موقف القانون من ظاهرة التسوّل

نتيجة للصراع الطبقي في البنية الاجتماعية، الذي سببته عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية فاقمت استغلال حاجات الإنسان اليومية بتزايد هذا الاستغلال نتيجة الأزمات التي يعاني منها المجتمع، سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، مما يؤثر على التنمية البشرية والاقتصادية، ونتيجة لما يحدث في سورية من حرب طاحنة وصراع مسلح أدى إلى تفكك اقتصادي واجتماعي، وزيادة البطالة، وانهيار في منظومة التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، برزت شركة جديدة من الفقراء والمتسولين دفعتها الحاجة والعوز إلى الشارع والأرصفة، حتى أصبح التسوّل ظاهرة تهدد المجتمع بأسره بدءاً من مؤسسة الأسرة والمدرسة وصولاً إلى الدولة.

فعلى مرأى من الجميع تنتشر ظاهرة التسول التي باتت مألوفة بحكم المشهد اليومي للمتسولين من نساء وأطفال ورجال معاقين ومرضى وأصحاء، مستغلين التعاطف الشعبي معهم بحجة التهجير وترك منازلهم، وهذه الظاهرة لم توضع في السابق على سلم الأولويات الأمنية ولا التشريعية.

فقد صدر قانون التسول رقم 16 تاريخ 22 تشرين الثاني 1975 الذي اقتصر على إحداث دور لتشغيل المتسولين والمتشردين، ومكاتب مكافحة التسول والتشرد، ونص في المادة 13 منه على: تقوم الدور والمكاتب بمراقبة ومكافحة وتأهيل المتسولين والمتشردين المعرفين في المواد 596 – 604 من قانون العقوبات العام السوري ومن أهداف المكاتب واختصاصاتها:

1- القضاء على ظاهرة التسول والتشرد عن طريق دراستها وبيان عواملها وأسبابها ووضع الحلول المختلفة لعلاجها.

2- ملاحقة المتسولين والمتشردين وتنظيم ضبوط بحقهم وتقديمهم للمحاكم المختصة ومراعاة اختصاص الشرطة بهذا الشأن.

3- تقديم تقارير إلى المحاكم المختصة تتضمن دراسة عن حالة كل موقوف من الناحية الاجتماعية قبل صدور الحكم القضائي بحقه.

4- متابعة أحوال المتسولين والمتشردين الذين يخرجون من دور التشغيل بعد تنفيذ الأحكام القضائية وانقضاء المدد التي حكموا بها.

ونصت المادة 14 من قانون التسول على: (تخصص وزارة الداخلية بالاتفاق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عناصر من رجال الشرطة يوضعون تحت تصرف المكاتب أو من يقوم مقامها لمؤازرتها وتنفيذ الأعمال التي تكلف بها). وأيضاً المتسول يحاكم وفق قانون الأحداث الجانحين من (سن 10 إلى 18 سنة) رقم 18 لعام 1974 وفي الفصل الثالث منه المادة 27 للمحكمة أن تفرض تدابير الرعاية على كل حدث:

أ-متشرد أو متسول لا معيل له ولا يملك موارد للعيش.

ب- يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق أو الآداب العامة، وللمحكمة في جميع الأحوال أن تفرض هذا التدبير على كل حدث رأت حالته تستدعي ذلك.

وفي قانون العقوبات الذي خص التسول في الباب العاشر في الجرائم التي يرتكبها أشخاص خطرون بسبب عادات حياتهم في المتسولين والمتشردين بالمواد من 596 حتى 604 منه وهي تعد الإطار القانوني لمنع ظاهرة التسول.

فقد عرف التسول في المادة 596: 1- من كانت له موارد أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان إما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر.

2- ويمكن فضلاً عن ذلك أن يوضع في دار للتشغيل وفقاً للمادة 79 ويقضى بهذا التدبير وجوباً في حال التكرار.

فالمشرع السوري قد حدد في قانون العقوبات العام الحالات التي تعتبر تسولاً، والعقوبة المقررة لذلك وحالات تجديدها، فقد نص في المادة 595 منه على الحبس من 6 أشهر إلى سنتين مع التشغيل، ووضعه في دار التشغيل مع فرض تدبير الحرية المراقبة، وذلك في ظروف يستجدي فيها التسول منها: التهديد أو أعمال الشدة -بحمل شهادة فقر حال كاذبة – التظاهر بجراح أو عاهات -التنكر على أي شكل كان -استعمال ولد غير ولده أو أحد فروعه ممن هو دون السابعة من العمر – بحمل أسلحة أو أدوات خاصة باقتراف الجنايات والجنح -بحال الاجتماع ما لم يكن الزوج وزوجته أو العاجز أو قائده.

ولأن تسول الأطفال وانحرافهم هي مسؤولية الأب والأم فقد حدد قانون العقوبات غرامة مالية وعقوبة حسب المادة  603 فالحدث لا يعاقب بينما من يدفع الحدث هو الذي يعاقب ويفرض على الحدث تدابير إصلاحية .وأيضاً قانون التعليم الإلزامي منع الطفل من العمل أياً كان نوعه قبل إتمام الخامسة عشرة.

فعلى الرغم من وجود هذه القوانين الخاصة بالتسول إلا أنها تعتبر قاصرة وغير كافية في ظل ضعف الرادع القانوني وغياب آلية تطبيق القانون بالشكل الصحيح. فالأحكام القضائية لا تأتي لصالح برامج التأهيل، إذ يوقف المتسول لفترة بسيطة ثم يطلق سراحه، إضافة إلى صدور مراسيم عفو شملت هذه الفئة، وكانت النتيجة تنامي ظاهرة التسول والتشرد وكثرة عصابات تشغيل الأطفال واستغلال النساء والمعوقين وما نجم عنها من مشكلات اجتماعية تؤثر سلباً على السلم الاجتماعي والاقتصادي والأمني والتكافل المنشود وإرباك الداخل والإساءة لسمعة الوطن.

ومع ارتفاع معدلات البطالة، والقهر الاجتماعي والفقر وضعف العدالة الاجتماعية، وثقافة التضامن والتكافل، وانعدام الوعي الاجتماعي، فعلى الدولة أن تقوم بتحمل مسؤولياتها لإيجاد حل نهائي لهذه الظاهرة الاجتماعية المشينة بالتعاون مع الجمعيات الخيرية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارات العدل والإعلام والداخلية، إضافة إلى المحافظة، وذلك بدعم القطاع العام، فملكية الدولة ضمان لحق الضعفاء من أفراد المجتمع ولممارسة الضمان الاجتماعي. والتنسيق بين هذه الجهات لإعادة تأهيل المتسولين وتفعيل طاقاتهم وفتح أبواب العمل وإنشاء مشروع متكامل للتنمية البشرية، يأخذ بنظام الأسرة المنتجة وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية لتقديم الخدمات الوقائية والعلاجية. وحث المواطنين على الامتناع عن إعطاء هؤلاء المال، فهم يساهمون في ارتكاب هذا الجرم، وبالتالي فرض عقوبة أو غرامة لذلك والتمييز بين العطف والرحمة وبين هذا الجرم .

فالمجتمع الذي يترك على غاربه يحصد أسوأ النتائج، فعلينا أن نرفع الصوت عالياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

العدد 1105 - 01/5/2024