أجور المواصلات تستنزف دخل المواطنين والسائقون لهم مبرراتهم

قال أحد المواطنين: (أصبح من يريد التحرك بوسائل النقل العاملة على المازوت، يحتاج إلى راتب شهري مخصص لهذه العملية، لأن أقل تكلفة لأقرب مسافة أصبحت لا تقل عن 50 ليرة)… هي القصة التي تعدّ أحد الأوجاع اليومية التي تنتاب ذوي الدخل المحدود، وخاصة بعد رفع سعر المازوت وترك السائقين على هواهم في تحديد تعرفة الركوب.. حجج شبع المواطن منها يسمعها من السائقين، في حين أن السائق يرى نفسه محقاً.. وبين هذا وذاك يرى كل طرف أنه هو المغبون، في حين أن المواطن العادي الذي لم يرفع راتبه، وربما يكون عاطلاً عن العمل، هو الأكثر غبناً من جميع الجهات الأخرى، لأنه يدفع كل شيء من جيبه، في حين لا يحصل على مقابل أبداً.

وهنا نطرح سؤالاً: هل كانت الزيادة الكبيرة التي طرأت على وسائل النقل العامة العاملة على المازوت منصفة في حق السائق والمواطن أم لا؟

مواطن يدفع نصف راتبه ل(السرافيس)!

المواطن رامي القاطن في ريف دمشق، أوضح أن أجرة طريقه تكلف أكثر من 250 ليرة يومياً، فالسرفيس يأخذ 100 ليرة على الراكب الواحد، متذرعاً أنه يسلك طريقاً طويلة للوصول إلى دمشق، وبعد أن يصل إلى دمشق فإنه سيضع ما لا يقل عن 25 ليرة أجرة مواصلات للوصول إلى مكان عمله، أي أنه يحتاج شهرياً إلى 6500 ليرة، وهو يعمل في القطاع الخاص ويتقاضى راتباً يبلغ بحدود 14 ألف ليرة، أي لم تطله الزيادة في الرواتب، بل على العكس طالته الزيادة في الضرائب والرسوم والزيادة في المازوت والأسعار.

وأضاف: (لم يبقَ لي من راتبي سوى 7500 ليرة، أي أن ما يقارب 40% من أجري الشهري أدفعه للسائقين، وكأني أعمل من أجل أن أعطي السائقين كل يوم 250 ليرة وأنا آخذ 250 ليرة، وكأن السائق تقاسم لقمة عيشي وراتبي بالضبط، وهذا ما يحدث معي ومع الكثير من المواطنين).

بالطبع المواطن رامي تجهم من هذا الوضع المزري كثيراً، وخاصة دون أن تضع المحافظة أو مديرية حماية المستهلك حداً لهذا الأمر.

إن المواطن يتكبد مبالغ مخيفة يومياً، والبلاء الأصعب يحل بمن لديه طلاب مدارس أو  جامعات يحتاجون إلى الدوام اليومي في دور العلم. وبالطبع فإن رب الأسرة بكل تأكيد لن يكفيه راتبه ولا راتب جيرانه أيضاً لتسديد ثمن المواصلات والتنقل ب(السرافيس) فقط ولم نقل ب(التكاسي).

سائق: المازوت لا نحصل عليه بسعره النظامي.. وأسعار زيت المحرك ارتفعت 300%

بالمقابل أوضح سائق سرفيس يعمل على خط (التل- عين منين) (والتي لا تلتزم أبداً بتلبية الخط بعد الساعة الواحدة ظهراً) وفق الكثير من المواطنين، أن رفع تعرفة النقل جاءت نتيجة عدة أسباب، منها رفع أسعار المازوت بقدر 25 ليرة ليصبح لتر المازوت الذي يباع بشكل نظامي ب 60 ليرة، في حين أننا لا نحصل عليه في المحطات إلا بسعر 100ليرة مع علم الجميع بذلك (ولا يوجد شيء مخبأ) كما قال، مستغرباً عدم تحرك جهات الرقابة، مثل التموين، لوضع حد لهذه المهزلة التي تمارسها محطات الوقود في كل مرة. فعندما كان سعر لتر المازوت ب 35 ليرة أصبحت المحطات تبيعه ب 45 ليرة، أي أنها لم تلتزم أبداً بتعرفة الحكومة، وهذا ما يجب أن تضع الجهات الرقابية حداً له، لأن السوق السوداء أخذت تستشري أكثر، وأكثر خوفنا هو من قدوم الشتاء، لأننا نتوقع أن يباع اللتر بأكثر من 150 ليرة، وعندئذ سيدفع المواطن الضعف لكي يستطيع التنقل ب(السرافيس)، وستتعطل الكثير من المصالح. فنأمل الإسراع في أن تضع الجهات الرقابية حداً لمهزلة محطات القطاع الخاص.

وعن السبب الثاني وفق السائق، أن التعرفة المقدرة ب100 ليرة جاءت نتيجة ارتفاع أسعار زيت المحرك بنسبة 300%، فقد ارتفع برميل زيوت المحرك من 43 ألف ليرة إلى 50 ألفاً في الأيام الأخيرة، وزيت (التوتال) إلى نحو 3 آلاف للعبوة، والفوكس 2600 ليرة، وزيت الهيدروليك 350 ليرة للتر، وزيت الفرام 400 ليرة للتر، أي إلى 3 أضعاف الأسعار السابقة، عدا مستلزمات السيارة الأخرى التي ترتفع يوماً بعد آخر بعيداً من الجهات الرقابية، التي لا تعطي هذه المحال والمهن الاهتمام المطلوب، وتغيب عنها بشكل شبه تام.

هذا عدا ارتفاع أسعار الإطارات بنسب تصل إلى 250%، وارتفاع أسعار المحرك وغيرها من الأمور، وهذا كله يتحمله صاحب السرفيس. كما أن تغيير الخط هو أيضاً السبب في رفع تعرفة التنقل. فمثلاً تبلغ المسافة من التل إلى آخر موقف، وهو في الحياة بدمشق، نحو 18 كيلومتراً أو أكثر بقليل، ولكن نتيجة الأحداث الأمنية التي تشهدها بعض المناطق، فإن السائق يضطر لتغيير خطه مما يؤدي إلى مضاعفة المسافة، وبالتالي فإن التعرفة تتضاعف على الراكب، مشيراً إلى أن الكثير من السائقين تركوا هذه المهنة، لأنهم يتعرضون للخسائر بشكل دائم.

من هو الخاسر؟

بعد عرض السابق يبقى القول، إن الكثير من أهالي تلك المناطق يعانون يومياً من عدم توفر أي وسيلة نقل تقلهم إلى منازلهم بعد الساعة الواحدة ظهراً، عدا ارتفاع تكلفة أجور السرافيس. ويمكن القول بأن التنقل أصبح يحتاج إلى الكثير من المال، ولا أعتقد أن سائق السرفيس الذي يتقاضى تعرفة مزاجية حددها هو، سيعرض نفسه للخسارة، ولا أعتقد أن محطات الوقود التي تضع تسعيرة مزاجية للتر المازوت والبنزين وتأخذ (الإكرامية) التي تشاء دون حسيب، تجرأت على هذا الأمر لولا التراخي الكبير الذي لمسته من الجهات الرقابية وعدم المبالاة، لأن عملية البيع تتم بوضح النهار وعلى علم الجميع. وأعتقد أن الخاسر الأكبر ضمن هذه المعادلة هو المواطن ذو الدخل المحدود. فزيادة الرواتب الأخيرة أتت لتغطي أجرة التنقل للموظفين في القطاع العام، فماذا عن العاملين في القطاع الخاص، وماذا عن صغار الكسبة؟.. الرابح بالطبع تجار الأزمات، وسائقو السرافيس بدؤوا يحذون حذو تجار الأزمات، وأخذوا بالمتاجرة بدخول المواطنين الهزيلة جداً، فهلا تحركت الجهات المعنية لوضع حد لكل الأمور السابقة.

العدد 1105 - 01/5/2024