ازدواجية الشباب

شباب في عمر الورود، براعمها متفتحة على ندى الحياة في كل اتجاه، غير أن تلك الورود ربما ترعرعت في مشاتل الإكثار والتهجين، في زمن الشعارات والحرية والمساواة، فباتت تحمل ألواناً رائعة الجمال، لكنها خالية من عبيرها الذي يُفترض أن يملأ الأفق شذاً وعطراً.

هو في الظاهر شاب منفتح، مقبل على الحياة بكل بهاء وانطلاق، له أسلوب عيش مختلف عما عاشه ومارسه والده، يؤمن بالعلم طريقاً لخلاصنا من التخلّف، كما يؤمن بحق المرأة في الحياة مثله تماماً.

يؤمن بالصداقة بين الجنسين، وله العديد من الصديقات والزميلات يقنعهن بأفكاره المتحررة ويتعاطف معهن. يعزز مبدأ التشاركية معهن في كل مهمة أو نشاط.

لكنه، وعندما ينخرط في الحياة العملية- الواقعية، نجده للأسف رجلاً آخر مختلفاً عمّا أعلنه ومارسه وهو في أطوار الحياة الأولى، صحيح أنه رجل يرتدي الجينز، ويصفف شعره بطريقة عصرية، لكنه في نفس الوقت رجلٌ بأفكار قديمة وعقيمة طالما انتقدها سابقاً، وكل ما هو محلل له محرّم على غيره، لا يلبث أن يخلع قناعه العصري، رافضاً أن يكون لأخته عالمها وصداقاتها بحجة أنه عانى الكثير مما رآه من فتيات هذا العصر.

هو ذلك العاشق الذي يقدّس الحب ويقدره، وفي ذات الوقت هو ذلك الشاب التقليدي الذي يُبعد الحب عن قاموسه إذا ما فكّر في الزواج، فيتجه حينئذٍ إلى المرأة بطريقة تقليدية، تمنحه امتيازات كثيرة، وتوفر له احتياجاته وأسباب رفاهيته وراحته الذكورية التي يعمّقها المجتمع بمختلف قيمه، وهذا ما يُلائم تطلعاته المستقبلية. أمّا مع أطفاله فيتعامل كما تعامل والده وجدّه، متّبعاً أساليب تربوية عفا عليها الزمن ليعطينا أجيالاً غير متوازنة مع الحياة العصرية. 

أمّا الفتاة التي تعيش على الغالب اضطهاداً وتمييزاً أسرياً يقضُّ مضاجع تطلعاتها، تجدها في الواقع لا تقلُّ عن الشاب مراوغةً في كل الأمور السابقة، وليست بريئة من تهمة الازدواجية، فهي مهما تبجّحت بالأفكار التحررية، ومهما آمنت ظاهرياً بحياة بسيطة عندما تعيش حالة حبٍّ، نجدها تتنازل عما تؤمن به تدريجياً لتقوم بتكريس الدور التقليديّ تجاه نفسها أولاً عبر اشتراطات خيالية في حال فكّرت أو أقدمت على الزواج، معلنةً أنها لا تريد أن تعيش حياةً قاسية متقشّفة، وتتنازل عن حقّها في العمل لأن الرجل هو المسؤول عن تلبية احتياجات الزواج والأسرة، مكتفية بدور الأنثى التي تنتظر مُعيلها وهي في أبهى زينتها ودلعها، متناسية أن العمل حق طبيعي للإنسان قبل أن يكون بدافع الحاجة المادية، إضافة إلى أن الحياة الاقتصادية الصعبة اليوم لم تعد تمكّن الرجل من الوفاء بالتزاماته منفرداً، وأن الحياة العصرية قائمة على التشاركية بينهما. وعندما تُصبح أمّاً نراها تعزز التربية التقليدية- التمييزية تجاه أبنائها، ولا تسمح لابنتها بأن  تنطلق في الحياة أو أن تتنفس هواء الحرية أبداً بذريعة أنها لا تريد لابنتها أن تحترق بنيران المجتمع.

فهل ينهض شبابنا من سُبات ازدواجيتهم؟ وهل يستيقظون على التصالح مع أفكارهم عن المساواة والتحرر، ليرتقوا بأنفسهم والمجتمع..؟؟؟

العدد 1107 - 22/5/2024