حرص وزارة الاقتصاد على المستهلك يثير الشكوك ويستدعي السؤال: هل الفروج فقط أسعاره مرتفعة؟

أبدت وزارة الاقتصاد خوفاً وحرصاً وحناناً غير مسبوقة على المستهلكين، بسبب  ارتفاع أسعار الفروج في السوق المحلية، فسارعت لإنجاد المستهلك من هذا الارتفاع، بإصدار قرار قيد الدراسة وربما الموافقة بعد حين لاستيراد الفروج المجمّد من العديد من الدول، وبالتالي توفير فروج رخيص الثمن وفق قول وزارة الاقتصاد للمستهلك الذي يعاني ارتفاع أسعاره.

الغريب في الأمر أن إلحاح وزارة الاقتصاد على إصدار قرار لاستيراد الفروج المجمد، يثير كثيراً من الشكوك حوله، وخاصة مع التحذيرات الكثيرة التي أطلقها الاختصاصيون والمتابعون والمربون ووزارة الزراعة أيضاً، حول إصدار مثل هذا القرار، فغرف الزراعة وصفته بأنه سيكون مدمراً لقطاع الدواجن.. ووزارة الزراعة تحفظت على الموافقة، والأغرب من ذلك هو الخوف والحرص على المستهلك بسبب ارتفاع أسعار الفروج المحلي، وكأن الفروج هو فقط المرتفع في الأسعار بالأسواق! أفلم ترَ وزارة الاقتصاد ارتفاع أسعار المواد الأساسية الأخرى كالرز والسكر والبرغل والعدس والدواء والزيوت والسمون والحليب و..، وركزت فقط على الفروج! وهنا نطرح السؤال: لماذا هذا الإصرار على استيراد الفروج؟

دعم المستورد يعني دعم المستهلك

والشيء الأغرب من ذلك هو ما صرحه وزير الاقتصاد محمد ظافر محبك، في صحيفة (الثورة) الحكومية، عندما سُئل عن أن استيراد الفروج سيضر وسيدمّر قطاع الدواجن، فأجاب: إن الإنتاج المحلي تضرر وانتهى الأمر. مشيراً إلى أن أكثر من نصف مداجن سورية باتت خارج العملية الإنتاجية، وتوقفت عن العمل..! والشيء الذي يثير الاستغراب أكثر وأكثر هو ما قاله بأن عملية الاستيراد في حال إقرارها لن تمولها الحكومة عن طريق مصرف سورية المركزي، لأن العملية تهدف إلى دعم المستهلكين لا المستوردين، مع ضمان البيع في الأسواق السورية بسعر التكلفة، مضافاً إليه ربح ضئيل.

وهنا نقف أمام مفارقة اقتصادية غريبة: لن ندعم المستوردين بل سندعم المستهلكين.. كيف سيتم ذلك وفق حسابات وزارة الاقتصاد؟ المستورد في حال لم يتم دعمه وحصوله على القطع المدعوم من المركزي، فإنه سيلجأ إلى السوق السوداء للحصول عليه، وبالتالي زيادة الطلب على القطع الأجنبي ورفع سعر الصرف أكثر وأكثر في السوق السوداء. كما أنه في حال لم يدعم المستورد، فإن المستورد لن يدعم المستهلك، لأنه هو من سيأتي بالمادة لا وزارة الاقتصاد، وهو من سيقوم بتسعيرها حسب تكاليفها وتكاليف القطع الأجنبي الذي سيحصل عليه من السوق السوداء. وفي هذه الحال فإن أسعار الفروج المجمد المستورد ستكون موازية أو مرتفعة عن أسعار الفروج المحلي، لأنها ستسعر وفق دولار السوق السوداء، فلا يمكن فصل الجانبين أحدهما عن الآخر.. فدعم المستورد يعني دعم المستهلك.

ونسأل أيضاً: كيف سيباع لحم الفروج المجمد المستورد بنصف القيمة؟ وأكبر دليل على عدم قدرة هذا القرار على كسر حدة أسعار الفروج هو ما اتُخذ سابقاً من استيراد لحوم الجاموس المجمدة والمستوردة.. فحالياً أسعارها مرتفعة وهي تتقارب مع أسعار لحوم العجل المحلي. أي أننا لم نستفد من القرار في شيء، صحيح أنه أصبح هناك خيارات أمام المستهلك في استهلاكه للحوم الحمراء من عجل وجاموس وغنم وغيرها، إلا أن المستهلك لم يعد بمقدوره شراء لحم الجاموس المستورد، كما أن قرار استيراد لحم الجاموس لم يضر بمربي الأغنام والعجل على عكس ما سيحدث في قرار استيراد الفروج المجمد الذي سيدمر القطاع، كما قالت غرف الزراعة السورية.

القرار ونتيجة انتقاده من أكثر من جهة، سيُرفع إلى اللجنة الاقتصادية لدراسته ومناقشته، وأعتقد لإقراره أيضاً، وهنا لا بد من الوقوف على بعض النقاط حيال هذا القرار في حال إصداره.

بداية إن المتتبع لتاريخ الثروة الحيوانية في سورية، وخاصة بما يتعلق بتربية الدواجن، يجد أن سورية استطاعت أن تتحول عبر عشرات السنين من مستورد لهذه المادة إلى مصدر لها بامتياز، واستطاعت أن تحقق اكتفاء ذاتياً لهذه المادة، وقامت بتصدير المليارات من البيض والأطنان من لحوم الفروج، الأمر الذي يؤكد أن سورية تمتلك مقومات كاملة للتفوق في هذا المنتج، بل وتحقيق قيمة مضافة والاستمرار بها. وقد بدأ قطاع الدواجن في سورية سنة ،1970 وكان الإنتاج في السبعينيات نحو 12 ألف طن من لحم الفروج و270 مليون بيضة، وكانت سورية تستورد جزءاً كبيراً من حاجتها، ولكن في بداية الثمانينيات انتقلت من الاستيراد إلى الاكتفاء الذاتي، ثم انتقلت في عام 2000 إلى التصدير.

القرار سيصطدم بالعديد من الأمور

وفي حال أُصدر قرار استيراد الفروج المجمد، فإن هذا القرار من شأنه أن يصطدم بالعديد من الأمور في السوق المحلية، وأهم هذه الأمور أنها ستؤثر بالدرجة الأولى على المربين المحليين، إذ يبلغ إجمالي عدد المداجن 9633 مدجنة، موزعة في جميع المحافظات، منها 6549 مدجنة مرخصة، و3084 مدجنة غير مرخصة، وذلك وفق إحصائيات وزارة الزراعة عام 2011. وبالنظر إلى هذا الرقم فإن ما يقدر ب9000 مدجنة موزعة على محافظات سورية، يعني أن الرقم يشير إلى أن هناك آلاف الأسر يعتاشون من وراء هذه المداجن، إذ يقدر عدد العمالة في هذا القطاع ما يقارب مليوناً و300 ألف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر، فهناك عمليات النقل والتوضيب وغيرها من شأنها أن تعمل على توفير فرص العمل. وفي حال استوردنا الفروج فإن المداجن ستتأثر، وبالتالي سيخرج ما بقي منها من الإنتاج وستزداد البطالة أكثر وأكثر. كما أن المستهلك المحلي سيثير الشكوك من حيث طريقة الذبح الحلال أو علفه وكميات الهرمونات التي يحتويها أو صلاحيته للاستهلاك وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى فنيين واختصاصيين. كما أن استيراد الفروج لفترة محدودة سيؤدي إلى تراجع الأسعار لفترة محددة فقط، ولكنها ستعاود الارتفاع ثانية بحجة ارتفاع سعر الدولار. وهنا نكون قد حصدنا آثاراً سلبية من هذا القرار، سواء من حيث زيادة الطلب على القطع لاستيراده، أم من حيث عدم تحقيق الغاية من القرار، وهي خفض أسعار الفروج. كما أن المربين سيصابون بالإحباط، وبالتالي ستتراجع عملية الإنتاج، وربما ترتفع أسعار الفروج المحلي أضعافاً مضاعفة بعد إيقاف الاستيراد، وذلك تعويضاً عن الخسائر التي حققها القرار. مع الإشارة إلى أن الزراعة أكدت أن سعر الفروج سيشهد انخفاضاً خلال الأيام القليلة المقبلة، نتيجة عدم استخدام المربين لمادة المحروقات في التدفئة.. وفعلاً بدأنا نلاحظ هذا الشيء إذ انخفض الفروج بحدود 100 ليرة للكيلو الواحد، وهو مرشح للانخفاض أكثر، وبالتالي فإذا وُجد الماء بطل التيمم، أي بما أن سعر الفروج انخفض، فلا داعي لإصدار قرار باستيراد الفروج المجمد.

إن الظروف الراهنة التي تمر بها سورية أثرت تأثيراً كبيراً على قطاع الدواجن، وأدت إلى إغلاق العديد من المداجن في شتى المحافظات المنتجة، سواء في ريف دمشق أو حمص أو درعا وغيرها. وبحسب غرف الزراعة السورية فإن عدد المداجن التي خرجت من الخدمة حالياً نتيجة الأحداث الاستثنائية التي تمر بها سورية تتراوح بين 25 و35 % من إجمالي عدد المداجن في سورية، وبالتالي انخفاض حجم الإنتاج 45% تقريباً، معظمها يذهب للقطاع السياحي الفنادق  المطاعم، ولكن نسبة ليست بقليلة مازالت ضمن عملية الإنتاج، وهي قادرة على تغطية حاجة السوق بعض الشيء.

وفي حال قام المصرف المركزي بتمويل استيراد الفروج المجمد، فإن الأجدى أن يموّل ويدعم مستوردات العلف الخاصة بالدواجن، لأن أغلبية الخلطة العلفية الخاصة بالدواجن تأتي مستوردة، وهذا ما أثر على أسعار الفروج في السوق المحلية، إضافة إلى الأحداث الراهنة وإغلاق المداجن وصعوبة عمليات النقل وقلة المحروقات وارتفاع أسعارها وانقطاع الكهرباء وغيرها من الأمور.

لذا فإن دعم قطاع الدواجن وتمويل منتجيها أفضل بمراحل من تمويل مستوردات الدواجن وأكثر جدوى، ما دام الغرض منها هو سد الفجوة الحاصلة بين الإنتاج والطلب في السوق المحلية.

العدد 1104 - 24/4/2024