مجموعة «أصدقاء سورية» وحقيقة الموقف من جنيف 2

رغم اللقاءات الثنائية على هامش أعمال الدورة السنوية ال62 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتصريحات التي رافقتها وأعقبتها لمسؤولي العديد من الدول العالمية المقررة، وبضمنها لقاء وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي جون كيري، الذي تمحور حول موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2 لا حول مبدأ انعقاده، فإن اجتماع مجموعة ما يسمى بـ(أصدقاء سورية) في العاصمة البريطانية لندن (22 تشرين الأول)، أمسك العصا من منتصفها، بتأكيده ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية، ووضعه شروطاً مسبقة مرفوضة للمشاركة في مؤتمر جنيف 2.

اجتماع ما يسمى بمجموعة (أصدقاء سورية) (تضم مصر، الأردن، قطر، السعودية، الإمارات، تركيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا)، أعلن في بيانه الختامي الذي تلاه وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، عن توافقه على (عدد من الخطوات الهامة)، وأهمها (أن تصدر عن مؤتمر جنيف 2 تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة تشمل الأمن والدفاع والبنى الاستخباراتية)! وأشار أيضاً إلى أنه (برغم التحديات، حثثنا (الائتلاف) السوري على التعهد بالمشاركة في مؤتمر جنيف ،2 وتشكيل نواة وفد المعارضة.. إن جنيف2 يقدم للشعب السوري أفضل الآمال.. نعبر عن قلقنا المتنامي حيال تقدم التطرف والمجموعات المتطرفة).

وسبق البيان الختامي إعلان كيري أنه (من دون حل تفاوضي، فإن المجزرة ستستمر وربما تتصاعد)، فيما أكد هيغ أن (لا حل عسكرياً للحرب لن يكون هناك حل سياسي وسلمي في سورية، من دون مشاركة المعارضة (المعتدلة)). وتصريح لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي: (نأمل أن ينعقد جنيف ،2 لأن الحل الوحيد للنزاع السوري هو سياسي). هذه العبارات الوسطية في تعاطيها مع الحل السياسي وضرورته، المتلخص في عقد مؤتمر جنيف 2 من جهة، ومواصلة المماطلة (الغربية) والأمريكية في عقده من جهة أخرى، وبالتالي استمرار العنف والأزمة بكل أشكالها وصيغها وانعكاساتها على سورية دولة، وبنى تحتية، وتخريباً، تفجيرات، واغتيالات.. إلخ، وهذا ما يشكل بمجموعه تناقضاً مع (التفاهم) الروسي- الأمريكي حول عقد مؤتمر جنيف2 وأساسه وطبيعة المشاركين فيه وأهدافه أيضاً.

وترافقت هذه التصريحات والإعلانات الوسطية الصادرة عن العديد من ممثلي اجتماع (أصدقاء سورية) مع تصريحات رئيس (الائتلاف) السوري المعارض أحمد الجربا، الذي أعاد شخصنة الأمور: (لا تفاوض من جانبنا، إلا عبر شروط ثابتة، هي الانتقال الكامل للسلطة بكل مكوناتها، ورحيل (الرئيس الأسد).

اجتماع (أصدقاء سورية) في لندن أظهر مرة أخرى، عدم استخدام الدول الغربية المقرِّرة بعد لإمكاناتها وتأثيرها، حتى تاريخه على الأقل، على الدول الأكثر تشدداً وتطرفاً، وبخاصة الأدوات والوكلاء المحليين (الصغار) (السعودية، تركيا، قطر)، وعلى (المعارضات) الخارجية المرتبطة. ولا نتحدث هنا عن (التأثير) على المجموعات المسلحة والتكفيرية الرافضة أصلاً لمؤتمر جنيف ،2 والتي تشكك بتمثيل (الائتلاف) وغيره من المعارضات السياسية الوطنية أو الخارجية.

كما أظهر الاجتماع حجم التباين وصولاً إلى التناقض بين مواقف الوكلاء المحليين، وأطراف في (المعارضات)، فضلاً عن مواقف المجموعات المسلحة مع (التفاهمات) الروسية- الأمريكية، وتالياً الغربية، حول ضرورة عقد مؤتمر جنيف ،2 واعتماد الحوار والحل السياسي. وهذا ماتؤكده التباينات الأمريكية- السعودية خصوصاً، حول طبيعة التعاطي مع الأزمة السورية وكيفية وآليات حلها.

وتزداد أهمية هذه الخريطة لأوضاع الطرف الآخر (الغربي) – الأمريكي- السوري (المعارض) ومواقفه، في الوقت الذي قبلت فيه سورية بمؤتمر جنيف ،2 دون شروط مسبقة، وأن التفاهمات فيه ستخضع لاستفتاء شعبي سوري. وأيدته أيضاً وتعمل من أجل عقده روسيا والصين وإيران وما يمثلونه دولياً، وخاصة في ظل  ازدياد عدد الدول المؤيدة للحل السياسي للأزمة السورية، فضلاً عن الحرج والارتباك الذي يسود مواقف الوكلاء والأدوات المحلية والتباينات، وصولاً إلى التناقض في مواقف (المعارضات) والمجموعات المسلحة والتكفيرية أيضاً، حول سبل حل الأزمة السورية وأسسها. هذه الوسطية المتباينة والمختلفة في كيفية تعاطيها مع إشكاليات الأزمة السورية، تساعد، إن لم تكن تعمل، على إطالة عمر الأزمة، وتبعاتها اقتصادياً واجتماعياً.. إلخ. وهذا ما يحاول الوكلاء المحليون وأطراف في (المعارضات) المرتبطة والمجموعات التكفيرية إدامته، بهدف إنهاك سورية، دولة ومؤسسات، وانعكاساتها على الوضع السوري عموماً.

هذا في الوقت الذي يزداد فيه هذا الوضع السوري وانعكاساته سلباً على جهود المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي وجولته في المنطقة، وتصريحاته حول استحالة الحل العسكري، وضرورة الحوار والحل السياسي، ممثلاً بمحطة جنيف ،2 مدخلاً للتعاطي السياسي مع الأزمة السورية وتبعاتها محلياً ودولياً أيضاً.

ونضيف في هذا السياق الردود الروسية والدولية الإيجابية تجاه سلبية مواقف اجتماع مجموعة (أصدقاء سورية) التي أعلن عنها، خصوصاً وزير الخارجية الروسي لافروف، وجوهرها (التفاهمات) حول مؤتمر جنيف 2 وطبيعته والأهداف المتوخاة منه، ورفضه للازدواجية والنفاق اللذين يتعاطى بهما معه (الغرب) والولايات المتحدة، وذلك (يتسق) مع موقف رافضي جنيف ،2 أو لا يمارس تأثيره المطلوب على الأدوات المحلية والإقليمية، وعلى الأطراف (المعارضة) على اختلافها، حول مؤتمر جنيف ،2 بوصفه مدخلاً لحل الأزمة السورية.

إذاً، هناك اتجاهان متباينان في التعاطي مع الأزمة السورية، جوهرهما كيفية التعاطي معها، والأهداف المتوخاة من إدامتها، أو إطالة عمرها، وما تسببه من أضرار إضافية على الواقع السوري بمكوناته وتبعاته.

ما بين الموقف (الغربي) – الأمريكي، الذي يحاول الجمع بين (التفاهم) مع روسيا من جهة، والحفاظ على ماء الوجه، في التعاطي مع الوكلاء و(المعارضات) على اختلافها من جهة ثانية، فضلاً عن مصلحتها الفعلية في إدامة الأزمة السورية وإطالة عمرها، رغم تأثيرها السلبي (سورياً ومحلياً ودولياً) في سياق التباينات والتناقضات الجارية (معارضة) وتحالفاتها أيضاً.

هذا في الوقت الذي تواجه فيه هذه الأطراف محلياً وإقليمياً ودولياً حراجة في الموقف ما بين الإعلان الرسمي (النظري) الغربي عن تأييده للحل السياسي، بوصفه خياراً وحيداً، وبين عدم الفعل، وعدم السعي العملي إلى تكريس هذا التوجه، بدءاً من أطراف الحالة السورية (المعارضة) على اختلافها، إلى طبيعة تحالفاتها الإقليمية، وامتداداتها الدولية.

ويبرز مرة أخرى في هذا الإطار، التشديد الرسمي السوري على قبوله المشاركة في جنيف ،2 والتأييد الدولي الإيجابي لهذا الموقف، بوصفه المدخل للحل السياسي، وبخاصة المواقف الروسية – الصينية وما تمثلانه دولياً. فهل بات انعقاد مؤتمر جنيف 2 هدفاً بحد ذاته، أم مقدمة فعلية لنقاش الأزمة السورية، وكيفية التوافق على أسس حلها؟

العدد 1105 - 01/5/2024