في إطار احتفالات الحزب الشيوعي السوري الموحد بالذكرى التسعين للتأسيس.. الأمين العام للحزب لـ«النور»: الدفاع عن الوطن ضد الإرهاب والعدوان أولاً

مؤتمر الحوار الوطني يؤسس لمستقبل سورية  المصالحات خطوة في الاتجاه الصحيح

حماية الوطن وحرية المواطن ومصالح الجماهير … جوهر سياسة الحزب منذ تأسيسه

مأساة إنسانية يعيشها الشعب السوري منذ ثلاثة أعوام ونيف، حملت جزءاً منه على أن ينزح، إما داخلياً أو خارجياً، بحثاً عن مأوى يقيه شر الاقتتال الدائر على أرضه، التي تحولت بين ليلة وضحاها من بيئة تنمو فيها طلائع التقدم، إلى ساحات جهاد للرايات التكفيرية.

القوى السياسية التي يقع عليها العبء الأكبر في إيجاد السبل لرأب الصدع، وتوحيد الكلمة، وتحكيم العقل، نجدها عاجزة أمام غلبة السلاح، والحلول الأمنية، والتدخلات الخارجية.

قي هذا الحوار مع الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد الرفيق حنين نمر، نطرح جملة من الأسئلة المتشعبة في الطروح والمتمركزة في المضمون حول كيفية الخروج من المأزق الحالي بوطن موحد ذي سيادة، يحميه شعب يتمتع بحقوقه الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية ويعيش موفور الكرامة.

ويأتي هذا الحوار في إطار الاحتفال بالذكرى التسعين لميلاد الحزب الشيوعي السوري، وهو الحزب ذو التجربة التاريخية الطويلة والمعمقة.. كل ذلك دفعنا لأن نجري هذا الحوار، عسانا نسهم بما تحمله (الأسئلة والأجوبة)، مع الساعين من القوى الوطنية والتقدمية الخيرة في إيجاد معالم الطريق نحو سورية الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية.

حلل الحزب الأزمة في بداية الأحداث بأنها أزمة مركّبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبأنه نشأ تعارض ما بين الصيغة السياسية التي كانت تدار فيها البلاد على مدى العقود الأربعة الماضية، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية.. اليوم بعد مضيّ ثلاث سنوات ونيّف، ما هي رؤيتكم لما جرى؟

هناك نقاش في البلاد حول طبيعة ما جرى منذ آذار 2011. البعض يركز على أن السبب هو داخلي بحت، لكن ذلك من وجهة نظرنا يتعارض مع الواقع، فهل تدفُّق نحو 200 ألف متسلل مرتزق من الخارج، والتسليح والتمويل الهائلان، والتدخل الفظ والمكشوف من قبل الدول العظمى الاستعمارية وأتباعها في الخليج أو تركيا، والتي يصل عددها جميعها إلى قرابة ثمانين دولة متدخلة بشكل أو بآخر، هل كل هذا هو من الأمور الداخلية؟

والبعض الآخر يعزو الأمر إلى التدخل الخارجي فقط، وهذا خطأ أيضاً، لأنه لا يأخذ بالحسبان الأخطاء الداخلية التي تحتاج إلى من يشير إليها ويعالجها بحيث تقطع الطريق على القوى الرجعية المتواطئة مع الغرب، لكي لا تستفيد من هذه الأخطاء وتستغلها في تكوين حاضنة وتربة خصبة لها.

وأنا أرى أن ما قلناه ونشرناه آنذاك ما يزال يحتفظ بصحته، حسب ما شاهدنا طوال الأربعين شهراً الماضية، ولكن ما نلاحظه اليوم هو ازدياد وزن العامل الخارجي في أزمة البلاد، فقد تدوّلت الأزمة السورية وأصبحت أحد عوامل التوتر الدولي الذي يسود العالم، وخاصة بعد ظهور التنظيمات الإرهابية التكفيرية، التي أصبحت جزءاً مكوناً من الأزمة المتفاقمة في بلادنا.

مع بداية الأحداث كانت مقررات المؤتمر الحادي عشر للحزب تصاغ، وخلص المؤتمرون حينذاك إلى ثلاثة مبادئ: (حماية الوطن، حرية المواطن، مصالح الجماهير)، برأيك هل عمل الحزب وفق روحية هذه المبادئ الثلاثة؟

هذه المبادئ الثلاثة لم يخترعها أحد الآن، بل هي جوهر عملية نشوء الحزب منذ 90 عاماً، وجوهر ممارساته ونشاطه وبرامجه طيلة تلك السنين.

ولا يوجد في الحياة عمل كامل مجرد عن النواقص والأخطاء، إلا أن تركيزنا على مسألة الدفاع عن الوطن واعتبارها تمثل التناقض الأساسي بين شعبنا ومخططات الغرب الاستعماري – هو أمر طبيعي، فمن لا يدافع عن وطنه لا أتصور أن يكون صالحاً للدفاع عن شيء آخر، لا عن الديمقراطية، ولا التقدم الاجتماعي.. والمسألة الوطنية هنا تختصر كل المسائل، لأن طبيعة الصراع الجاري حول سورية هو صراع بين الهيمنة على الشعوب، وحرية الشعوب، وهذا بحد ذاته صراع طبقي وحضاري واجتماعي ووطني وأممي في آن واحد.

لقد كنا حريصين على التعامل مع هذا الموضوع بدقة بالغة، فلا نقبل أن يعلو أي صوت يستخف بالسيادة الوطنية، أو يستقوي بالخارج ضد وطنه، وهذا ما فعله بعض الذين تاهوا في الصحراء وضيّعوا بوصلتهم، وللأسف كان بعضهم ينحدر من أصول يسارية.

تجري في بعض المناطق عمليات مصالحة وطنية، برأيك ما مدى فاعليتها؟ والمصالحة السياسية على أي أسس يجب أن تقوم؟

مهما قيل عن هذه المصالحات، فإنها خطوة في الاتجاه الصح. إن طموحنا يمتد إلى رفع سوية هذه المصالحات إلى المستوى السياسي، فهذا المستوى هو الأمكن والأقدر على تحقيق الهدف الأساسي لكل الشعب السوري الآن، وهو تصفية الإرهاب، وحماية الوطن، وعودة السلام والأمان إلى ربوعه، وحل أزمة المهجرين وتأمين الشروط الإنسانية لهم وتأمين الشروط المناسبة لعودتهم إلى الوطن، وذلك كله يحتاج إلى حل سياسي، وإلى إجراء تغييرات شاملة بطريقة سلمية نحو الدولة الديمقراطية التعددية، المدنية والعلمانية، ولكن المصالحات تبقى الخطوة الأولى التي لابد منها للدخول في مراحل الحل السلمي.

يعد الحزب الشيوعي السوري الموحد إحدى القوى السياسية التي كانت تطالب بحقوق الأكراد، وتضمنت وثائق الحزب الاعتراف بالحقوق الثقافية والمواطنة للشعب الكردي، ولعب الشيوعيون في محافظة الجزيرة السورية دور التهدئة في كثير من الأحداث التي جرت سابقاً.. برأيك لماذا لم يتمكن الحزب من لعب دور الوساطة في حل المشكلة التاريخية للأكراد؟ وما هو مصير الأكراد اليوم؟

إننا مرتاحون لأننا قمنا بواجبنا تجاه قضية الإخوة الأكراد في سورية.. فقد وضعنا مطلبهم الأساسي الذي هو إلغاء نتائج إحصاء 1964 بين يدي السيد رئيس الجمهورية، وتقدمنا بمذكرة خطية لسيادته أثناء لقاء المكتب السياسي للحزب معه بتاريخ 6 حزيران 2006 وكانت استجابته فورية، فأوعز إلى الجهات الإدارية المختصة للتعاون مع حزبنا لاستكمال تنفيذ الموضوع، والآن تعتبر هذه القضية محلولة، وأعتقد أن إخوتنا الأكراد يعلمون كل هذه التفاصيل.

أما باقي مطالب الإخوة الأكراد، فهي من النوع الذي يمكن حله، وقسم منها يدخل ضمن مطالب الشعب السوري في باقي المحافظات في إطار حقوق المواطنة والمساواة الأخوية.

من الحلول التي يقدمها الحزب للخروج من المأزق الحالي عقد مؤتمر حوار وطني شامل.. برأيك هل يمكن عقده بعد أن تحولت الأزمة إلى كرة في ملعب الأمم؟ ولماذا لا يكون لكم دور في التحضير والدعوة له؟

** لقد كان حزبنا أول من طرح فكرة المؤتمر الوطني للحوار، في أحد اجتماعات القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية آنذاك، وتشكلت في الاجتماع نفسه هيئة أسميت هيئة الحوار الوطني، وكان لحزبنا شرف المساهمة بها من خلال الرفيق الأمين العام للحزب. لقد امتدت جلسات الهيئة عدة أشهر، وحضر الجلسة الأخيرة لها بعض رموز المعارضة الوطنية، وقد عقد اللقاء التشاوري (10 – 12 تموز 2011) وأصدر توصيات سياسية واقتصادية واجتماعية نُفّذ بعضها، ولم ينفذ بعضها الآخر، والآن تشتد الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني عام ينبثق عنه ميثاق وطني يظلل نشاط كل القوى الوطنية والمجتمع السوري.

إن هذه الفكرة قد طرحها السيد رئيس الجمهورية، وفي إطار التحضير لهذا المؤتمر عُقدت اجتماعات بين السيد رئيس مجلس الوزراء وممثلي الهيئات السياسية والاجتماعية، ولاتزال الفكرة بحاجة إلى التنفيذ.

– اليسار السوري كيف تقرؤه تاريخياً (نشأته، حضوره، دوره)؟ وما هو دوره المستقبلي في ظل تعاظم الخطر التكفيري الظلامي؟ وهل لديكم خطوات عملية لتوحيد قوى اليسار؟

إن كل ما جرى ويجري في العالم يعزز الحاجة إلى قوى سياسية في كل مجتمع مؤثرة وفعالة لحماية مصالح الناس وتأمين زرق عيالهم وحمايتهم من الاضطهاد الاجتماعي والطبقي. إن هذه القوة ليست سوى اليسار الذي مهما شُوّه مفهومه وحورب، فلا يستطيع أحد إنكار ما قام به من تحولات ونضالات في سبيل حياة سعيدة لكل شعوب الأرض.

إن مفهوم وحدة اليسار هو مفهوم عريض وغير متفق عليه حتى الآن، ويحتاج إلى مجال أوسع لمناقشته. إن فتح باب المناقشة حول توحيد فصيلين أو أكثر على سبيل المثال، لن يؤتي ثماره.. ولكننا نعتقد بل ونطالب كل القوى الوطنية والقومية والاشتراكية والعلمانية والديمقراطية للقيام بخطوات عملية هدفها التقارب في الآراء والأفكار والتعاون المتبادل خاصة في المرحلة الحالية.

باعتبار أن لك باعاً طويلاً في المجال الاقتصادي، وكنت مديراً لإحدى أهم المؤسسات العامة في سورية، ترى ما هو النهج الاقتصادي السائد حالياً في البلاد، وما هو تقييمك للوضع الاقتصادي؟

إن النهج الاقتصادي السائد حالياً هو اللانهج، وقد نشأ ذلك بسبب عاملين أساسيين أولهما موروث عن التخبط الذي كانت تعانيه الحكومات السابقة في رسم الخطط الاقتصادية أو تنفيذها، وتغلغل أفكار الاقتصاد الرأسمالي، وتسلل طريقة تفكير صندوق النقد الدولي وبرامجه والركض وراء سراب الشراكة السورية الأوربية، وثانيهما هو الأزمة الكارثية التي حلت بالبلاد بسبب العدوان الاستعماري والإرهابي عليها، فأتى على معظم مواردها المالية في الوقت الذي بقيت النفقات على حالها أو ازدادت.. وأمام هذا الواقع المرير الذي تأثر به شعبنا وعاناه ومايزال يعانيه بصمت أليم، والذي أضيف إليه الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه، كل ذلك يجعل من أول أولويات البلاد هو عودة الأمان واستئناف الدورة الاقتصادية وعودة الحياة للمؤسسات والشركات العامة والخاصة. ولنكن واقعيين، نقول إن كل الجهود يجب أن تبذل في هذا الاتجاه، ولضمان ذلك نؤكد أهمية الأمور الثلاثة التالية:

1- ألا تمس حقوق العاملين في الدولة وفي القطاعين العام والخاص.

2- عدم الركون إلى الموارد الحالية للدولة، فهي لا تمثل قدرات سورية واستطاعتها.

3- عدم التنازل عن القطاع العام، وإعطاء الأفضلية في مشاريع إعمار البلاد للشركات السورية عامة وخاصة أولاً، ثم الاستعانة بالدول الصديقة التي قدمت لنا كل الممكن في الظروف العصيبة الحالية.

ولكن من المبكر الآن الغوص في قضايا إعادة الإعمار قبل استعادة الأمان وتوقف العدوان على البلاد، ويجب التركيز على القضايا الملحة التي تكفل استئناف دورة الاقتصاد الوطني وحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي أنهكت المواطنين.

بصفتك عضواً في مجلس الشعب، هل ترى أن هذه المؤسسة تمثل حقاً تطلعات الشعب، أم أنها أداة لتمرير ما تقرره القيادة السياسية في البلاد؟

للحقيقة، فإن معظم مشاكل البلاد تطرح في مجلس الشعب، ويتناولها أعضاء المجلس بكل صراحة، أما عن تنفيذ المقترحات التي تنبثق عنه فهذا شي آخر، إذ إن البيروقراطية الحكومية المتعاقبة لا تنفذ إلا ما تراه مناسباً لها، ولا توجد قوة رقابية وضاغطة عليها للتنفيذ، وبالتالي تدور القضايا والمطالبات من دور تشريعي إلى دور تشريعي آخر.

منذ فترة قام الرفاق الشيوعيون الموجودون في الخارج بلم شملهم وتشكيل لجنة تضمهم، ما هو الدور المطلوب منها وما مدى فاعليتها، علماً أنك حضرت الاجتماع الذي أعلن فيه انطلاقة اللجنة؟

لقد تخرج في جامعات الدول الاشتراكية السابقة آلاف الطلبة من مختلف الاختصاصات، أوفدهم الحزب بهدف عودتهم إلى الوطن، وهم مسلحون بالشهادات العليا لخدمة البلد. وقد لعب من عاد منهم وعمل في الدولة دوراً كبيراً في تطوير المنشآت والمؤسسات التي عملوا بها.. إلا أن قسماً منهم لم يعد وآثر أن يبقى على أمل توفر ظروف مناسبة للعمل في الوطن.. ومهما كان الرأي في ذلك، فإننا نعتبر أن على الرفاق الخريجين سواء من ظل منهم حيث تعلم، أم عاد إلى الوطن، مسؤوليات تجاه بلدهم وتجاه الحزب الذي أوفدهم، يفترض القيام بها.

كتب رئيس الحزب سابقاً الرفيق الراحل يوسف الفيصل في افتتاحية العدد الأول من (النور): (ستبقى (النور) جاهدة لتكون صورة حية عن تلاوين الطيف الوطني في مجتمعنا.. فالمجتمع، أي مجتمع، لم يكن يوماً ولا يمكن أن يكون لوناً واحداً، بل ألوان تشكل قوس قزح واحداً، تصب كلها في بؤرة واحدة، هي بؤرة الوطن، ومن هذا المنطق ستكون (النور) فسحة للرأي والرأي الآخر والحوار المسؤول).. هناك اليوم من يرى أن (النور) تقاعست عن حمل هذا المشروع.. فكيف تراها أنت؟

لا يوجد في الأمر تقاعس، ولا يمكن أن يتم ذلك بقرار جازم من أحد، إنها عملية نضج بين الأطراف المتحاورة ومنابر الحوار، تفضي للوصول إلى تعيين مستوى الحوار وحدوده في صحيفة حزبية ملتزمة مثل (النور)، فهي تريد، من ناحية، الالتزام بما هو مقرر، وهذه وظيفتها الأساسية.. كما تريد من ناحية أخرى توسيع آفاق الرؤية أمام القارئ دون الإخلال بهذه الوظيفة. لقد دخلت هذه العملية في صلب عمل الجريدة، وفهم البعض نشر أي شيء وكل شيء، وهذا الأمر لا يتفق مع مصلحة الحوار ذاته الذي يهدف إلى طرح مواضيع ترفع من مستوى الجريدة وتساعد على إنتاج أفكار جديدة.. ومع ذلك فإننا مستمرون في تشجيع الحوار الهادف والرصين، مع العلم أن ضغوط الأحداث تؤثر تأثيراً كبيراً في اهتمامات الجريدة واهتمامات القراء أيضاً.

منذ فترة تشكلت في الحزب مجموعة من اللجان تحضيراً لمؤتمره الثاني عشر، فما هي القضايا الجوهرية وذات الأولوية التي ستتصدر أعمال المؤتمر؟

بعض اللجان قطعت شوطاً في عملها، وكل اللجان تتابع عملها، وبما أن الأمور يجب أن تتكامل، فمن المبكر استخلاص أي من التوجهات سوف تتصدر أعمال المؤتمر.

يعتبر المؤتمر العاشر للحزب (2006) صفحة تجديدية في تاريخ الحزب، وكان وصولك إلى موقع الأمين العام للحزب أحد مظاهر هذا التجديد، ونحن اليوم نحتفل بالذكرى التسعين لميلاد الحزب.. كيف ترى وضع الحزب تنظيمياً وحضوره على الخريطة السياسية في البلاد؟ وهل أنت راض عما قدمته وأنت في موقعك برأس الهرم الحزبي؟

بالطبع لست راضياً عن كل ما قمنا به منذ المؤتمر، والرضا عن النفس عادة سيئة عند الإنسان، وهي تكبح جماح التفكير والتطور لديه، ولكن الحقائق يجب أن تذكر. لقد عصفت بالبلاد أحداث ذات طابع زلزالي عرّضت وجود الوطن بكامله للخطر، وماتزال. وحدث انقسام سياسي حاد غير مسبوق، وكان علينا أن نختار، في جوّ  لا هامش فيه على الإطلاق للخطأ، فاخترنا دون تردد مصلحة الوطن العليا، يوم انتشرت في أرجائه آراء تستخف بأهمية المسألة الوطنية، ولا ترى في الهجوم الخارجي على البلاد أي ضير، فكان أن سقطت هذه الآراء وسقط معها حاملوها في قاع سحيق، وقد كشفت الأيام أننا كنا على حق.. وبالمقابل لم نكن نساير الآراء التي كانت تصور أمور البلاد، وكأنها بألف خير، فانتقدنا وطالبنا بتصحيح ما هو خاطئ وناقص في البلاد، سواء فيما يتعلق بالحريات الديمقراطية أو بالنهج الاقتصادي الليبرالي الذي أضر بالبلاد وبمصالح العمال والفلاحين والفئات الوسطى وبالمثقفين، واعتبرنا أن الهجوم الاستعماري والإرهابي والرجعي على سورية لم يكن يستهدف إزالة ما هو سيئ في النظام، بل يستهدف ما هو إيجابي فيه، خاصة موقفه الوطني المناهض للهيمنة الإمبريالية والصهيونية على المنطقة ودعمه للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

لقد حافظنا بهذا الموقف على تاريخ الحزب وإرثه النضالي، وكنا أمناء لأرواح الشهداء من المدنيين والعسكريين.

إن هذا الموقف الذي اتخذناه قد قطع دابر الغموض والتساؤل الذي عمّ أوساطاً عديدة.. لكننا نقول بصراحة إن موقف الحزب هذا الذي تجاوب معه وارتاح إليه أعضاء الحزب وهيئاته، قد ترافق مع نقد أو مطالبة، سمِّها ما شئت، بأن يترجم هذا الموقف على الأرض بأفعال ملموسة توسّع من دائرة نشره وتأثيره على الرأي العام السوري وتستفيد منه القوى الفاعلة في الدولة والمجتمع لتصليب الجبهة الداخلية.

إننا نؤيد هذه المطالبات أو الانتقادات، ونرى أن المبادرات بهذا الخصوص ما تزال أقل بكثير من حجم الأخطار التي تتهدد وطننا، وجميعنا مسؤولون عن ذلك، قيادةً ولجاناً منطقية وفرعية وقواعد الحزب أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024