شحادة الخوري.. الأديب والباحث المعطاء

شحادة الخوري أديب وباحث وناقد ومترجم ومربّ معطاء، وعضو مجمع اللغة العربية بدمشق، ورئيس اتحاد المترجمين العرب.. ولد في بلدة (صيدنايا) التاريخية في 18 تشرين التاني عام 1924 من أبوين مناضلين هما الخوري أغابيوس (حبيب) الخوري وبربارة الصفدي من معلولا، وكان رابع أبناء أسرته المؤلفة من خمسة ذكور وابنتين.

تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة (صيدنايا)، وكان من أساتذته فيها الأديب إليان ديراني (1909-1991) وبعد أن أنهى الصف الرابع أدخله والده المدرسة الأرثوذكسية (الآسية) بدمشق، فمكث فيها سبع سنوات، إلى أن نال الشهادة الثانوية (القسم الأول) عام ،1942 وبما أنها كانت مدرسة وطنية وقومية متفتحة، وينتمي أساتذتها وطلابها إلى أديان وطوائف وفئات متعددة، فقد غرست في نفسه حرية التفكير والتعبير، وأتاحت له المشاركة في الحركة الوطنية للتخلص من الانتداب الفرنسي، وكان من أبرز أساتذته فيها: فارس الخوري وجميل صليبا، وميشيل فرح الذي درسه الأدب العربي.

في عام 1943 انتقل إلى التجهيز الأولى (جودت الهاشمي) لدراسة البكالوريا (القسم الثاني) وبعد نيلها دخل معهد الحقوق في الجامعة السورية، وتخرج عام 1947 وكان من أساتذته فيه سامي الميداني، ونادر الكزبري، وأحمد السمان، وبعد سبع سنوات قضاها في تدريس اللغة العربية وآدابها، مع أنه يحمل شهادة الحقوق، انتسب إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب عام 1954 وتخرج عام 1957 وكان من أساتذته فيها: أمجد الطرابلسي، وشكري فيصل، وسعيد الأفغاني.

في عام 1942 أدار مدرسة (قطنا) الخاصة، وفي عام 1945 انتقل إلى دمشق، ودرس اللغة العربية في إعدادية البنات بالآسية، وفي عام 1947 انتقل إلى العمل في التعليم الرسمي، فعين في حلب حيث درس التاريخ والتربية الوطنية، وعمل في الوقت نفسه في المحاماة مع المحامي فتح الله أسيون، وفي عام 1949 عاد إلى دمشق وتولى التدريس في ثانوياتها الرسمية والخاصة. لقد أحب الأستاذ شحادة مهنة التدريس، وكان يجد متعة كبيرة في تدريس اللغة العربية، التي ألف أصواتها وألفاظها منذ الصغر، فخالطت مشاعره وتفكيره وصار يؤمن بأنها الرباط الأقوى بين أبناء الأمة العربية.

في عام 1950 تزوج من نهى عرموني التي كانت إحدى طالباته، ورزق منها صبياً وابنتين تفوقوا كلهم في دراسة الطب والأدب الفرنسي، وفي عام 1960 انتقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم إلى وزارة التعليم العالي عام 1969 ليتسلم منصب مدير التأليف والترجمة والنشر، وخلال عمله في وزارة الشؤون الاجتماعية، انتخب عضواً في المجلس الأرثوكسي البطريركي مدة أربع سنوات من 1955 إلى ،1959كما انتخب مرة ثانية فيه عام 1965.

في عام 1981 اختير ليكون خبيراً لوحدة الترجمة بإدارة الثقافة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية بتونس، وخلال عمله في هذه المنظمة أسهم في دراسة عمل مكتب تنسيق التعريب بالرباط التابع لها، واشترك في لجنة الحوار العربية الأوربي ـ الجانب الثفافي، وقد شكل عمله في هذه المنظمة لمدة ثماني سنوات منعطفاً مهماً في حياته الفكرية، ولما انتهى عمله فيها عام 1989 عاد إلى دمشق، وأتم بعض الدراسات التي كان قد بدأها سابقاً، وأعد دراسات أخرى، ألقى العديد منها محاضرات في المراكز الثقافية والنوادي الاجتماعية والثقافية، كما نشر بعضها في المجلات والصحف السورية والعربية.

في عام 1950 أسس رابطة الكتاب السوريين، مع كل من الأدباء، والكتاب: شوقي بغدادي، نبيه عاقل، حنا مينه، مواهب كيالي، حسيب كيالي، سعيد حورانية، إليان ديراني، غسان الرفاعي، ممدوح  فاخوري، صلاح دهني… ثم انضم إليها أنطون حمصي، عبد المعين الملوحي، ثابت مدلجي، محمد الحريري، عادل أبو شنب، فاتح المدرس، نصوح فاخوري وآخرون.. وكانت تلك سبيل الأدب الملتزم بقضايا الإنسان: الحرية والعدالة والإخاء من خلال النهج الواقعي.

في عام 1954 دعت الرابطة إلى عقد مؤتمر في دمشق، حضره عدد من الأدباء السوريين والمصريين واللبنانيين والعراقيين والأردنيين، وصار اسمها (رابطة الكتاب العرب)، لكن الظروف السياسية أجبرتها على حل نفسها عام 1959 ليحل ملحها عام  1969 اتحاد الكتاب العرب، فانتسب إليه بتاريخ 22 كانون الأول 1969 واختار جمعية البحوث والدراسات.

في عام 2002 انتخب رئيساً لاتحاد المترجمين، ومقره في بيروت، وفي 30 آذار 2002 انتخب عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية بدمشق، أخذ يشارك في لجانه، ويحضر مؤتمراته السنوية.

نال عدداً من شهادات التقدير، من المجلس الأعلى للعلوم 1976 واتحاد الكتاب العرب 2008 وجامعة الفاتح في ليبيا 2009 والمجمع التونسي للعلوم والفنون 2005 والجمعية الكونية السورية 2005.

كما حضر وشارك في عشرة مؤتمرات، وتسع عشرة ندوة في كل من سورية والمغرب وتونس والجزائر والسودان ولبنان حول تعريب التعليم في الوطن العربي، وواقع الكتاب ا لعربي والترجمة ووضع المصطلحات ومعالجتها وتعميم استخدامها، ومكانة اللغة العربية بين اللغات العالمية والترجمة ودورها في خدمة الحضارة، والإعلام والتربية ودورها في تعزيز القيم العربية الأصيلة، وتعريب التعليم العالي وغيرها.. ونشر أكثر من مئة مقالة في الصحف والمجلات السورية والعربية في موضوعات شتى.

آثاره الأدبية

1ـ حول المرأة (بالاشتراك) دمشق 1947 و1976.

2ـ الأدب في الميدان ـ دمشق 1950.

3ـ فصول في الأدب والاجتماع والتربية والثقافة والحياة ـ دمشق 1956.

4ـ تعريب التعليم الطبي والصيدلي في الوطن العربي ـ بيروت 1987.

5ـ الترجمة قديماً وحديثاً ـ تونس 1988.

6ـ دراسات في الترجمة والتعريب والمصطلح (ثلاثة أجزاء) دمشق 1989.

7ـ القضية اللغوية في الجزائر وانتصار اللغة العربية 1991.

8ـ معجم اللغة العربية المحيط (بالاشتراك) باريس 1992.

9ـ قصة الأيام والشهور والأرقام وتسمياتها ـ دمشق 2001.

10ـ ترجم ثلاثة كتب عن الفرنسية هي: الحرس الفتي 1954 و(الاتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية) 1977 والتجديد في تدريس العلوم) 1984.

هناك عدد من النقاد تناولوا مؤلفاته المنشورة، وأثنوا على الجهود المبذولة فيها أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: أنيس الخوري المقدسي في كتابة (الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث) وجميل صليبا في كتابه (اتجاهات النقد الحديث في سورية)، وحنا عبود في كتابه (المدرسة الواقعية في النقد العربي الحديث). وسيف الدين القنطار في الأدب العربي السوري بعد الاستقلال) وروبرت كامبل في (أعلام الأدب العربي المعاصر)، وعبد الغني العطري في (حديث العبقريات) وغيرهم.. إضافة إلى ما نشرته عنه مجلات: الجالية العربية بلوس أنجلوس، والضاد، والثقافة، وكلمات في أستراليا، والمرأة العربية، وعصا الجنة. والأديب، وجرائد تشرين والأسبوع الأدبي وحمص وأبناء العرب.

تواصل الثقافات

يقول تحت عنوان (تواصل الثقافات): إن اتصال الثقافات، بعضها ببعض، وتأثر الواحدة بالأخرى أمر قائم منذ القدم، لأن من طبيعة الإنسان حب المعرفة والتعرق لاستكناه المجهول. يطلب الحكمة حيث يجدها، ويلتمس العلم أينما يلقاه، ويركب المخاطر لبلوغ الحقيقة، وكذلك الجماعات كالأفراد تتطلع دوماً إلى الأصوب والأفضل والأجمل، وتسعى جاهدة لتجاوز ذاتها واللحاق بالسابقين.

وعلى هذا الأساس، ومن هذه المنطلقات، كان تماس الثقافات ببعضها، وكانت المثاقفة في كل مراحل التاريخ، لأنها عملية التلاقي والتفاعل والتأثير والتأثر والحوار الإيجابي التي تحدث بين نمطين ثقافيين أو أكثر في لحظات تاريخية محدودة، في مجالات متعددة، وعلى مستويات مختلفة.

ويقول عن الترجمة إنها قديمة قدم المجتمعات البشرية، لأنها وسيلة الاتصال والتفاهم بين كل جماعة تتكلم، بلسان ما، والجماعات الأخرى التي تتكلم بألسنة مختلفة. ودواعي الاتصال والتفاهم بين الشعوب والأمم كثيرة في أيام السلم وأيام النزاع على السواء.

ولكن ماذا نترجم اليوم؟ نترجم الكتب التي تلبي حاجة أساسية لفئة من القراء، أو تلبي متطلبات التقدم والرقي اللذين ينشرهما المجمتع العربي، والكتب التي تسهم في تنمية الثقافة العلمية وتزيد المهارة التقنية، مع مراعاة الحداثة بالنسبة إلى الكتب العلمية، لأن لهذه الكتب أعماراً تقصر، باستمرار بسبب التطور السريع الذي يطرأ على المعارف العلمية، وأخيراً الكتب الموسعة التي تجمع شتات المعرفة في ميدان واحد، وتعد مراجع في موضوعها.

العدد 1105 - 01/5/2024