب فيها افتتاحية أسبوعية بعنوان (الحياة امرأة)، كما تكتب مقالاً أسبوعياً بعنوان (حتى لا ننسى) في جريدة (الأهرام).

لمحات من شخصيتها

تعلمت في المدرسة رياضة التنس والرماية وقيادة السيارات، والعزف على الأكورديون والتمثيل باللغة الإنكليزية، وكتابة المقالات، والتحدث باللغة الإنكليزية، واختارها أستاذ اللغة العربية رئيسة لتحرير المجلة الحولية التي أصدرتها المدرسة ،1958 وفي الثانوية العامة كانت الأولى على المدرسة في الفرع الأدبي، كما تعلمت النظام واحترام المدرسين وكبار السن وحب الاطلاع، وكل ما هو حسن وأخلاقي.

وفي الجامعة مارست الرياضة، وكتبت في صحيفة الحائط، وشاركت في المعارض الفنية، وقامت بأداء دور البطولة في مسرحيتي (الموت يأخذ إجازة)، و(ست الحسن)، وبطولة اسكتشات) (فرقة السمر).

تعكف منذ سنوات على قراءة القرآن الكريم ودراسته بعمق لفهمه بعقلية امرأة مثقفة حرة تعيش القرن الحادي والعشرين.

آثارها الأدبية

رفدت الأديبة إقبال بركة المكتبة العربية بعدد وافر من كتب الرواية والقصة القصيرة، وأدب الرحلات والحوارات الدينية، والخواطر والنقد الأدبي والتاريخ الاجتماعي منها:

1ـ ولنظل أصدقاء إلى الأبد (رواية) 1971.

2ـ الفجر الأول (رواية) 1975.

3ـ الصيد في بحر الأوهام (رواية) 1979.

4ـ ليلى والمجهول (رواية) 1980.

5ـ تمساح البحيرة (رواية) 1983.

6ـ كلما عاد الربيع (رواية) 1985.

7ـ قضايا إسلامية (دراسة) 1987.

8ـ، رحلة إلى تركيا (انطباعات) 1983.

9ـ حادثة اغتصاب (قصص قصيرة) 1983.

10ـ يوميات امرأة عاملة (مقالات) 1983.

11ـ هي في عيونهم (مقالات) 1996.

12ـ المرأة المسلمة في صراع الطربوش والقبعة ـ الجزء الأول ـ باحثة البادثة 2001.

13ـ الحجاب ـ رؤية عصرية (دراسة) 2002.

كتبت إقبال بركة الرواية والقصة القصيرة والمقالة الأدبية والمقالة الصحفية، ومارست العمل الإذاعي، فنجحت في هذه الألوان كلها، وسأتوقف عند قصتها (اثنان في عرض النهر) المنشورة في مجموعتها (حادثة اغتصاب).

تروي القصة حكاية عاشقين هما (شوقي) و(سهام) يركبان وحدهما زورقاً في رحلة نيلية، فتبهرها عضلاته القوية وهو يجذف، وفي عرض النيل يحدثها عن زواجه الأول الذي انتهى بالفشل، ولا يريد أن يتكرر، رغبت (سهام) في أن يعلمها التجذيف كي تشاركه متعته، فيرفض قائلاً: (هل تنوين التنزه في النيل وحدك؟) وما دام موجوداً فلن تحتاج إليه.. وبعد أن اقتنع كل واحد منهما بالآخر يطلب أبوها أن يتم الزواج في أسرع وقت، لكن (شوقي) يرفض عقد القرآن قبل أن يتعارفا جيداً، ويثق كل واحد منهما بالآخر، فهو لا يريد أن يفشل في الزواج مرة أخرى.

وبينما هما وسط النهر يشعر شوقي فجأة بألم حاد في إحدى كليتيه تحول إلى صرخات حادة، أخذ المطر ينهمر، شعرت سهام بالرعب، صرخت لأن الزورق أخذ يترنح وكاد ينقلب عندها يسلمها المجذافين لتتولى القيادة التي لا تحسنها، قال لها: افعلي ما سأقوله لك، فانصاعت صاغرة، تشتد عليه نوبة المغص الكلوي التي داهمته في غير وقتها.. ينقلب الزورق ويختفي مع العاشقين في جوف النهر دون أن يراهما أحد غير سائق تكسي كان يقف على الشاطئ يمسح زجاج سيارته.

قصة (اثنان في عرض النهر) بطلاها عاشقان لم يقطفا ثمرة الحب بعد، ختم الغرق حياة كل منهما، لأن نوبة المغص الكلوي داهمت الشاب الذي لو قبل أن يعلم عشيقته التجذيف لما وقعت الكارثة، نجوا من من الموت، لكنه القدر الذي كان يقف لهما بالمرصاد.

لقد استطاعت الكاتبة أن تحبك قصتها بمهارة فائقة، وبشكل يحبس أنفاس القارئ ليعرف النهاية، هل ستكتب الحياة للعاشقين وسط الأمواج، أو أن الموت سيصرعهما.

أجمل ما في القصة لغتها الشفافة، وألفاظها المنتقاة بدقة وأناقة وذوق مرهف، بدأتها بقولها: (أرسلت الشمس أشعة دافئة، سرت رعدة اجتاحت جسد سهام، وبعودة الضوء الفار من خلف السحب عادت الطمأنينة إلى قلبها، بعد أن انتابها للحظات خوف مبهم).

وأضافت: (وراحت تشغل بعدها بتأمل الشاطئ الذي يبتعد ويصغر، ويتحول في عينيها إلى ما يشبه اللوحة الزيتية.. لوحة بألوان باستيل داكنة، تراها من خلف غلالة، وخيل إليها أنها لوحة فعلاً، وأن النيل الذي ينزلق من فوقه ليس إلا رسماً، والقارب ليس إلا وهماً).

(الحجاب.. رؤية عصرية)

تقول الأديبة إقبال بركة في مقدمة كتابها (الحجاب.. رؤية عصرية) منذ منتصف السبعينيات وظاهرة انتشار الحجاب بين النساء العربيات تثير فضول الغرباء ـ والكثير من الهواجس والقلق لدى المثقفين المسلمين، وتتابع بكثير من الريبة والتوجس من الإعلام الغربي).

وتضيف: إن الجدل بين المسلمين المعاصرين لا يكاد يتوقف حول قضية الحجاب، وكلما انتهى بين طرفين عاد ليثور بين أطراف أخرى، وبعيداً عن الجدل المستمر بين الطرفين المعارض والمشجع، ما زالت أعداد المحجبات في ازدياد، وما زال الإسلاميون يدفعون بشدة في هذا الاتجاه).

تعتقد السيدة إقبال بركة أن هذه الظاهرة انتشرت، نتيجة لتفشي الفكر السلفي بين الفقهاء المعاصرين، وتقاعسهم عن تقديم تفاسير عصرية تتفق مع التطورات السريعة في المجتمع البشري.. كل هذا والمرأة صاحبة الأمر صامتة لا تشارك، وإن أفصحت برأي فعلي استحياء شديد، كأنها لا تتدخل فيما لا يعنيها، رغم أن الأمر يخصها وحدها قبل غيرها.

وتتساءل بدهشة: (هل صمت المرأة دليل على اقتناعها، أو هو صمت المستسلم المقهور؟! إنه ليس هذا وذاك، بل هو بسبب عدم توفر الوعي لديها، والاعتقاد بأن الحجاب فريضة على كل مسلمة، أو هي مرغمة على ارتدائه دون اقتناع كاف).

وتعترف أنه ثار في منتصف السبعينيات جدل حول وضعية المرأة، وتكررت في الصحف العربية كتابات تهاجم النساء العاملات، وتطالب بعودة المرأة إلى البيت، والاكتفاء بتأدية دور الزوجة والأم، وشاع فكر يهاجم سفور المرأة واختلاطها بالرجال، واشتراكها في الحياة العامة، وينتقد مطالبتها بالمزيد من الحقوق، بدعوى أنه تقليد أعمى للغرب، وله عواقبه الوخيمة على المجتمع الإسلامي والإنساني كله.

ولكي تجد حلولاً لهذه المشكلة المصيرية الحساسة، راحت السيدة إقبال بركة تبحث عن موقف الإسلام من المرأة عبر التاريخ، فعكفت طوال أربع سنوات على قراءة ودراسة القرآن الكريم والسنة النبوية، وكتب الأدب والتاريخ الإسلامي والفلسفة الإسلامية، ومطالعة كل ما كتب عن الحجاب، حتى استطاعت أن تخرج بهذا الكتاب القيم المقنع الذي تناولت في فصوله الثمانية الحجاب في التاريخ، والحجاب في القرآن الكريم، والحجاب في الحديث الشريف، والرق قبل الإسلام وبعده، والحجاب والهوية الإسلامية، وختمت الكتاب بإيراد آراء مؤيدي الحجاب وآراء معارضيه، وناقشت مؤيديه مناقشة علمية منطقية رصينة تقوم على الفهم والوعي والإدراك واستخدام العقل.

 

المصادر:

1ـ د. جوزيف زيدان ـ مصادر الأدب النسائي في العالم العربي الححديث ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 1999.

2ـ إقبال بركة ـ مقدمة كتاب (الحجاب ـ رؤية عصرية) منشورات مؤسسة روز اليوسف ـ القاهرة 2002.

3ـ ذاكرة المستقبل ـ موسوعة المرأة العربية (الجزأ الأول) ـ منشورات المجلس الأعلى  للثقافة ومؤسسة (نور) لدراسات وأبحاث المرأة العربية ـ القاهرة 2002.

العدد 1105 - 01/5/2024