«سلمى والغيلان».. هل ذهبت عميقاً.. أم راوحتْ عند الضفاف؟!

ختام موسم صيف مسرح الطفل والعرائس

 ودّع مسرح الطفل والعرائس (مديرية المسارح والموسيقا- وزارة الثقافة) صيفه بالعمل المسرحي (سلمى والغيلان)، الذي عرض على خشبة مسرح القباني، بحضور مقبول نسبياً، سواء من المتفرج المستهدف (الطفل، الأسرة)، أو من الفنانين والمثقفين والمهتمين بالتربية، والطفل.

حكاية العرض..

من قبو أحد القصور؛ حيث تخدم وتعيش سلمى (روجينا رحمون)، والأم (تماضر غانم) يبدأ المؤلف طرح فرضيته، التي تنطلق من تذمر واستياء سلمى، وشكواها المستمرة من فقر الحال، وضيق العيش، والعمل المضني، وتعرّضها وأمها للظلم، وسوء المعاملة، من قبل سيدة القصر(إيمان عودة).

في إحدى الليالي؛ قبيل أن تخلد (سلمى) لنومها، يزورها الغول الطيب(بسام ناصر) ليعرض عليها: تلبية كل ما تتمناه، رداً لجميل (أمها)، التي ساعدت (أمه) أثناء مخاضها بولادته، حين كانت وحيدة في الغابة. لكن الغول الطيب يرهن عرضه هذا بشرطين: العيش ببساطة (مهما علا شأنها)، والعطاء الكثير (ولوامتلكت القليل). وافقت (سلمى) بعد أن أملت على (الغول الطيب) أمانيها: (قصر، مال، جاه، وحياة مريحة فارهة)، وكذا كان.

ينقلب ويتبدل حال سلمى والأم، وتبدأ رحلتهما مع النعيم والرخاء في قصر فاره، ولكن سرعان ما تنكث سلمى عهدها، وتنقض شرطَي الغول. تتحول من فتاة بسيطة، متعاونة، إلى أخرى مغرورة، متكبرة، متعالية، تولي المظاهر والشكليات كل اهتمامها، علاوة على قسوتها مع مدبرة القصر (إيمان عودة)، التي ينتهي بها المطاف بالطرد من القصر، وإنهاء خدمتها، برغم وساطة الأم المتكررة. كما أن سلمى لم تخفِ تذمرها من تقديم المعونات، ومساعدة المحتاجين،  حتى أنها باتت تطرد كل سائل يطرق بابها.

ذات ليلة؛ وأثناء خلوّ سلمى بنفسها، يظهر لها كبير الغيلان (بسام ناصر)، ليبلغها عن استياء الغيلان من عدم التزامها بالشرطين، ما دفعهم لتوقيع عقوبة بحقها، عقاباً على سوء سلوكها، ونقضها الوعد. تحاول سلمى ثني كبير الغيلان عن معاقبتها ومنحها فرصة أخرى للتوبة، إلا أنه ينفذ العقوبة محولاً (سلمى) إلى ضفدع مسحور، على أن تبقى على هذه الحال لأشهر ثلاثة.

تصعق الأم لهول المصاب، وينفطر قلبها، لدرجة أنها لا تتوقف عن البكاء، والنواح، والعويل حتى أنها تصل حد الانهيار، وهي تجثو أمامه وترجوه التدخل في إصدار العفو. يرق قلب الغول الطيب لما آلت إليه حال الأم، فيقرر فك السحر عن (سلمى)، شريطة ألا تعود إلى أفعالها الشائنة تلك.

يُفَك السحر عن سلمى، وتعود إلى هيئتها الطبيعية، ملتزمة بشرطي الغول، وفية لوعودها، تحيا ببساطة وعطاء.

ثغرات منطقية..

حمل العرض في سيرورته بعض التفاصيل الحكائية، التي تثير الكثير من الاستغراب والاستفسار. فكيف لخدم القصر أن يخلدوا لنومهم أثناء احتفاء سيدة القصر بضيوفها؟!، من سيقوم بخدمة الضيوف، وبمراسم الضيافة والحفاوة؟!. ثم كيف لسيدة قاسية، لا يعرف قلبها الشفقة، التساهل مع خدمها في تأجيل تنظيف القصر، بعد انتهاء الحفل، وانصراف المدعوين. وغيره من تفاصيل دقيقة لا تؤثر جوهرياً في بنية العرض وحبكته، بل يسهل تجنبها بقليل من الاهتمام والتدقيق.

الرؤية والحلول الإخراجية..

من يتتبع مسيرة مؤلف العمل ومخرجه (رشاد كوكش)، يدرك أنه يمنهج خطواته المسرحية، ذلك أنه كتب في عام 2008 (حسن وحسنة)، ثم في عام 2013 أخرج (الزهرة القرمزية)، وأخيراً في (سلمى والغيلان) مؤلفاً ومخرجاً. ولا شك في أن تجربته هذه، تمكنه من قدرةٍ مضاعفةٍ للتحليق نحو رؤاه، وفضائه المنشود (كونه كاتب العمل ومخرجه). مع التأكيد أن  جمهور النقاد لم يتفقوا بعد في موقفهم تجاه ما يسمى (المؤلف المخرج)، أو (المخرج المؤلف)، ومدى خدمة هذه الحالة للعمل المسرحي، وتعميق مقولته وقيمه.

أما فيما يتعلق بالحلول الإخراجية، التي قدّمها (كوكش) ومخرجه المساعد (نوفل حسين)، فبدت متباينة، بعضها جاء بنيوياً جذرياً، ومنها ما افتقر إلى تحقيق درجة مقبولة من الدقة، والإقناع، والسلاسة، وكمثال: جرى تبديل، عناصر الديكور وتغييرها، ونقلها، على مرأى الجميع، وفي وضح إضاءة الخشبة سواء من قبل ممثلين أو …. إضافة إلى أن العرض وقع في مطبات التباسية فكرية، نفسية، تربوية، (قد تفسر بشكل معاكس)، في معرض تناوله مبدأ الثواب والعقاب، الترهيب والترغيب، الوساطة والشفاعة كفيلة بإلغاء أي عقوبة، وتحقيق الآمال بالتمني والمعجزات.

ولا بد من الإشارة إلى بعض النقاط التي تدلل على ديناميكية (كوكش) كمخرج، في إجراء بعض التعديلات الطفيفة بين عرضي الافتتاح والختام، فمثلاً بدّل اسم (الغول الشرير)، فجعله (كبير الغيلان)، وكذلك تغيير القناع الأحمر الذي يرتديه (الغول الشرير) لأنه أثار خوف بعض الأطفال، بقناع أبيض وملامح أخف وطأة.

بقي أن نسأل كوكش (الذي صرح غير مرة أنه منحاز لحكايات الجدة)، بمودة وتلقائية: لماذا سلخـت الجدة عن حكايتها في (ســــــلمى والغيلان)؟.

العدد 1107 - 22/5/2024